مناضل لا مواطن

20 اغسطس 2020
اعتصام في بيروت بعد طرد 850 موظفاً من الجامعة الأميركية (جوزيف عيد/فرانس برس)
+ الخط -

حين تتوقّع الأسوأ في أية لحظة، يصير كلّ ما تعيشه اليوم عادياً. لا كهرباء في البلاد. بضع ساعات منها لا تكفي لغسل الثياب وكيها أو تأمين المياه أو الحفاظ على الأطعمة في الثلاجات. قد نرمي كل شيء في سلة المهملات ونتذكر أن الآتي أسوأ. فكرة كافية لتهدّئ من روعنا. تزامن هذا مع الارتفاع الكبير في درجات الحرارة. كانت أطرافنا تلتصق ببعضها بعضاً، وأجسامنا لا تطيق أي عنصر خارجي. أي قطعة ثياب تزيد الوضع سوءاً. عدم القدرة على احتمال الآخر مبررة. المزاج العصبي كذلك. لا تذوب أحلامنا فقط، بل كل ما فينا ينكمش. انكماش اقتصادي يصير انكماشاً جسدياً. 
المزروعات التي أزهقت أرواحها بسبب السياسات المتبعة، تنظر إلينا من السماء، وقد عرفت أن أرواحنا ستزهق أيضاً بسبب السياسات نفسها. وها قد بدأنا نتوارى عن الأنظار. لا نطيق شيئاً أو أحداً. نحاول تجاهل كل ما يحدث وعيش بعض مما بقي من الحياة، ثم تستفيق على واقع جدير بأن يصدمنا كل يوم، وكأنّه لن يشبع.
وسط كل هذا، يُطلب منّا الشعور بالمواطنة. والأخيرة تعني الفرد الذي يتمتع بعضوية بلد ما، ويستحق بذلك ما ترتبه تلك العضوية من امتيازات. وفي معناها السياسي، تُشير المواطنة إلى الحقوق التي تكفلها الدولة لمن يحمل جنسيتها، والالتزامات التي تفرضها عليه؛ أو قد تعني مشاركة الفرد في أمور وطنه، وما يشعره بالانتماء إليه.
والانتماء مسألة قد تستغرق نقاشات طويلة، وقد تؤدي إلى انقسام اللبنانيين، وما هو أخطر من ذلك. وكلّما فكّرت في الانتماء فكّرت بالتعرّق الذي لازمني على مدى الأيام الماضية وما زال، وضجيج المولدات الكهربائية الذي قد يجعلك تصرخ في أية لحظة، ومن دون سبب تقنع به الآخرين، إلا إذا كانوا مثلك، يتعرقون طوال الوقت، ويدعون الله أن تصمت هذه المولدات، حتى لو كانت النتيجة العودة إلى الشموع.

موقف
التحديثات الحية

من الصعب أن نكون مواطنين، فهذا يتطلب دولة على الأقل. نحن على الأرجح مناضلون في مساحة جغرافية أطلق عليها دولة. نناضل من أجل إيجاد عمل ينقذنا من البطالة. نناضل لتأمين بدائل للخدمات الأساسية غير المتوفرة كالمياه والكهرباء. نناضل لإيجاد مساحة عامة. نناضل من أجل بيئة نظيفة وحل أزمة النفايات والتوعية حول إعادة تدويرها. نناضل من أجل استرجاع الأموال المنهوبة، وأموالنا المحتجزة في المصارف، ومكافحة ارتفاع الأسعار الجنوني. نناضل من أجل تأمين الحد الأدنى من مقومات العيش لأطفالنا.
لم يعد من سبب للادعاء بالمواطنة، أو العمل على تكريس هذا المعنى والحق، بعدما لم تعد صالحة للاستخدام على مر  السنين. نحن مجرد مناضلين حلمنا بوطن علنا نكتسب صفة المواطنة.