لم تكد عجلة إعادة إعمار قطاع غزة تنطلق، حتى عاد الشلل يصيبها مجدداً، بعدما أوقف الاحتلال الإسرائيلي توريد مستلزمات البناء لجميع مشاريع القطاع الخاص والمواطنين، باستثناء مشاريع البناء الممولة من دولة قطر، وكذلك الخاصة بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا".
وعلى إثر القرار الإسرائيلي، الذي صدر مطلع أبريل/نيسان الماضي، توقف العمل في مئات المشاريع الإنشائية، ولا سيما التابعة للمواطنين، ما تسبب في رفع نسبة البطالة والفقر في صفوف عمال الإنشاءات، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار بيع مواد البناء.
المواطن محمد البنا عبر عن خشيته من استمرار منع إدخال مواد البناء، مما سيحول دون استكمال بناء وتهيئة منزله غرب مدينة غزة، مشيرا إلى أن القرار الإسرائيلي سيتسبب بتعقيد الأوضاع الحياتية في القطاع المحاصر إسرائيلياً منذ قرابة العشر سنوات.
وانتقد البنا في حديثه لـ"العربي الجديد" ارتفاع أسعار مواد البناء بشكل جنوني، وتحديداً الإسمنت، حيث وصلت أسعار البيع لنحو ألفي شيقل للطن الواحد، بعدما كانت تباع ذات الكمية بقرابة 750 شيقلا، مطالبا الجهات الحكومية بمتابعة وتشديد الرقابة على الأسواق السوداء، (الدولار يعادل 3.78 شواقل).
وكانت سلطات الاحتلال ترفض بشكل قاطع إدخال مواد البناء إلى غزة، منذ فوز حركة "حماس" بالانتخابات التشريعية عام 2006، بداعي استخدامها في عمليات معادية، ولكنها سمحت في نهاية عام 2012 بإدخال كميات قليلة لصالح المشاريع التابعة للقطاع الخاص والمؤسسات الدولية.
مدير عام الإعلام في وزارة الاقتصاد الوطني، عبد الفتاح أبو موسى، قال لـ"العربي الجديد"، إن قرار الاحتلال بوقف إدخال الإسمنت إلى القطاع، جاء كنتيجة متوقعة لسلسلة من الاجراءات الإسرائيلية، التي كانت تهدف في مجملها إلى عرقلة مسيرة الإعمار ومضاعفة معاناة المواطنين المتضررين من العدوان الأخير.
وأوضح أبو موسى، أن القرارات الإسرائيلية الأخيرة تؤكد على رغبة الاحتلال في تشديد حدة الحصار المفروض على القطاع، مخالفا بذلك أحاديثه الإعلامية المتكررة حول منح تسهيلات لسكان القطاع، سواء المتعلقة بعملية إعادة الإعمار أو التي تخص حركة الشاحنات عبر معبر كرم أبو سالم التجاري، الواقع أقصى جنوب شرق مدينة رفح جنوبي القطاع.
ولفت إلى أن قرابة 40 ألف عامل في غزة تأثروا بشكل مباشر وغير مباشر بمنع الاحتلال إدخال مواد البناء إلى القطاع، الأمر الذي تسبب في رفع نسبة الفقر والبطالة في صفوفهم، بالإضافة إلى توقف العمل في مئات المنشآت التي تعتمد كليا في عملها اليومي على مستلزمات البناء الموردة من قبل الاحتلال.
وأضاف أن الاحتلال عمد منذ انتهاء العدوان الأخير إلى فرض جملة من القيود المشددة على معبر كرم أبو سالم، الذي يعد المنفذ التجاري الوحيد للقطاع مع العالم الخارجي، الأمر الذي جعل مسيرة الإعمار تسير ببطء شديد، مشيرا إلى أن كميات مواد البناء التي دخلت إلى غزة، منذ صيف عام 2014 لا تتجاوز الـ 10% من إجمالي احتياجات القطاع.
وكانت سلطات الاحتلال قد قررت في نهاية العام الماضي 2015، عدم تزويد 70 مصنعا من مصانع الباطون الجاهز والبلاط بمواد البناء اللازمة لاستمرار عملها، الأمر الذي أجبر أصحاب المصانع الإنشائية على إغلاق أبوابها وتجميد التعاقد مع المواطنين الراغبين في ترميم منازلهم ومنشآتهم.
وبالإضافة إلى ذلك، أوقف الاحتلال إدخال مادة "الإسمنت" لصالح المواطنين العاديين غير المتضررين من العدوان، وكذلك قلصت سلطات الاحتلال عدد شاحنات مواد البناء الواردة إلى غزة، عبر معبر كرم أبو سالم التجاري، وفق آلية المبعوث الأممي السابق، روبرت سيري، قبل أن يصدر قرار بوقف إدخال مواد البناء بشكل كلي.
بدوره، قال مسؤول العلاقات العامة والإعلام في الغرفة التجارية في غزة، ماهر الطباع، لـ "العربي الجديد"، إن القرار الإسرائيلي تسبب بوقف العمل في قطاع الإنشاءات بشكل كامل وغالبية القطاعات المساندة لمجال البناء، مشيرا إلى أن عملية إعادة إعمار القطاع المدمر ما زالت تراوح مكانها منذ انتهاء الحرب الأخيرة.
وأشار الخبير الاقتصادي، إلى أن الظروف المعيشية والاقتصادية التي يعيشها سكان القطاع تتطلب فتح كافة المعابر التجارية التي أغلقها الاحتلال خلال سنوات الحصار، وذلك من أجل إدخال مختلف احتياجات السكان بدون معيقات وقيود مسبقة.
وأغلق الاحتلال، منذ أن فرض حصاره، المعابر التجارية الثلاثة التي كانت تمثل العصب الأساسي للاقتصاد المحلي، وأبقى على معبر كرم أبو سالم، كمنفذ وحيد تدخل من خلاله جميع احتياجات القطاع، التي كانت تورد سابقا من المعابر المغلقة.
وبين الحين والآخر، ينظم الفلسطينيون المدمرة بيوتهم في العدوان الإسرائيلي الأخير فعاليات شعبية، احتجاجا على عدم اتخاذ الجهات المسؤولة أي خطوات فعلية في إعادة إعمار ما دمره الاحتلال، والاقتصار على الوعود لأصحاب المنازل المدمرة كلياً أو جزئيا.
وتعرض قطاع غزة في السابع من يوليو/تموز 2014، لعدوان إسرائيلي استمر لمدة 51 يوما، وذلك بشن آلاف الغارات الجوية والبرية والبحرية عليه، التي أسفرت عن استشهاد أكثر من 2162 فلسطينيا وإصابة الآلاف، بجانب تدمير 12 ألف وحدة سكنية بشكل كلي، و160 ألف وحدة تدميرا جزئيا.
وأشار رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار، جمال الخضري، إلى انضمام المئات من العمال والفنيين والمهندسين وأصحاب المهن المرتبطة بالبناء، إلى قائمة العاطلين عن العمل، ما تسبب بتزايد نسبة البطالة والفقر المرتفعة بسبب الحصار الإسرائيلي.
ولفت الخضري إلى وجود آثار سلبية وكارثية خطيرة على توقف حركة البناء والعمران والمشاريع، ما يكبد القطاع الخاص خسائر ضخمة مباشرة وغير مباشرة.
ودعا إلى ضرورة الضغط الدولي على إسرائيل لإدخال مواد البناء، وإنهاء الحصار بشكل كلي وفتح المعابر وإدخال كل ما تحتاجه غزة.
وقال إن أصحاب المنازل المدمرة ينتظرون إعمار بيوتهم المدمرة، ، حيث ما زال قرابة مائة ألف مواطن مشردين ويترقبون إدخال الإسمنت لبدء فعلي لبناء منازلهم.