اليوم، تنطلق "مسيرة من أجل الكرامة وضد العنصرية" من جادة باربس في العاصمة الفرنسية باريس عند الثانية من بعد الظهر (بالتوقيت المحلي)، أما وجهتها فساحة الباستيل. وهذه المسيرة بحسب الباحثة في علم الاجتماع حنان كريمي: "ليست وليدة اللحظة. والنساء اللواتي نظّمنَها هنّ جزء لا يتجزأ من جماعة مناضلة، هي في قلب منظمات الأحياء وتجمعاتها ليست ثمرة صدفة. هي نتيجة معاملة ترمي إلى فصل النساء "القابلات للاندماج" و"القابلات لنزع حجابهن" و"القابلات لعمليات التبييض" عن "رِجالهنّ". تضيف: "لا ترتبط مصالح هؤلاء النساء مباشرة بشرط نسائي مجرّد وإنما بتجربة ملموسة". تضيف: "هنّ وريثات جديرات بالمقاوَمات المعادية للكولونيالية وضد العبودية، يُلقين الحجارة الفلسطينية ويتحدّين الدبابات ويرتدين الحجاب والأعلام".
في ظروف استثنائية، تأتي هذه المسيرة الكبرى التي دعت إليها النساء من أصول مهاجرة، وترعاها المناضلة العالمية لحقوق المرأة والمدافعة عن حقوق السود في الولايات المتحدة الأميركية أنجيلا دايفس. وهذه التظاهرة التي يشارك فيها رجال ونساء، أرادت لها منظّماتها أن تكون من أجل إعادة الاعتبار للمرأة المتحدرة من أصول مهاجرة، وذلك بعد عقود من النضالات والوعود الرسمية الفرنسية. وتلفت دايفس إلى أنه "نحن النساء الملونات، لعبنا دوماً دوراً طليعياً في النضال ضد العنصرية".
وتقول كريمي: "ما زال يُنظر إلينا على أننا من أهالي الجمهورية، بالتالي ليست لدينا القدرة على اتخاذ قراراتنا. شاركنا في نضالات كبيرة ومنها مسيرة 1983 بعد وصول الرئيس الاشتراكي فرانسوا ميتران إلى السلطة، والتي وُعد فيها الجيل الثاني من المهاجرين بالحصول على حقوقه. لكن ها هو الجيل الرابع للهجرة، الذي لم يحصل على شيء بعد. يُراد منّا أن نصمت وأن ندع اليمين واليسار الفرنسيَّين المتعاقبَين على السلطة، يقرران ما يريانه مناسباً لنا. نحن نريد أن تتوقف الوصاية علينا، إذ ذلك يعني الكرامة وحرية اتخاذ القرارات والمواقف التي نراها مناسبة".
تجدر الإشارة إلى أنّ هذه المسيرة تلقّت دعماً من قبل أحزاب سياسية فرنسية (شبيبة الحزب الشيوعي وجبهة اليسار وحزب أهالي الجمهورية وتجمع مسلمي فرنسا) وكذلك من قبل منظمات وجمعيات حقوقية وإنسانية ومنظمات المجتمع المدني، من بينها "التجمع ضد انتهاكات الشرطة" و"التجمع ضد الإسلاموفوبيا" و"الاتحاد اليهودي الفرنسي من أحل السلام". وأيضاً من قبل فنانين وكتاب ومفكرين، على رأسهم المفكر طارق رمضان.
ومن منظمات هذه المسيرة، نذكر سارة كرمونا وهي مؤرخة ومتخصصة في التاريخ العسكري للغجر، وأمل بنتونسي الناطقة باسم تجمع "استعجال، شرطتنا تقتل" الذي "يناضل ضد إفلات الشرطة الفرنسية من عنفها". وأيضاً، فرانسواز فيرجيس وهي مؤرخة ومحللة سياسية والرئيسة السابقة للجنة "الذاكرة وتاريخ الاسترقاق"، إلى جانب ميراي فانون مينديس-فرانس المتخصصة في مجموعة العمل حول الأميركيين من أصول أفريقية لدى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
من جهتها، أعلنت المخرجة سميّة شالا دعمها للمسيرة، مع فيلم وثائقي حولها تحت عنوان: "السيدة فرنسا، أمّي وأنا". تقول فيه: "لديكِ، السيدة فرنسا، اكتشفتُ نفسي عربية ومسلمة"، لتصل إلى الخلاصة: "كنت أناضل في الجزائر حتى لا تكون الفتيات مكرهات على ارتداء الحجاب. وفي فرنسا، دافعت عن حق النساء في ارتدائه، إن كنّ راغبات في ذلك. هل يثير الأمر الذهول؟ بالنسبة إلي، هو مرتبط بالصراع نفسه".
وتعوّل منظّمات المسيرة على مشاركة جمهور كبير، ليس فقط من باريس وضواحيها وإنما أيضاً من مختلف أنحاء فرنسا ومن بلدان أوروبية مجاورة، علماً أنّ تظاهرة مماثلة تنظم في العاصمة البريطانية لندن غداً الأحد في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني.
ويعود الأمل في نجاح هذه التظاهرة بحسب منظماتها إلى شعارها: "من أجل الكرامة وضد العنصرية"، وخصوصاً أن الدولة الفرنسية لم تأل جهداً كما تقول أمل بنتونسي (إحدى المنظمات)، في "تعزيز إجراءات المراقبة والقمع. وبالإضافة إلى الشروط الاجتماعية القاسية، فإن التحرّش بسكان الأحياء وإهانتهم يشكّلان المعاش اليومي للسود والعرب والغجر وبيض الأحياء". تتابع: "من هنا الحاجة الماسّة إلى مسيرة جديدة هي مسيرة الكرامة، كما كان الشأن قبل ثلاثين عاماً وقبل عشرة أعوام، ضد الإذلال اليومي وضد الاحتقار وضد الإسلاموفوبيا وضد كل أنواع الرهاب وضد الجرائم البوليسية".
اقرأ أيضاً: مهاجرون غير شرعيّين بين فرنسا وبريطانيا