ملامح صيف "أمني" ساخن... تصاعد العمليات ضد المسلّحين بالسعودية

12 مايو 2016
انفجار مسجد العنود في الدمام عام 2015(فرانس برس)
+ الخط -
تتسارع الأحداث في السعودية، خلال الأيام القليلة الماضية، على مسرح آخر، بعيداً عن رؤية المملكة 2030، واستعدادات الرياض لتجاوز "الإدمان على النفط" وتنويع مصادر دخلها. فالسعودية التي شهدت هجمات إرهابية عدة منذ 2014، شهدت عدداً كبيراً ومتزامناً من العمليات الأمنية التي أسقطت عناصر مسلحة، ومطلوبين أمنيين، وانتحاريين، كانوا يخططون لشنّ هجمات في البلاد.

وبدأت الأحداث الأمنية في السعودية بالتصاعد منذ إحباط القوات الأمنية لعملية انتحارية في محافظة بيشة في منطقة عسير، جنوب المملكة، لم تتبيّن ملامحها. لكن هذه المحاولة كشفت عن وجود سيارة مفخخة انفجرت أثناء العملية، وإعطاب سيارة أخرى، وأدت إلى مقتل عنصرَين مسلّحَين، أحدهما "صانع أحزمة ناسفة". كما تمّ القبض على شخص ثالث تبيّن، لاحقاً، أنه "صيد ثمين"، وعلى قائمة "أخطر المطلوبين الأمنيين" في السعودية، على خلفية ذهابه إلى سورية، وعودته من هناك لتأسيس خلايا مسلحة تابعة للتنظيم في المملكة.

وتعود قصة "إحباط هجوم بيشة" إلى متابعة القوات الأمنية لسيارة مشبوهة قبل نحو عشرة أيام، في 29 إبريل/نيسان الماضي، في منطقة عسير، ثم مبادرة قائد السيارة إلى إطلاق النار باتجاه القوات الأمنية. وبعد إعطاب سيارته وسيارة عنصر آخر على صلة به، قام المسلحان بترك السيارتَين والتوجه إلى أحد الجبال القريبة، لتنتهي العملية التي استعانت خلالها القوات السعودية بالطيران بمقتل العنصرين واكتشاف وجود شخص ثالث معهما، استمرت ملاحقته ساعات، حتى تم القبض عليه. وتبيّن أنّ الشخص الثالث هو عقاب العتيبي الذي يُعتبر صيداً ثميناً للقوات الأمنية السعودية. ويُعتقد أنّ العتيبي كان على صلة بعدد من العناصر المسلحة في السعودية، التابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، كما أنه أُرسل خصيصاً من سورية لتأسيس خلايا إرهابية في السعودية.

وتصاعدت وتيرة العمليات الأمنية في السعودية بعد هذه الحادثة، إذ قبضت السلطات السعودية على مجموعة من المطلوبين أمنياً، والتي كانت قد نشرت أسماءهم وصورهم إعلامياً قبل أشهر. كما كشفت عن أعضاء "خلية ضرما" المرتبطة باعتداءات على مساجد للشيعة شرقي السعودية، وكذلك عملية مسجد الطوارئ في عسير، واغتيال العقيد كتاب العتيبي، وحادثة الخزن الاستراتيجي، وكل العمليات التي تعتقد السلطات السعودية أنّ عقاب العتيبي، كان جزءا من دوائر تخطيطها وتنفيذها.

ووصف المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية السعودية، اللواء منصور التركي، عقاب العتيبي بأنّه "من أخطر المطلوبين للجهات الأمنية". كما أكد العميد بسام عطية من مركز الدراسات الاستراتيجية في وزارة الداخلية أن العتيبي "له علاقة بعملية إطلاق النار على المصلّين في مسجد المصطفى في قرية الدالوة، وحادثة تفجير مسجد الطوارئ الخاصة بعسير، وحادثة الخزن الاستراتيجي باغتيال رجل أمن، واغتيال كتاب الحمادي"، وذلك بحسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء السعودية. وأكد العميد عطية أن العتيبي على علاقة بتنظيم "داعش"، وأنه سافر إلى سورية، و"الأوامر والتعليمات التي كانت لدى الموقوف عقاب مصدرها رموز داعش في سورية والتي كانت تتعلق بإنشاء قاعدة لإدارة العمليات الإرهابية في ضرما. وشكّلت ضرما مستودعاً لصناعة الأحزمة الناسفة والمتفجرات وتدريب الانتحاريين الميدانيين"، وفقاً للعميد.




ويرى مراقبون أنّ هناك تفسيرات عدة لتسارع الأحداث في السعودية على الصعيد الأمني، منها ما تشير إليه بيانات وزارة الداخلية نفسها، والتي تُظهر أنّ القبض على مسلّحين كان يؤدي إلى كشف خلايا وأشخاص مرتبطين بهم. فبعدما قبضت وزارة الداخلية على سويلم الرويلي، المتهم بالهجوم على مسجد المصطفى بقرية الدالوه، شرقي السعودية عام 2014، اكتشفت السلطات الأمنية أنه على علاقة بعقاب العتيبي، وأنهما مع آخرين على ارتباط بـ"خلية ضرما" إذ تتهمهما السلطات السعودية بالوقوف وراء عمليات إرهابية عدة في المملكة.

هذا الأمر تكرر بعد القبض على عقاب العتيبي، إذ قامت السلطات السعودية بالكشف عن خلايا أخرى يبدو أنها على ارتباط به، ما قاد السلطات الأمنية السعودية إلى تنفيذ عمليات أمنية خاطفة عدة في الطائف، ومكة المكرمة، وجنوب السعودية، أسفرت عن مقتل عدد من المطلوبين الأمنيين، والقبض على آخرين. ودهمت السلطات الأمنية السعودية عناصر مسلحة في 5 مايو/أيار الحالي في وادي نعمان (بين مكة المكرمة والطائف)، وأدت العملية إلى مقتل أربعة مسلحين، اثنان منهم قُتلا على يد قوات الأمن، بينما قام الآخران بتفجير أحزمة ناسفة كانت بحوزتهما.

بعد هذه العملية بيومَين، أي يوم أمس الأول، 8 مايو/أيار، حاول مسلحون التسلل إلى مركز شرطة حداد في بني مالك بمحافظة الطائف، غربي السعودية، محاولين زرع عبوة ناسفة في الدوريات الأمنية المتوقفة خارج المركز. وبعد اكتشاف العملية، قام المسلحون بإطلاق النار على رجال الأمن، ما أدى إلى مقتل أحد الجنود. وبعد فرار المهاجمين من الموقع، قامت القوات الأمنية بتتبعهم، وأعلنت السلطات الأمنية أنّ المسلحين تركوا وراءهم حزاماً ناسفاً، و9 عبوات مجهّزة للتفجير. وأعلن مدير شرطة الطائف، العميد محمد الحارثي، يوم أمس، أن القوات الأمنية تمكّنت من قتل محمد المالكي، والذي كانت تتتبّعه منذ أيام، وتتهمه بالتورط في الهجوم على مركز شرطة، والتسبب بمقتل رجلَي أمن. وقام المالكي بمقاومة القوات الأمنية بأسلحة رشاشة، وقنابل كانت بحوزته قبل مقتله.

بالإضافة إلى المعلومات التي يتم التوصل إليها من خلال المقبوض عليهم، يمكن الربط كذلك بين صعوبة الوصول إلى مناطق النزاع في العراق وسورية ونشاط العناصر المسلحة في السعودية، إذ تفيد تقارير بأن الوصول إلى "داعش" ازداد صعوبة منذ بداية 2015 حتى اللحظة، ما أدى إلى قلّة المنضمين لصفوف التنظيم. الأمر الذي قد يجعل المؤمنين بأفكاره، ينشطون بعيداً عن مناطق النزاع (العراق وسورية)، وفقاً لمراقبين.

وربما ترتبط هذه العمليات أيضاً بمحاولات التنظيم التغطية على تراجعاته الكبيرة في العراق وسورية منذ مطلع 2015، إذ خسر ما بين 30 و40 في المائة من المناطق التي يسيطر عليها، بحسب مسؤولين عسكريين أميركيين. كما أن أوضاع التنظيم تزداد سوءا مع التسريبات حول اقتراب "معركة تحرير الموصل" عن طريق تعاون أميركي مع الحكومة العراقية والعشائر السنية في المنطقة. كل هذه الأوضاع أدت إلى تضاعف العمليات الانتحارية التي يقوم بها التنظيم في العراق وسورية، بشكل غير مسبوق، الأمر الذي قد يتضمن محاولة التنظيم تنشيط خلاياه في مناطق أخرى، بعيداً عن سورية والعراق، تمهيداً لما بعدها، كما يفعل في ليبيا، وربما اليمن والسعودية.

وشهدت السعودية عمليات إرهابية عدة منذ بداية العام الحالي. ففي 29 يناير/كانون الثاني، أُحبطت عملية انتحارية تستهدف مسجد الرضا في محافظة الأحساء، شرقي المملكة. وقام الانتحاري بتفجير نفسه بعدما مُنع من دخول المسجد، ما أسفر عن مقتل 4 أشخاص وإصابة 33 آخرين. في 11 مارس/آذار، قامت القوات الأمنية السعودية بمحاصرة 6 مسلحين، تتهمهم باغتيال الوكيل رقيب في قوات الطوارئ، بدر الرشيدي. وتعود القصة إلى استدراج هؤلاء لابن عمهم الرشيدي، مستغلين صلة القرابة به، وقتله، مع تصوير الحادثة، ومبايعة تنظيم "داعش". وقامت السلطات الأمنية السعودية بمتابعتهم ومحاصرتهم في منطقة نائية ما بين منطقة القصيم وحائل، وانتهت العملية بمقتل جميع المسلحين بعد مقاومتهم رجال الأمن.

كما تعرّضت دورية أمنية تابعة لشرطة الدلم، جنوب الرياض، لانفجار عبر عبوة ناسفة، في 3 إبريل /نيسان، ما أدى لمقتل شخص، وتخريب دوريتين إضافيتين. وفي 5 إبريل/نيسان الماضي، قامت عناصر مسلحة بإطلاق النار على العقيد كتاب الحمادي بمحافظة الدوادمي، بالقرب من مدينة الرياض، العملية التي تتهم السلطات الأمنية السعودية "خلية ضرما" بالوقوف وراءها.