ملكة جمال العالم: مسابقات الكذب والتفاهة

18 ديسمبر 2014
ملكة جمال العالم فعلا؟ (Getty)
+ الخط -

فازت الأحد الفائت الفتاة الجنوب أفريقية، رولين شتراوس، بلقب "ملكة جمال العالم". لكن ماذا يعني أن تكون امرأة "ملكة جمال العالم". 

هل يعني أنّها أجمل فتاة في العالم؟ أم هذا يشبه الفائزين بجوائز مشابهة في الميادين كلّها؟ مثل "أفضل كاتب"، من دون أن نتبعها بجملة: "بالنسبة إلى خمسة أشخاص هم أعضاء اللجنة"، أو "أفضل ممثّل"، حاز جائزة "أوسكار"، أو "أفضل لاعب في العالم". وتهوج الصحافة الرياضية اعتراضاً.

بالتأكيد الجمال نسبيّ. هناك شبّان يفضّلون الفتيات الممتلئات، البدينات قُل. وآخرون يحبّون الفتاة القصيرة، وبعضهم، عشرينيون وثلاثينيون، يحبّون المرأة الأربعينية، وليس العشرينية. فكيف انقلب الجمال عشرينياً، وعيوناً ملوّنة وطولاً لا يقلّ عن متر وخمسة وسبعين سنتمتراً، ونحافة استثنائية، في عصر البدانة؟

"أجمل": هذه الـ"أفعل التفضيل" ظالمة. لا يوجد "أجمل امرأة في العالم". ولهذا بالضبط يوجد "ملكة جمال العالم". هي مسابقة لاختيار أجمل مشتركة، أو أفضل متسابقة، ممن فزنَ بلقب "ملكة جمال البلد الفلاني". والأخيرة تكون قد اختيرت على أنّها "الأجمل" في بلادها، من بين 100 أو 200 مشتركة لا أكثر. ودائماً في بلاد تضمّ ملايين، أو عشرات الملايين، أو ربّما مئات الملايين من النساء والفتيات اللواتي لم يتقدّمن للاشتراك في المسابقة.

والحال هذه فإنّ المسابقة تفتقد الصدقية في إعلان "أفعل التفضيل" العالمي. وأكثر: تفتقر إلى الصدقية في مراحل التصفيات الأولية والنهائية كلّها. فالجسد وتفاصيله وطريقة المشي والكلام تأخذ الحيّز الأكبر من العلامات والنقاط. ثم هناك النشاطات التي قامت بها كلّ مشتركة.

دائماً في نشاطات كلّ منهنّ نجد أحاديث عن ومع أطفال أيتام، وفقراء، ومرضى. وهناك دموع التأثّر، وزيارات إلى مناطق الكوارث والصراعات والحروب، وصور توحي بتأثير المتسابقات، والملكة لاحقاً، على إمكانية التغيير هنا، أو المساعدة هناك...

السؤال الأخير بين المتسابقات الأربع في المرحلة الأخيرة كان: "لماذا يجب أن تكوني ملكة جمال العالم"؟ سؤال استفزازيّ كهذا، وفي ظنّ طارحه أنّه سيُخرِج من الفتيات أجوبة لامعة.
أجابت الأولى، وهي "ملكة جمال هنغاريا": "ما في داخلي 10 أو 100 مرّة أكثر ممّا تستطيعون رؤية جمالي الخارجي، وعندما كنتُ صغيرة كنت أفكر بشكل جدي أكثر من أبناء جيلي وكنت أكثر حساسية، وحين وصلت إلى هنا اكتشفت أنّ هذا ما أريد أن أفعله في حياتي".

الثانية، الأسترالية، قالت: "خلال هذه الرحلة عملت أكثر مما عملت في حياتي، ووجدت معنى حياتي هنا، ولديّ الكثير لأعطيه".

الجنوب أفريقية قالت: "أعتقد أنّ قصّة حياتي تقول إنّ هناك أكثر من الغلاف الخارجي، لأنني جنوب أفريقية أعرف أنّ الاتحاد والاحترام والمسامحة موجودة، وهذه روح المسابقة، وأفتخر بتمثيل مؤسسة تعطي الأمل للعالم".

الرابعة، الأميركية، قالت: "ربما السؤال المطروح حالياً حول ما إذا كانت مسابقة ملكة جمال العالم قديمة الطراز، وأنا أريد أن أكون ملكة جمال العالم لأثبت للجميع على الأرض أنّها ليست كذلك، وأنّها تجمع بعضاً من أفضل الموهوبات في الرياضة والذكاء في العالم، وتعطيهم الفرصة لبثّ أفكارهنّ ولإحداث التغييرات...".

أما الإنجليزية فقالت: "منذ يفاعتي كنت مهتمة بالرعاية الصحية حول العالم، وكان حلمي أن أعمل في الصحة العالمية وأن أجهد لمحاولة تغيير بعض الأشياء. الجمال مع هدف هو الهدف، من خلال بناء شبكة تعاون عالمية حيث النساء اليافعات حول العالم تعملنَ بجدّ لإحداث الفارق، وأريد استغلال مهاراتي الطبية مع إلهامي الصحّي العالمي، لأعمل مع الناس من خلال شعار: الجمال مع هدف".

أجوبة عامّة توحي للمشاهد بأنّ الفتاة الواقفة أمامه مملوءة حبّاً وإخلاصاً وأخلاقاً وإيماناً بالمثل العليا، ولا تريد شيئا لنفسها أبداً. وربّما كثيرون يعرفون أنّ ما لم تقله أيّ منهنّ هو التالي: "أريد أن أكون ملكة جمال العالم لأثبت أنني جميلة، وأنني متفوّقة، وأنّني أجمل من صديقاتي وقريباتي، ولأحصل على الكثير من الهدايا والمال، ولأعيش على نفقة المسابقة، وأجمع المال من دون تعب ولا جهد، ولأصير لاحقاً ممثّلة أو مغنية، ولأعيش حياة ترف بلا مسؤوليات جديّة".

هكذا تحرّض المسابقة مشتركاتها على الكذب. تدفعهنّ إلى المسايرة وإسماع الآخرين ما يريدون سماعه. فهل هذا هو الجمال؟ هل الجمال هو الكذب؟ ربّما، وأكثر: الجمال هو صنو التفاهة. هذا ما تروّجه مسابقات الجمال حول العالم منذ عقود. هو أنّ الجمال صنو التفاهة والسطحية. وأنّه بالنسبة إلى الفتاة الجميلة فإنّ الذكاء ليس ضرورياً.

لكن بما أنّ الفتاة الجميلة غالباً تظنّ أنّهه يحقّ لها أن تكون "جفصة" ومتعجرفة، فإنّ المسابقات هذه تعلّم الجميلات أن يكذبنَ حول نواياهنّ. وربّما هذه واحدة من فوائدها القليلة، أن تجعل الجمال "في خدمة" شيء آخر، وإن بالكذب أحياناً.

"ملكة جمال العالم"؟ ربّما، لكن كلّ رجل يرى في امرأة ما "ملكة" ما. الجميلات هنّ الحنونات، والجميلات هنّ الذكيّات، والجميلات هنّ الودودات، والجميلات هنّ المتفهّمات... ولسن بالطبع أولئك الفتيات اللواتي قضينَ معظم سنوات حيواتهنّ في "نحت" أجسادهنّ، وترك الدهون تتكتّل في أدمغتهنّ ومشاعرهنّ.

المساهمون