منطقة أنفاق غزة أشبه بمدينة أشباح

01 يوليو 2014
منطقة الأنفاق تتحوّل الى مدينة أشباح (العربي الجديد)
+ الخط -

لن تحتاج إلى "مرشد" لتتجوّل في منطقة أنفاق التهريب على الحدود بين قطاع غزة ومصر، فما أن تطأ قدماك ذلك المكان، حتى تدرك أنك دخلت إلى أشبه بـ"مدينة أشباح"، باتت تخلو من آثار الحياة، ولا يملؤها إلا ركام وغبار تنثره رياح حركة دوريات الآليات العسكرية المصرية على طول الخط الفاصل.

فمنذ فرضت إسرائيل حصارها على قطاع غزة، في يونيو/ حزيران من العام 2007، بات الفلسطينيون يعتمدون على أنفاق التهريب في توريد احتياجاتهم من المواد الغذائية والوقود ومواد البناء، وكان يعمل في الأنفاق، وفق إحصائية رسمية، أكثر من 12 ألف عامل.

ولكن، اليوم، مر 12 شهراً على إغلاق الأنفاق، منذ أحداث 30 يونيو/ حزيران 2013 التي أدت إلى عزل الرئيس المصري محمد مرسي، وما أعقبه من إغلاق للأنفاق وتدميرها وتفجيرها وملاحقة العاملين فيها، وأدى ذلك إلى تحويل المنطقة التي كانت تنبض بالحياة، إلى مجرد مأوى للحيوانات الضالة.

مدخل منطقة أنفاق التهريب، هو نقطة لقوات الأمن الوطني الفلسطيني. وبعد تجاوزها بـ"تصريح رسمي"، ستبدأ الرحلة في "عالم مهجور".

هناك تنتشر خيام، معظمها أتلفتها أشعة الشمس، بشكل عشوائي لتغطي "عيون الأنفاق". قربها أكوام من التراب والركام، وبعض العربات الحديدية والرافعات ملقاة بإهمال إلى جانب تلك الخيام.

بداية الرحلة، التي رافق مراسلة "العربي الجديد" خلالها، أبو أحمد، وهو مالك لأحد الأنفاق، كانت من أحد أنفاق تهريب المواد الغذائية، الذي أُغلق مدخله في الجانب الفلسطيني بشكل كامل، بعدما دمره الجيش المصري قبل سبعة أشهر.

ويقول أبو أحمد إن "هذا النفق كان أحد أكبر الأنفاق، وكان يتم عبره توريد المئات من صناديق المواد الغذائية يومياً، ولكن الجيش المصري فجّره ثلاث مرات في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، فاضطر صاحبه إلى إغلاقه".

ويضيف الرجل الأربعيني: "كان يعمل هنا أكثر من 15 عاملاً، يعيلون أكثر من 75 فرداً، ولكنهم الآن من دون عمل منذ إغلاق هذا النفق، وباتوا جزءاً من طوابير البطالة المنتشرة في قطاع غزة".

وليس بعيداً عن نفق المواد الغذائية، تنتشر مجموعة من الأنفاق التي تعلو فتحاتها رافعات حديدية كساها الصدأ، بعضها انهار بعد عام على هجره. وإلى جانبها، ألقيت بإهمال، حاويات بلاستيكية ضخمة، كانت البضائع تُرسل عبرها إلى غزة.

ويشير أبو أحمد إلى فتحة أحد الأنفاق قائلاً إن "هذه منطقة أنفاق تهريب الإسمنت، وهذا النفق كان يورد يومياً أكثر من عشر شاحنات محمّلة بأطنان من الإسمنت والحديد والحصمة (حجارة)"، مشيراً إلى أن الجيش المصري فجّر هذا النفق في بداية حملته في يوليو/ تموز 2013، وعاد النفق بعد ذلك للعمل بشكل جزئي بعد شهر من هدمه، ولكن سرعان ما اكتشفه الجيش المصري من جديد، وفجّره بالكامل باستخدام مواد متفجرة.

ويبلغ عدد أنفاق تهريب الإسمنت، وفق أبو أحمد، 50 نفقاً، جميعها توقفت عن العمل بشكل كامل، وأدى إغلاقها إلى ارتفاع البطالة إلى حدها الأعلى، إذ وصلت إلى 43 في المئة في القطاع، وأدى ذلك أيضاً إلى توقف حركة الاعمار والبناء في غزة الذي تعرّض لعدوانَين إسرائيليَّين.

أنفاق مواد البناء تتوسط المنطقة الحدودية المصرية ـ الفلسطينية، وإلى جانبها الغربي منطقة كانت قبل عام لا تخلو من الحياة، ومن روائح الوقود أيضاً، فهناك توجد العشرات من أنفاق تهريب البنزين والسولار، الذي كانت إسرائيل تمنعه عن غزة.

تلك المنطقة، كما يقول أبو أحمد، "كانت تعج بالحياة في الليل والنهار، فلا تخلو من التجار والعمال، إذ إن أنفاق تهريب الوقود هي الأهم. فقطاع غزة كان يعتمد بشكل كلي على الوقود المصري".

ويكشف أنه "كان يتم يومياً ضخ آلاف الليترات من البنزين والسولار عبر أكثر من 60 نفقاً، ولكن الجيش المصري فجّر كل هذه الأنفاق ودمر مضخات الوقود في مدينة رفح المصرية، ولم يعد أحد يستطيع توريد ليتر واحد من الوقود المصري".

وفي طريق العودة بعد انتهاء رحلة "العربي الجديد" في ذلك "العالم المهجور"، قال أبو أحمد إن "كل شيء انتهى هنا، ولم يبقَ سوى الركام والغبار، ولا يمكن لما تبقى من أطلال هذه الأنفاق أن تعود للعمل يوماً ما".