ملابسي فقط ابتلَّت.. لكنني نجوت

10 سبتمبر 2015
ملابسي فقط ابتلَّت.. لكنني نجوت (فرانس برس)
+ الخط -
أتعرف يا أبي.. لم أكن أكذب حينما أخبرتك أن بمقدوري عبور هذا البحر بلا قارب.. لم أكن مجرد طفل ساذج يتحدث عن أشياء خيالية شاهدها في مسلسل كارتون أبله.. 
أنت تعرف أن تلفاز منزلنا تهشَّم في القصْف .. لذا فأنا لم أستق ما أخبرك به من خيالات الأطفال الساذجة..


أدرك تماماً أن ملابسي ستبتَل، وستصبح جيوبي ممتلئة بالماء والملح.. تعرف بالطبع كم أن هذا سيئ بالنسبة لطفل مثلي لا يمتلك الكثير من الملابس ليبدل بينها.. لكن على كل حال، أنت من علمني أردِّد "هيك الله أراد" بينما ننظر للسماء، وندعو بأن تتوقف عن إمطارنا بالأشياء السيئة.. ليس ضجراً لا سمح الله، ولكن ضعفاً مما سمح به، لما يعرفه عن بنيتنا المُهترئة التي لم تعد تحتمل المزيد من الموت.

سنعبُر يا أبي، وستنتهي كل هذه الآلام.. أعدك بألا تأخد ملابسنا وقتاً طويلاً حتى تجفّ على شواطئ أوروبا.. وأعدك بألا أبكي حتى ينتهي كل شيء، ونبدأ حياةً حُلوَة بطعم الشوكولاته التي ستشتريها لي كل ليلة.. سيذوب ملح البحار والمحيطات العالق بملابسنا، وتذوب معه كل الأحزان التي خلّفَتها الجروح الغائرة التي تملأ أجسادنا وقلوبنا.. ستشتري لي أوراقاً جديدة.. ألواناً، وأحلاماً جديدة.. أرسم بها كم كنت بطلاً وعبرت هذه البحار وحدي، حينما أراد الجميع لي الغرق في صمت.. سيعرف زملائي الأوروبيون كم كنت فريداً حينما سبحت فوق الأمواج، ولم أدعها تسبح فوقي..

ستبتل ملابسي، نعم.. لكني لن أتضجر.. سأواصل السباحة حتي أصل.. إلى أين؟! .. لا أعرف، المهم أن نبتعد عن هنا في أسرع وقت ممكن.. المهم أن نصل إلى شاطئ يا أبي.. لأن الملح بدأ في التسلل إلي عيني، فبكيت ولم أفِ بالوعد. لم أجد سلوي تعينني على ذلك إلا حينما تذكرت عبارتك.. "لا بأس من حدوث بعض الأخطاء الصغيرة في سبيل الوصول".
وها أنا يا أبي قد وصلت، فقط لأثبت لك بأنني كبرت.. وأن بإمكاننا أن ننجو من هذه الحياة، حتى وإن ابتلّت ملابسنا، التي لا نملك غيرها.

(مصر)