في حي صغيرٍ بمحافظة ذي قار، جنوبي العراق، يعمل أحمد حسن (36 عاماً) على مشروعٍ لإنعاش المدينة بتماثيل حجرية وطينية لملوك حضارات سومر وأكد وبابل، بتمويلٍ ذاتي ومن دون أي دعمٍ خارجي أو حكومي. لم يكمل أحمد حسن دراسته، فقد توقف عند شهادة الثانوية كونه انشغل بالعمل في سبيل توفير حياة له مع أهله. لكن حلم النحت ظلّ يراوده، وكان على قناعة بأن صناعة التماثيل تمكنهُ من جمع أموال كثيرة، إلا أنه يقول لـ"العربي الجديد"، إن "الحقيقة تختلف عن الواقع، لأن الجهات التي من المفترض أن تشتريها لا تهتم لها".
يشير أحمد حسن، الذي يواصل عمله في ورشةٍ داخل بيتٍ في حي "البدعة" التابع لقضاء الشطرة في ذي قار، إلى أن حلم النحت كان لديه منذ أن كان عمره 11 عاماً ولكنه تركه، ثم عاد إليه قبل تسع سنوات معتمداً على القراءة ومطالعة صور التماثيل الأصلية لملوك الحضارات العراقية القديمة. ويلفت إلى أن المشكلة الأساسية التي تواجهه "هي الإدراك الفني بجزيئات المنحوتات، ولا سيما أجزاء جسم الإنسان أو التفاصيل الصغيرة وكيفية نحتها بطريقة احترافية، ولكن أحد الأشخاص، وهو صاحب الفضل الأول في تعليمي وتدريبي على تطوير قدرتي على النحت، وهو محمد خالد الرحال، خصص وقتا طويلا معي في سبيل تعزيز شغفي بالنحت".
ويوضح أنه ترك الدراسة عندما كان صغيراً، إلا أن حب النحت والموهبة التي يمتلكها أجبره على قراءة كتب التاريخ والحضارات العراقية. وعن بداياته يقول: "كان بيت أهلي هو المسرح الأول بالنسبة لي، فقد كنت أجلب الحجارة وأسعى إلى النحت عليها واستخلاص الوجوه منها والأشكال، ولكن حالياً لدي بيت كامل وكبير، أستغله للعمل مع بعض النحاتين الذين تدربوا في الورشة، وصارت لديهم إمكانات جيدة، وزوجتي هي أحد أهم أسباب نجاح أعمالي لأنها بالنسبة لي تعتبر ناقدة فنية من طراز عال، مع كونها غير متخصصة بالنحت". ويردف أن "الأعمال لا تُشترى بكثرة، مع أنها تكلفني الكثير من المال، ولدي أدوات اشتريتها بملايين الدنانير العراقية، وحالياً هناك من يتواصل معي من طلبة الفنون الجميلة لغرض أعمال فنية، وبعض المواطنين الذين يقدرون القيمة الفنية لنسخ التماثيل".
يهدف أحمد حسن إلى "تعريف العراقيين بملوك بلادهم في الحضارات القديمة، إذ لا بد للأجيال الجديدة من أن تعرف عظمة العراق القديم من خلال الأعمال الفنية والمنحوتات، وربط أهالي جنوب العراق بملوك الحضارات القديمة مثل "كلوديا" و"أورنامو"، وأسعى إلى أن يعرف الأطفال قيمة تاريخ بلادهم". ويؤكد أنه يسعى دائماً إلى أن يزوره الأطفال في ورشته من أجل مشاهدة كيف تتم عملية النحت، من حيث اختيار الشخصيات والعمل على تنسيق الأجسام والكيفية التي تتم عبرها طريقة النحت.
أهدى أحمد حسن تمثالين لعملاقين إلى متحف الناصرية، حيث عمل على نحت نسختين من تمثالي كلوديا وأورنامو، وقد وضع أحدهما في قضاء الدواية بالناصرية، ولكن ما يستغرب منه النحات العراقي، أنه لم يتلقّ الشكر من قبل المسؤولين بالرغم من أن مبادرته ذاتية، وأن التمثالين يزيدان من جمالية المدينة، وأن أول من حاربه هم الأكاديميون من الفنانين في مدينته، لأنهم يعتبرون أحمد وموهبته، يشكلان خطراً عليهم.
أتقدم بالشكر الجزيل والامتنان الكبير إلى الأستاذ المحترم عامر عبد الرزاق مدير متحف الناصريه الحضاري لجهوده المبذولة...
Posted by احمد حسن النحات on Sunday, May 24, 2020
ويشكو حسن من "قلّة الاهتمام الحكومي بالفنان العراقي، ولا سيما أولئك الذين يقدمون محتويات وأشكالا متطورة من الفنون، مع العلم أن غالبية المسؤولين عن ملفات الثقافة والفنون في الحكومة العراقية هم من مدن جنوب البلاد". ويكشف أن "أولى الجهات التي سعت إلى إفشال مشاريعه الفنية، هي الحكومة المحلية في ذي قار، بعد عدم سماحها بوصول أي دعمٍ لورشته من منظمات معنية بتطوير العاملين في مجال المهن اليدوية، لذلك يعتمد حالياً على تطوير منحوتاته الكبيرة عبر تمويل ذاتي منه". ويذكر أن "مكتب وزير الثقافة الحالي اتصل بي، وتحدثنا عن إبلاغ الوزارة بما أحتاج إليه، ولكنهم لم يعرضوا المساعدة أو تقديم أي تسهيلات، كما أن الوزارة لم تسع نهائياً إلى استقبالي كوني فنانا يقدم أعماله هدايا للمدن الجنوبية، وهذا التقصير يزعجني كثيراً".