أحبّت منار البنا، في صِغرها، ما عملت به في محاولة رسم الأزياء وتصميمها، حتى اختصّت في ما أحبّته، بعدما نضجت في عشرينيات عُمرها. وراح قلبها يدق فرحًا مع كل صباح تخطو بقدميها عتبات بيتها الثاني، الخاص بتصميم الأزياء وتنفيذها وبيعها، هاربةً من ناقوس البطالة الذي حاول دفعها إلى قطاره الذي لا يتوقّف في غزة.
وعلى عكس مجال التصميم الذي سرقته عيناها صدفة خلال جلسة عابرة مع إحدى صديقاتها في طفولتها، ومعه بدأت محاولاتها في إتقان ذلك الفن، درست البنّا تخصص الهندسة المعمارية في جامعات غزة، وتفوقت به، كونها اختارت الأقرب لهوايتها في التصميم والتلوين والرسم، ما ساعدها في تكوين شخصيتها في تصميم الأزياء.
بعد ارتدائها قُبعة التخرج من الجامعة، ذهبت أحلامها كغيرها من الفلسطينيين تحدو بها إلى وظيفة تكافئها على سنوات دراستها، وذلك للهروب من طابور البطالة الطويل المُصطف من أقصى شمال غزة إلى جنوبها. وقالت: "كنت أحلم بالعمل في مجال دراستي، لكنني اكتشفت أن الوقوف في طابور البطالة هو مصير معظم خريجي القطاع".
وأوضحت البنا لـ"العربي الجديد" أن صدمة البطالة دفعتها للتفكير بمشروع خاص بها، وما كان لها غير مجال هوايتها منذ الصغر في تصميم الأزياء. وأصبحت تُركز وقتها على متابعة عروض الأزياء والموضة، ورسم أفكار جديدة وعرضها عبر صفحتها الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك، الأمر الذي عزز الفكرة لديها، نتيجة التعليقات الإيجابية على أعمالها.
وما خدم فِكرتها التي بدأتها قبل أربعة أعوام، هو تزامن عروض تمويل لمشاريع وأفكار الشباب الريادية، والتي حازت به إعجاب من وجد بمشروعها شيئًا يُلامس حاجة الفلسطينيين، وأهلها لتنمية موهبتها وتطويرها شيئًا فشيئًا، وتلقيها دورات في الخياطة، حتى اتخذ "الحلم" من شرقي المدينة، المحاصرة إسرائيليًا منذ 11 عامًا، مكانًا له.
(عبدالحكيم أبو رياش)
"ميكس فاشيون" هو ذلك المشروع الخاص بالمهندسة الغزّية، والذي عرّفته على أنه "تصميم الأزياء بروح فلسطينية تجمع بين الأصالة والحداثة بشكل يحافظ على ثقافة المجتمع الفلسطيني"، إذْ تُصمم الفساتين والعباءات النسائية بخط يديها، ومن ثم تُخيطها على أرض الواقع مستعينة بصديقتين، لهنَّ خبرة في مجال الخياطة.
وتذكر الفلسطينية أنها في بداية عملها واجهت موقفًا طريفًا في أول فستان صنعته بماكينتين من الخياطة، إذْ فوجئت باختلاف لون مقدمته عن ظهره، وتكبّدت تكلفته العالية مرة أخرى، لإعادة خياطته من جديد، بعدها تطورت الأمور بشكل تدريجي وأصبحت أزياؤها علامة مسجلة بين الفلسطينيات اللواتي يرغبن باللبس المُفصّل.
ولفتت البنا إلى أن بعض النساء يواجهن مشاكل في عدم إيجاد ما يرغبن بارتدائه في محلات الملابس الخاصة بهن في غزة، والذي اعتبرته دافعًا رئيسيًا لها لافتتاح مشروعها، كما تسعى لتصميم أزياء تناسب عادات مجتمعها، إضافة إلى عملها في تصميم ملابس عصرية حسب طلبات الزبائن التي تُرسل لها.
وأكدت المهندسة الغزية على أن الوضع الاقتصادي السيئ في غزة يؤثر على سوق العمل بشكل عام، غير أن ذلك لا يمنع أن مشروعها بدأ ينجح تدريجيًا، إذ لا يقل عدد الطلبات على أعمالها عن 15 طلبًا شهريًا، فضلاً عن أن أسعار أزيائها تتناسب مع عوامل جودة القماش والخامات المستخدمة والتصاميم المطلوبة. وأشارت إلى أنها تواجه مشكلة في افتقار مجتمع غزة لثقافة تصميم الأزياء، إذْ إن اعتمادهم على الملابس الجاهزة، جعلهم لا يقدرون جهدها الأولى، عدا عن أزمة الكهرباء التي لا تزال شبحًا يُطارد كل الفلسطينيين في القطاع، والتي تلازمهم في حياتهم وتلاحق أرزاقهم.
غير أن الجانب المُشرق في مشروع الغزّية البنا، أنه فتح لها الباب لأن تُدرس تخصص تصميم الأزياء في الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية في غزة، فضلاً عن أنها لا تزال تحلم بأن يفتح "ميكس فاشيون" لها الطريق لتتمكن من المشاركة في عروض أزياء بالخارج، وتُوصل موهبتها الفلسطينية لمصممي الأزياء هناك.
(عبدالحكيم أبو رياش)
(عبدالحكيم أبو رياش)
(عبدالحكيم أبو رياش)