منعطف مصيري للإخوان المسلمين في الأردن
لم يقدّم مكتب الإرشاد العالمي لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن "حلّاً سحرياً" للأزمة غير المسبوقة التي تمرّ بها، إذ أبلغ أعضاء المكتب القيادات الأردنية التي زارتهم، في اسطنبول، بأنّ الحل يكمن ضمن الإطار الأردني، مع التأكيد على أنّ مكتب الإرشاد يرى "أنّ حماية النظام الأردني مصلحة إخوانية"، كما أكّد لي من التقوا المكتب، مفسّرين ذلك بأنّ الأردن من الدول القليلة التي ما تزال تعطي الإخوان النشاط القانوني والسياسي.
لو تجاوزنا الاتهامات التي بدأت تصدر على مواقع التواصل الاجتماعي، ويتم التلميح لها من قيادة الإخوان المسلمين، بوصف ما يحدث عملية تمّ ترتيبها مع الأجهزة الأمنية لضرب الجماعة وتفجيرها من الداخل، وإشغالها بوضعها القانوني، وافترضنا أنّ عبد المجيد الذنيبات ومجموعته من قيادات مهمة في "الإخوان" قاموا بخطوتهم من منطق حماية الجماعة قانونياً، كي لا تلقى مصيراً مشابهاً لشقيقتها الكبرى في مصر، فالنتيجة أنّنا أمام جماعتين وقيادتين، يتحدث كلّ منهما بوصفه ممثلاً شرعياً لجماعة الإخوان المسلمين.
الطرف الأول هي الجماعة الأم، ومعها كوادر الجماعة، وستبقى تحظى بالحضور والشعبية في أوساط المؤيدين لها، ولن تستطيع الجماعة الجديدة سحب هذا البساط من تحت أقدامها، أما الطرف الثاني فهي الجماعة الجديدة المسجّلة قانونياً، وقد اختارت مكتباً تنفيذياً يرأسه ذنيبات، ومعه عدد من "الإخوان" الذين تم فصلهم من الجماعة، بعد إقدامهم على هذه الخطوة. وهذه الجماعة على الرغم من أنّها لا تمتلك حضوراً جماهيرياً، ومحدودة في عشرات الشخصيات، ولا تلقى قبولاً حتى من أغلبية جناح الحمائم في "الإخوان"، الذي خرجت من رحمه، إلاّ أنّها تمتلك ورقة التسجيل القانوني والدعم المبطّن من الدولة، ما يجعل من وجوده خطراً كبيراً على الوضع القانوني للجماعة، للمرة الأولى في تاريخها، ويرجّح من سيناريو سيطرته على مقرات الجماعة وممتلكاتها وأموالها وسجلاتها عبر بوابة "القضاء"!
ما تزال الأزمة تنتظر التطورات القادمة، التي تقع بين سيناريوهين، في حال تجاوز القطار الخلافات داخل الجماعة، ولم يعدّ ممكناً لملمة الموضوع. الأول أن تبقى هنالك جماعتان تتحدثان باسم الإخوان المسلمين، ويبقى حزب جبهة العمل الإسلامي الإطار السياسي الذي تتعامل معه الدولة، وتخوض عبره الجماعة الأمّ نشاطاتها السياسية، وربما التنظيمية. السيناريو الثاني أن يمضي الذنيبات في مساره، ويطالب باستلام مقرّات الجماعة عبر القضاء، وعندها سيكون مصير جماعة الإخوان المسلمين على المحكّ تماماً، وسينتقل نشاطها إلى الجانب السرّي تماماً، وستعتبره الدولة محظوراً، وهو سيناريو لا يعرف بعد ما إذا كانت الدولة ستشجّع الذنيبات على الذهاب نحوه!
تعرف مراكز القرار الرسمية، قبل غيرها، أنّ مجموعة الذنيبات محدودة، ولا تزيد على 50 شخصاً من "الإخوان"، بينما الثقل الحقيقي، حتى قيادات الحمائم مع الإطار الأول (الجماعة الأم)، ونتحدث هنا عن قرابة 5000 شخص مسجّلين في الجماعة (يزيدون وينقصون أحياناً، منهم 4600 عضو فاعل، فيما كان المنتخبون في الانتخابات التنظيمية أخيراً قرابة 5400). وكذلك الحال بالنسبة لجماهير الجماعة، لن تستطيع الجماعة الجديدة الحصول على "الشرعية الشعبية" بموازاة الشرعية القانونية، ولن تملك الدولة "تجيير" الشارع للكيان الجديد، وقد فشلت عندما دعمت محاولات انشقاق سابقة.
معضلة الدولة أنّ رهاناتها على المجموعة الجديدة لا تحمل إجابات عن أسئلة حيوية ومهمة لدى الرأي العام عند الأردنيين والسياسيين والخبراء المتخوّفين من هذه الخطوة؛ فأين سيذهب آلاف الأعضاء الشباب من جماعة الإخوان المسلمين، وما البديل لدى الشارع الأردني - من أصل فلسطيني، الذي ما تزال الجماعة الأم خياره السياسي الأول، ما قد يعزّز الفجوة بين الدولة وهذه الشريحة الاجتماعية الواسعة، ويعزز من نزوعها السلبي تجاه المشاركة السياسية. وينطبق الأمر نفسه على الطبقة الوسطى المحافظة المتدينة العريضة التي ترى في الإسلام المعتدل (بصورته الإخوانية) منبراً سياسياً واجتماعياً لها، فما هو البديل الذي تقدّمه الدولة لهم؟ في حال تمّ التعامل مع الإطار القائم بوصفه غير شرعي، ولم يقبل "الشارع الإخواني" بالإطار الجديد؟
هل فات القطار، وستدخل جماعة الإخوان في متاهة جدية، بعد الأزمة الداخلية الطاحنة التي استنزفتها وأرهقتها، وأكلت من رصيدها الشعبي (وفق استطلاع رأي مركز الدراسات الاستراتيجية أخيراً؛ تراجعت تفضيلات الشارع جبهة العمل الإسلامي - ذراع الإخوان المسلمين، من6.1 إلى 1.5%؛ وهو تراجع كبير وصارخ!). لكن، ما يزال هنالك أمل بأن يستمع "الإخوان"، ومعهم المتحمسون من الدولة إلى الصوت الوحيد الذي يمثّل مفتاح الحل، وهم شيوخ الجماعة ورموزها التاريخيون الوطنيون، ويطرح هنا اسم عبد اللطيف عربيات، رئيس مجلس النواب الأسبق، ليقود الجماعة ويتفاوض مع الدولة والذنيبات، لإيجاد حلّ توافقي، لعبور هذا المنعطف المصيري في تاريخ الجماعة.
تبرير موقف الدولة بالالتزامات الإقليمية هشّ وغير مقنع. أولاً، لأنّ هنالك خصوصية أردنية تاريخية في العلاقة مع الإسلاميين. وثانياً، لأنّ هنالك اعتبارات داخلية وطنية مهمة في ترسيم العلاقة مع "الإخوان" وقاعدتهم الاجتماعية. وثالثاً، لأنّ المعادلة الإقليمية نفسها في طور التغير جزئياً مع تفعيل خطّ أنقرة - الرياض، إن لم يكن باتجاه إعادة النظر مع جماعة الإخوان المسلمين جوهرياً، فعلى الأقل في التراجع عن اعتبار الخطر التركي - الإخواني بمثابة العدو الداخلي الأول للأنظمة العربية، كما ساد منذ الانقلاب العسكري المصري.