تُعتَبر الهياكل المهنية والنقابات التي تشتغل ضمن القطاع الثقافي، من مناطق الظل التي طالما أهملتها المتابعة الإعلامية وقراءات المثقّفين حولها، فلا نكاد نسمع سوى أخبار مقتضبة عن انعقاد مؤتمر هنا، أو انتخاب هيئة مشرفة على مؤسّسة هناك، من دون أن يرافق ذلك إضاءات حول الأدوار التي لعبتها وتلعبها هذه الهياكل، أو حول فروقات تسييرها بين هيئة وأخرى.
ضمن هذا الإطار يمكن أن نقارب "المؤتمر الوطني السابع للنقابة المغربية لمهنيّي الفنون الدرامية"، الذي عُقد خلال كانون الأول/ديسمبر الماضي، وأفضى إلى تجديد الثقة في مسعود بوحسين رئيساً لولاية جديدة، وانتخاب مكتب وطني يضم 25 عضواً.
كان المؤتمر قد عرف تأجيلات كثيرة على خلفية بحث منظّميه عن فضاء لاحتضانه، إلى أن انعقد في "مسرح لالّة عائشة" بمدينة المضيق، شمال المغرب، تحت شعار "ربع قرن من الفعل.. ونستمر...". خلال هذه الفترة، جرى تأسيس إطار نقابي جديد، رغم أن "توحيد الجسم النقابي الفنّي" شعار مرفوعٌ منذ سنوات في الساحة الثقافية. لكن السؤال الأهم يبقى: هل تساير هذه الهياكل الحراك الثقافي في المغرب وتعبّر عنه؟
بعيداً عن اللوائح التي تمّت المصادقة عليها، انشغل البيان العام، الصادر عن المؤتمر، بتحديد هوية وأفق "العمل النضالي"، حيث شدّد البيان على أن "لا سياسة تنموية فعّالة بدون سياسة ثقافية واضحة المعالم، وأن لا تنمية بلا ثقافة، ولا ثقافة بلا خيال ولا ابتكار". خلاصةٌ تراوح مكانها منذ زمن بعيد، إذ ظلّت الإطارات الثقافية والفنية في المغرب تُطالب الجهات المشرفة على القطاع بتحديد استراتيجيتها الخاصة، وتحديد سياسة ثقافية واضحة الرؤى.
بقي مشروع الوثيقة التوجيهية، التي تحلّل طبيعة العمل في ميدان الفنون الدرامية، وترسم منظور النقابة لآفاق تطوير ظروفه، سؤالاً مفتوحاً بحكم أنها الضامنة لرسم معالم الطريق نحو حل العديد من القضايا التي تخصّ العلاقات الشغلية لكل مجموعة مهنية، واقتراح الحلول الملائمة لتجاوز المشاكل وتقوية فرص "بناء مهن فنية درامية تخدم التنمية الثقافية وتضمن حقوق وكرامة المهنيّين وحمايتهم الاجتماعية وتقنين علاقاتهم الشغلية وحقوقهم المتعلّقة بالملكية الفكرية وتنمية قدراتهم المهنية".
هكذا، لم يخرج البيان كثيراً عن الشعارات التي ظلّت النقابة تدعو إليها في كل مناسبة. ومن النقاط التي لا تزال معلّقةً مسألةُ دسترة القطاع. ويبدو لافتاً أن بعض ما صاغه البيان يستند إلى الحركات الاحتجاجية التي يعرفها المغرب في السنوات الأخيرة، مع ربطها بالشأن الثقافي، وكل ذلك يبقى في النهاية مرهوناً بالسياسات العامّة وتوجّهاتها، وهي منطقة قلّما يصل إليها صوت المثقّفين، خصوصاً في الوضعية التي نجد عليها القطاع الثقافي المغربي من تشظّ وبلبلة.
كيف يمكن، والحال هكذا، أن يكون هناك صوت مسموع للمثقّفين كقطاع موحّد في مواقع القرار من أجهزة الدولة إلى نشطاء المجتمع المدني، من دون أن ننسى أهمية الاندماج في النسيج الاقتصادي؟