بعد عمليات الطعن التي عمد إليها الفلسطينيون في انتفاضتهم الأخيرة، كأفعال مقاومة فرديّة، تحوّل السكين إلى رمز لتلك الهبّة الشعبية التي تأتي لنصرة الأقصى والقدس والدفاع عنهما. وقد أصاب هذا الأمر الإسرائيليين بالهلع والقلق من هذه الأداة الحادة، حتى من مجرّد عرضها في المتاجر. لذا، راحت محال وشبكات تجارية كبرى، ولا سيّما تلك التي تشغّل عمالاً عرباً، تمنع عرضها وكذلك استخدامها.
على الرغم من مقاطعة المستهلكين اليهود الأوّلية للأسواق والمطاعم والمقاهي العربية في مدينة حيفا وغيرها من مدن الساحل أو المدن المختلطة مثلما تطلق عليها السلطات الإسرائيلية، إلا أن العمال العرب ما زالوا يشتغلون في أكثرية المتاجر الإسرائيلية. تجدر الإشارة هنا إلى أن أكثرية العمال في أقسام الخضروات واللحوم، هم من العرب. وقد دفع الخوف المتلازم مع العنصرية، بالزبائن إلى مطالبة أصحاب هذه المحال إما بإبعاد العمال العرب عن هذه الأقسام أو منعهم من استخدام السكاكين. ولأن هذا أمر غير منطقي لا سيّما في أقسام بيع اللحوم، عمد القيّمون على المحال إلى إعادة توزيع مواقع العمال العرب فيها.
يخبر عامل عربي فلسطيني من حيفا يعمل في شبكة متاجر "سوبر سال"، وهي الأكبر في إسرائيل: "أنا أعمل في قسم الخضراوات منذ 11 عاماً، واليوم منعتني الإدارة من استعمال السكاكين. أنا عادة أستعملها دائماً وأحملها في جيبي طيلة اليوم أينما ذهبت، وذلك من أجل تقطيع الخضراوات وترتيبها قبل عرضها للبيع. لذا أصبحت ملزماً أخيراً بطلب إذن من الإدارة كلما أردت استخدام سكين، حتى يطمئن الزبائن اليهود وهم يتسوقون فلا يشعرون بالخوف والقلق".
اقرأ أيضاً: "جدعات" في زنازين الاحتلال
أما في قسم الجزارين وبيع اللحوم وكذلك لحوم الدواجن في المجمّع نفسه، أزيلت السكاكين والبلطات من واجهات البرادات ووضعت في الأدراج. من جهتها، عمدت شبكة "رامي ليفي" التي يشكل العرب فيها 70% من اليد العاملة والتي تملك فروعاً من القدس حتى شمال البلاد، إلى إخفاء جميع السكاكين المعروضة على الرفوف ليُحصر بيعها عند صندوق الدفع الرئيسي. ولا يمكن شراؤها إلا بعد إبراز بطاقة هوية، أو تأكد الباعة من أن الزبون يريدها فعلاً لأغراض منزلية.
وقد أقرّ صاحب الشبكة ومديرها رامي ليفي في مقابلة مع صحيفة "غلوبوس" بذلك، قائلاً: "نعم أخفينا السكاكين من صالات العرض، لأنني أخاف من دخول أحد الزبائن ولجوئه إلى الطعن. ما الفائدة من وجود حارس على المدخل للتفتيش، في حين يستطيع الراغب في الطعن إيجاد السكاكين على الرفوف وبالتالي الحصول عليها بسهولة".
من جهته، يخبر أحد العمال العرب في فرع من فروع متاجر "رامي ليفي" في القدس، أن "كل السكاكين أزيلت من على الرفوف. الجميع يعلم أن أكثرية العمال هنا هم من العرب، لذا يخاف اليهود الإسرائيليون من التسوّق هنا فيمتنعون عن ذلك ليقصدوا شبكات تجارية أخرى، على الرغم من أننا تلقينا أوامر صارمة من الإدارة بعدم الحديث في السياسة إطلاقاً مع الزبائن". وكانت شبكة "رامي ليفي" قد لمست خسائر اقتصادية في فروعها في القدس خصوصاً، في الأيام الأخيرة.
من جهة أخرى، كانت القناة الإسرائيلية العاشرة قد بثت قبل يومين تقريراً تحريضياً يزيد من المخاوف بهذا الخصوص. وفي التقرير ظهرت معدّته وهي تحمل السكاكين في محل تجاري كبير، وتتوجه إلى البائعة لتسألها: هل يمكن أخذ السكاكين بهذه الحرية؟ ألا تخشون من أن أقوم باستخدامها؟ وفي التقرير نفسه، سألت المعدة الحارس عند مدخل المبنى التجاري بعد تفتيش حقيبتها: ألا تخشى من أن أشتري بعد دخولي المجمّع سكيناً ومن ثم أباشر بطعن مرتاديه؟
حملة تحريضية
تحت عنوان "إرهاب السكاكين"، شنّ الإعلام الإسرائيلي حملة تحريضية في الأيام الأولى للانتفاضة، مع العملية التي نفذها الشهيد مهند حلبي داخل أسوار القدس وأسفرت عن مصرع مستوطنَين اثنَين. وكانت دعوات أطلقها محللون عسكريون بوجوب مواجهة كل من يحمل سكيناً بإطلاق الرصاص المباشر بهدف القتل. وهي دعوات رددها عدد كبير من رجال السياسة ومسؤولون إسرائيليون في الأيام الأخيرة.
اقرأ أيضاً: فتيات فلسطين مستهدفات