"بيولر؟ بيولر؟" إذا كنت قد شاهدت فيلم إجازة فيريس بيولر، فلا بدّ لهذه السطر أن يستحضر بعض الذكريات مثل "أوه نعم" و"يا فتاة" و"سيارات الفيراري" و"لعب الهوكي" و"المواعدة" في الثانوية، وكلّها اقتباسات مهمّة ظهرت في فيلم قصّة البلوغ الذي حقّق نجاحًا كبيرًا.
ومثل السطر في فيلم المشتبه بهم المعتادون "من هو كيزر سوز؟"، وفيلم المدرسة القديمة "أنت صديقي، يا بلو؟" وفيلم زولاندر "ما هذا؟ مركز للنمل؟"، وفيلم الخلاص من شاوشنك "انشغل بالحياة أو انشغل بالموت"، والتي تعدّ من الأسطر المُفضلة لنا شخصيًا، فـ فيريس بيولر شقّ لنفسهِ طريقًا إلى الوعي الأميركي والعالمي. ولكن هذه الأفلام لديها شيء آخر مشترك أيضًا، وهو أنه لا يمكن لأي منها أن يُجرى بثّه على نيتفليكس.
كلّنا تقريبًا إلى حدٍّ ما، خضنا محادثات حول توفّر الأفلام التي نودّ أن نشاهدها. ما الذي يجب علينا مشاهدته الليلة على نيتفليكس؟ الأب الروحي؟ ليس متوفرًا. ماذا عن الجزء الثاني؟ أيضًا ليس متوفرًا، حتى الجزء الثالث من السلسلة ليس متوفرًا. "إنديانا جونز"؟ استمر في المحاولة. "نوسفرتث"؟ مفقود أيضًا. وقائمة الأفلام العظيمة غير الموجودة على نيتفليكس تستمرّ، فهذه الأفلام: "ساحر أوز" و"المواطن كين" و"آي تي" "وسايكو"، و"12 رجلاً غاضباً" تتشاطر جميعها شرف عدم عرضها على نيتفليكس. أترى؟ تواجه نيتفليكس – مثل كثير من المنصّات – قرارًا استراتيجيًا؟.
هل تتنافس نيتفليكس مع هوليوود من خلال إيجادها مجموعة واسعة من الأفلام، والتي تغطّي معظم ما يودّ الناس أن يراه؟ هذه هي الطريقة التي كانت تستخدمها متاجر بلوكبستر في العمل، على الأقل عندما يتعلّق الأمر بالأفلام المحليّة السائدة، إذ يكون في بال ناس فيلم ما فيبحثون عنه، وعادة يكونون راضين عندما يجدونه في القائمة، أم أنها تركز على المحتوى الحصري الذي يمكنك العثور عليه على نيتفليكس ولكن ليس في مكان آخر؟
(بلوكبستر هي شركة أميركية كانت تقدم خدمات تأجير شرائط الفيديو، امتلكت بلوكبستر متاجر في كل ولايات أميركا، وكانت المصدر الأوّل لتأجير شرائط الفيديو بهدف مشاهدة الأفلام، ظلت بلوكبستر تحتفظ بالصدارة حتى ظهرت شركات مثل نيتفليكس لتقوم بإرسال شرائط الفيديو للمستخدمين عبر البريد، وبعد ذلك تطوّر الأمر حتى وصل لإمكانية شراء ومشاهدة الأفلام عبر الإنترنت، أعلنت الشركة إفلاسها وأغلقت معظم فروعها وتعاني من سداد الديون المستحقة عليها حتى الآن – ملاحظة المُترجم).
في أيّامها الأولى استخدمت نيتفليكس النهج السابق في خدمة الشحن. ولكن خدمة الشحن صارت الخدمة الثانية التي تقدّمها الشبكة إلى جانب الخدمة الأولى، وهي العرض عبر الإنترنت. واتجهت الشبكة بكل قوّتها تجاه المحتوى الحصري الذي تنتجه داخليًا، لأنها لا تحمل إلّا جزءًا صغيرًا من الأفلام الكلاسيكية على خدمة البث الخاصّة بها. وبالنظر إلى قائمة أفضل الأفلام في قاعدة بيانات الأفلام على الإنترنت IMDb الأعلى تقييماً في كل الأوقات، فإن 13 فيلمًا منها فقط موجودة على نيتفليكس من أصل 100 فيلم.
في الوقت الذي تنمو فيه نيتفليكس وغيرها من منصّات البث وتعمل على إنتاج محتوى حصري خاص بها، نقع نحن في خطر فقدان أجزاء من الذاكرة الثقافية لدينا، كأن ننسى بعض الأفلام الكلاسيكية التي شكّلت أجيالًا كاملة. صحيح أن قائمة الأفلام الكلاسيكية لا تبقى كما هي، وصحيح أن بعض أفلام ومسلسلات نيتفليكس الأصلية بالفعل في طريقها إلى أن تصبح كلاسيكيات ولكن ما هو مختلف الآن هو أن منصّات مثل نيتفليكس سوف تقرّر لنا أيًّا من الأفلام القديمة سيكون بإمكاننا الوصول إليها أو لا. كثير من الأفلام الأكثر شهرة كانت متوفّرة في بلوكبستر (ويمكن رؤيتها من خلال خدمة DVD من نيتفليكس) ولكنها غير متوفّرة على بث نيتفليكس.
قد يفكّر أحد ما بأنه ما زال بإمكاننا استئجار هذه الأفلام عبر أمازون أو آي تونز أو غوغل بلاي، ولكن هذا الاقتراح يتجاهل نقطتين مهمّتين.
أولًا، لقد أثبتت دراسات كثيرة في علم النفس بأن اختياراتنا لا تعتمد فقط على تفضيلاتنا ولكن كذلك على الخيارات التي نحن على دراية بها في لحظة ما. وبعبارة أخرى: "البعيد عن العين بعيد عن القلب". فنحن نحب مسلسلات نيتفليكس مثل "البرتقالي هو الأسود الجديد" و"لوك كيج". ونحن نقدر أن نيتفليكس أنفقت 6 مليارات دولار على المحتوى الأصلي في عام 2017. ولكن عندما تواصل نيتفليكس جعل المستخدمين الرئيسيين يفكّرون في هذه العروض، فإن المستخدم الذي يختار مسلسل "الإفطار عند تيفاني" بعد الموسم الخامس من مسلسل "بيتٍ من ورق"، فهو لم يفكّر حتى في البحث عنه بالمقام الأوّل، على الرغم من تفضيل الشبكة الأساسي لذلك. وبطبيعة الحال، اتخذت بلوكبستر أيضًا قرارات حول الأفلام التي تريد أن يتمّ بيعها (على سبيل المثال، عن طريق وضع الإصدارات الجديدة في مواقع رئيسية في المخازن). ولكن هذا القرار أكثر أهمية لـ نيتفليكس بسبب استراتيجية المحتوى الحصري، فالمنّصة تستخدم كل حافزٍ لديها لجعلك تنسى كل الأفلام الأخرى التي تريدها أنت وليست موجودة لديها.
ثانياً، تعتمد تفضيلاتنا للأفلام على ما يشاهده الآخرون. وهناك ورقة حديثة صدرت لفهم دور ما يدعوه الاقتصاديون بشبكة العوامل الخارجية المؤثرة في عملية الذهاب لمشاهدة فيلم ما.
وباستخدام الطقس، كأحد المؤثّرات بشكل عشوائي على مبيعات شبّاك التذاكر في عطلة نهاية أسبوع واحدة، فقد أظهرت الورقة أنه إذا وصل شخص واحد إلى السينما من قبيل الصدفة، فإن الشخص الثاني سوف يقرّر الذهاب في وقت لاحق. وأظهرت الورقة أن هذه الظاهرة في معظمها تحصل في المدينة، وتبقى هذه النتيجة صحيحة، حتى لو كان تقييم الفيلم عاليًا. وذلك لأن شبكة العوامل الخارجية المؤثّرة في عملية الذهاب لمشاهدة فيلمٍ ما، تقودنا إلى تقييم فيلم ما أكثر من تقييمه عندما يراه الآخرون قبلنا.
وعندما يخبرنا أحد الأصدقاء أنهم ذهبوا لمشاهدة فيلم ما، حينها نودّ نحن أن نذهب لمشاهدته أيضًا. وبعبارة أخرى، فإن الأفلام تكون أفضل كتجربة مشتركة لا فردية.
ولهذه النتائج آثار مهمة. فـ نيتفليكس ليست مجرّد مراقب سلبي لتفضيلات المستهلك. بل هي من تقوم بتشكيل وصناعة هذه التفضيلات من خلال المحتوى الذي تدفعك لمشاهدته. وطالما أن نيتفليكس هي الشركة الرائدة الآن في سوق بثّ الأفلام، فإن ما تدفع مشتركيها لمشاهدتهِ، يتمّ تقريره عن طريق الاستفادة مما يتم تداوله من قبل مشتركي نيتفليكس الآخرين، والذين يتحولون بشكل أو بآخر إلى مشاهدين مؤثّرين. كذلك تستفيد نيتفليكس من هذا بجعل البدائل الناقصة أقل وضوحًا، لاحظ مثلًا، إذا بحثت عن فيلم مفقود، فإن نيتفليكس تقدّم لك بدائل عنه ويكون اسم الفيلم الذي بحثت عنه موجودًا بخطٍ صغيرٍ في خانة البحث أعلى الصفحة.
وعلى الرغم من أن المحتوى قد يكون متوفرًا في مكان آخر، إلا أن هذه الشبكة وآثارها البارزة تعزّز مكانة المنصّة لتشكيل المحتوى والدور الذي تلعبه في تحديد الأفلام التي ستبقى أو تتلاشى من الوعي العام. ولا شيء مما كتب في هذا المقال يهدف إلى التقليل من قيمة نيتفليكس أو خدمات البث الأخرى، والتي كان لها كثير من الآثار الإيجابية. بصورة أعمّ، أدّت وسائط الإعلام الرقمية في كثير من الحالات إلى زيادة نوعية وكمية المنتجات الإبداعية التي يجري إنتاجها. تسلط هذه النتائج الضوء على المفاضلة الاستراتيجية التي يجب على هذه المنصّات التفكير فيها بعمق. فهي لا تقدّم الطلب فحسب، بل تؤثر على صناعة الطلب نفسهِ عن طريق تفضيلاتها وتفضيلات شبكة العوامل الخارجية.
(النص الأصلي)