ارتفعت حصيلة ضحايا مجزرة جسر ومرآب السنك وسط العاصمة العراقية بغداد التي ارتكبتها مليشيات مسلحة اقتحمت ساحة الخلاني ليل الجمعة ـ السبت إلى أكثر من 23 قتيلاً و127 جريحاً من المتظاهرين، وفقاً لمصادر طبية عراقية. وكان من بين القتلى أحد أفراد فريق "القبعات الزرق"، وهم عناصر التيار الصدري الذين يتولون حماية وتفتيش الساحات منذ أسابيع بشكل تطوعي، استجابة لتوجيهات زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر. وحتى الآن لم تقدم السلطات أي رواية رسمية لما حدث في منطقة من المفترض أن تكون من أكثر مناطق العاصمة آمناً، لوقوعها على مقربة من المنطقة الخضراء، ولا يفصل بينهما سوى نهر دجلة. كما سبق أن أعلنت قيادة عمليات بغداد بأنها أمّنت المكان ونشرت في محيطه تشكيلات أمنية عدة، غير أن نواباً في البرلمان ومسؤولين أمنيين أكدوا أن الهجوم متفق عليه من قبل فصائل مسلحة مرتبطة بإيران تُعرف اختصاراً بـ"المليشيات الولائية"، في إشارة إلى الفصائل المرتبطة بمكتب المرشد الإيراني علي خامنئي، وأبرزها كتائب حزب الله والنجباء والعصائب والخراساني وبدر وجند الإمام وسرايا الشهداء وكتائب الإمام علي والطفوف وفصائل مسلحة أخرى، غير أن منفذي الهجوم كانوا بالغالب من عناصر كتائب حزب الله، ورفع قسم منهم راية كتب عليها "الخال"، على مبنى مرآب السنك حيث وقعت المجزرة بعد سيطرتهم عليه. و"الخال" هو لقب القائد العسكري لمليشيا كتائب حزب الله، كريم الأزيرجاوي، المعروف بـ"خال المجاهدين".
بدوره، لفت مسؤول في قيادة عمليات بغداد لـ"العربي الجديد"، إلى أن المهاجمين جاءوا من شارع فلسطين (شرقي بغداد) حيث تجمعوا في مسجد "بقية الله" الواقع تحت نفوذ مليشيا كتائب حزب الله، وانطلقوا في طرق مختصر باتجاه النهضة ثم شارع الشيخ عبد القادر الكيلاني واقتحموا الساحة بالرصاص. وأكد أن صوت الرصاص سُمع في المنطقة الخضراء لأكثر من ربع ساعة، ولم تتلقَّ قوات الجيش أي أمر بالتحرك إلى الساحة. وأعقب المجزرة الإعلان عن تعرض منزل مقتدى الصدر في حي الحنانة الواقع على مقربة من ضريح الإمام علي بن أبي طالب في النجف القديمة، إلى قصف بواسطة طائرة مسيرة عبر قذيفة أصابت جدار المنزل الخارجي. مع العلم أن المقرّ يحظى بإجراءات أمنية غير اعتيادية منذ سنوات. ووفقاً لمصادر مقرّبة من الصدر الموجود منذ أسبوعين في مدينة قم الإيرانية، فإن القذيفة محلية الصنع، في تلميح إلى أنها من جهة فصائل مسلحة رافضة للتظاهرات الحالية التي يدعمها الصدر.
وقال عضو التيار الصدري محمد الدراجي لـ"العربي الجديد"، إن العملية عبارة عن رسالة تهديد، كون وجود الصدر في إيران معلناً، والجميع يعلم أنه غير موجود في النجف حتى يتم استهداف منزله. وأضاف أن هناك من يحاول جرّ الأوضاع إلى صدام مسلح لتوقّعه بأن ذلك سينهي التظاهرات ويعيد ترتيب الأوراق لصالحهم، بما فيها إعادة انتاج الخطاب الطائفي غير أن الصدر لن ينجرّ إلى ذلك. من جهته، قال محافظ النجف، لؤي الياسري، إن الحكومة المحلية وعلى رأسها المحافظ وقيادة الشرطة فتحت تحقيقاً سريعاً في الحادث وعلى أعلى المستويات. ولم تصدر الحكومة العراقية الغائبة منذ قبول استقالتها أي تعليق حول الأحداث الدامية ببغداد أو حول استهداف منزل الصدر بالنجف، وتركت المهمة للمتحدثين باسم وزارة الداخلية أو خلية الإعلام الأمني التي بدت مرتبكة في نقل التفاصيل في ظلّ التضارب الواضح في المعطيات على الأرض.
بدوره قال عضو مجلس النواب باسم خشان، لـ"العربي الجديد"، إن "الجهة التي ارتكبت المجزرة التي حصلت في السنك والخلاني، بالنسبة لنا غير معلومة، لكن هذه الجهة معلومة بالنسبة للحكومة". وأضاف أن "الدليل على ذلك هو أن الآليات التي كانت تنقل المسلحين، أتت عن طريق شوارع تحت سيطرة ومراقبة القوات الأمنية، ولهذا السبب تتحمّل هذه الجهات مسؤولية المجزرة، فحواجز الداخلية والدفاع هي من سمحت بمرور تلك الآليات إلى ساحة الخلاني والسنك لقتل المتظاهرين". وأكد وجود مخاوف من تكرار مجزرة الخلاني والسنك، لأنه لم تتم محاسبة المتورطين بتلك المجزرة.
في المقابل أكد رئيس كتلة الوركاء الديمقراطية، جوزيف صليوا، لـ"العربي الجديد"، أن "هناك مخاوف من أن أحزاب السلطة سوف تستخدم النهج ذاته الذي حصل في السنك والخلاني في سوح الاحتجاج الأخرى، فهذه الأحزاب مستعدة لفعل أي شيء من أجل بقائها في السلطة، ولا تريد التخلي عنها بهذه السهولة، لأنها تنظر إلى الشعب والوطن على أنهم مغانم". وأضاف أن "(رئيس الحكومة المستقيل) عادل عبد المهدي يتحمّل المسؤولية الكبرى لهذه المجزرة، فهو من سمح بوصول الأمور إلى ما وصلت عليه الآن".
وشهدت مدن البصرة وكربلاء والنجف والمثنى والعمارة والديوانية والحلة ومدن ومحافظات عدة في جنوب البلاد تظاهرات واسعة، ردّد فيها المتظاهرون هتافات ضد التدخل الإيراني والحكومة الحالية والأحزاب الحاكمة من قبل "الطرف الثالث إيران"، في إشارة إلى من يقتل المتظاهرين. كما رفعوا شعارات من نوع "سيأتي اليوم الذي تحاسبون فيه على كل قطرة دم وكل فلس سرقتموه"، و"الموت للعراقيين عادة وكرامتنا من الله الشهادة"، و"لا تراجع إما حياة تسر الصديق أو ممات يغيظ العدى".
سياسياً، وعلى الرغم من وجود 10 أيام فقط على انتهاء المهلة الدستورية لتقديم رئيس الجمهورية برهم صالح مرشحاً جديداً للحكومة، في 17 ديسمبر/كانون الأول الحالي، إلا أن نائباً في البرلمان قال لـ"العربي الجديد"، إنه لغاية الآن لا يوجد مرشح ولا يوجد اتفاق من الأساس على شكل الحكومة ما إذا كانت مؤقتة لحين انجاز قانون الانتخابات أم ستستمر حتى منتصف عام 2022 (موعد الانتخابات التشريعية). ووفقاً للنائب ذاته فإن عملية المشاورات شبه متوقفة منذ ليلة الجمعة بسبب خلافات كبيرة بين القوى الشيعية تحديداً، وهناك انطباع إلى أن استمرارها لهذا الأسبوع يعني أن خرق المهلة الدستورية سيكون مرجحاً. وهو ما ذهب له عضو التيار المدني فلاح الخطاط، بقوله إن صالح يتعرض لضغوط كبيرة من جهات عدة لتسمية مرشح مستقل، وهو ما لا يمكن أن يكون واقعياً مع وجود برلمان يجب أن يمرر أي اسم لرئاسة الحكومة كما أن القوى الشيعية مختلفة فيما بينها. وأضاف أن هناك خوفا من أن يكون هناك انفلات أمني ضمن مخرج قديم كانت تستعمله القوى السياسية مع كل أزمة خانقة في البلاد.