ملوك الطوائف قادمون

04 يوليو 2014

Daniel Grizelj

+ الخط -

لم أستسغ يوماً قراءة، أو سماع، أو مشاهدة شيء من كل هذه الهجمات على الشيعة، أو على العلويين، في مواقع الإعلام الاجتماعي، وفي صحفٍ وقنواتٍ تلفزيونية تتبنى خطاباً سنيّاً مذهبياً متطرفاً.

ولطالما كنت مقتنعاً، وما أزال، بأن الشكل المذهبي للصراع الراهن في العراق، وإلى حد ما في سورية، ليس إلا واجهة صممتها طهران، ونفذتها، بالتعاون الضمني، أو المباشر، مع عواصم أخرى في المنطقة والعالم، ليتوارى خلفها الجوهر الاستعماري للسياسة الإيرانية (الفارسية) حيال البلدان العربية، ولتُغرق شعوب ما تسمى دول الطوق حول إسرائيل بحروبٍ دينية طائفية، وعرقية، يجعلها لا تتذكّر فلسطين، إنْ تذكرت، إلا في المناسبات السنوية لضياعها، وبفعلٍ لا يتجاوز الخطابة الجوفاء.

ما الذي يمكن أن نجنيه، أنا أو أنت، سنياً كنت أو شيعياً، حين نستأنف صراعا سياسياً على السلطة، كان قد شرخ الإسلام، وشق صفوف المسلمين، وأراق بحوراً من دمائهم، ثم توقف قبل أكثر من ألف سنة؟

هو سؤال، تجيب عليه الأحداث المأساوية المتلاحقة، في سورية والعراق، حيث برزت تنظيمات، أو قل عصابات، ترفع شعاراتٍ مذهبية متطرفة، بينما هي مجهولة الهوية والتكوين والأهداف، لتقدم المسلمين السنّة إلى العالم، بوصفهم قتلة، وقاطعي رؤوس، ينحدرون من العصور الوسطى. في حين يظهر المسلمون الشيعة، على الجانب الآخر، من ميدان الحرب المستعرة، رافعين شعارات الذود عن مقاماتٍ وأضرحة دينية، لم يمسّها أحد بسوء، على مدى مئات السنين السالفة، وليقاتلوا بشدة، في حقيقة الأمر، دفاعاً عن أنظمة حكم، لا يجمعها إلا الاستبداد، والفساد، والولاء لإيران.

اللعبة الجهنمية، هنا، أو المؤامرة، إن شئتم، استدعت من صانعيها، وفق الذي رأيناه ونراه رأي العين، تسليط أضواء العالم على جرائم تنظيماتٍ، توصف بالتكفيرية، والإرهابية، مثل داعش والنصرة، في مقابل غض الطرف عن تنظيماتٍ، تكفيريةٍ أيضاً، ولا تقل إرهاباً، كعصائب أهل الحق، ومجموعات أبي الفضل العباس، ناهيك عن حزب الله.

وفي ظني، كما في ظن كثيرين سواي، أن أولئك لا يمثلون السنّة، وهؤلاء لا يمثلون الشيعة. عشت عقوداً من عمري في بيئة سنيّة، لم أسمع خلالها كلمة مسيئة للشيعة، وتعرفت خلال سنوات إقامتي الطويلة في سورية إلى شبانٍ علويين، عارضوا نظام حافظ الأسد، ورزحوا في سجونه سنين طويلة، وأتيح لي أن أقضي ردحاً من الزمن في العراق، وأن أدخل منذ نحو عشرة أعوام، إلى سراديب وبرانيات الحوزة العلمية في النجف، وأمضيت هناك أسابيع طويلة في إعداد فيلم وثائقي، التقيت من أجله، وتحاورت، مع علماء دين، وفقهاء شيعة، وطلابا حوزويين، يتمسكون بعروبتهم، ووطنيتهم العراقية، قدر تمسكهم، بدينهم، ولا يدينون لإيران بأي ولاء، بل إن كثيرين منهم كانوا يتحسبون مبكراً من أطماعها التوسعية في المنطقة.

ولعل الخلاف الذي طفا على السطح، أخيراً، بين المرجع الشيعي محمود الحسني الصرخي، والمراجع الأخرى، في النجف وقم، جاء ليؤكد وجود قاسمٍ مشترك بين طيفٍ واسع من أتباع المذهبين الإسلاميين، مفاده أن إيران هي بيت الداء، فالرجل الذي يتعرض، الآن، وأتباعه، ومقلدوه، لحملة قمع شعواء، وقف علناً ضد فتوى المرجع علي السيستاني بالتطوع  للقتال إلى جانب قوات نوري المالكي، وحذّر من الفتنة الطائفية، إن استمرت ممارسات الحكومة على حالها، نحو السنة، كما عاب على من يأخذون على القوى السنية تحالفها مع تنظيم داعش، بأنهم كانوا قد تحالفوا مع "الشيطان الأكبر"، وساعدوه على احتلال العراق.

لا أمل كبيراً، مع ذلك، في أن ينتصر صوت العقل لدى أتباع كلا المذهبين، ولا فرصة، أيضاً، في أن ينتصر جنون التطرف هنا على رديفه هناك، أو العكس، ولن يحسم أولئك، أو هؤلاء، في زمن الحروب الإلكترونية، ما عجز أسلافهم عن حسمه، قبل أكثر من ألف سنة، لكنهم قد ينجحون في تقسيم هذه المنطقة إلى ممالك طائفية متصارعة، تدفع الجزية لملك "قشتالة الجديدة" القابع في طهران، وربما في تل أبيب.

بعد إعلان "دولة الخلافة" المثيرة للضحك والبكاء في آنٍ معاً، علينا أن ننتظر مستقبلاً قريباً، لا تكون فيه إسرائيل الدولة الوحيدة القائمة على أساس ديني، وإنما تجاورها ممالك سنية، وشيعية وعلوية، ودرزية، ومسيحية، قوية على شعوبها، مستسلمة أمام أعدائها، حتى تستيقظ هذه الأمة، ويقيض الله لها قائداً مثل يوسف بن تاشفين الذي حارب قشتالة، وانتصر عليها، وأنهى حقبة ملوك الطوائف في الأندلس.

EA99C928-BF02-4C77-80D6-9BE56F332FDE
ماجد عبد الهادي

صحفي وكاتب فلسطيني