لماذا يسمح للمرأة بالتواجد في القطاعات كلها، مدنية وعسكرية، ولا يسمح بأن يكون لها مقهى خاص بها؟ تساؤل دفع شاهيناز ونزيهة إلى افتتاح مقهى للنساء فقط في مدينة الجلفة الجزائرية، بكل ما يترتب على الخطوة من ردود أفعال.
لا استطلاعات رأي تحدّد نسبة الجزائريين الذين ينظرون بسلبية إلى المرأة التي تقصد المقاهي، للاستراحة وشرب القهوة أو الشاي. لكنّ هذه النظرة منتشرة خصوصاً في الأرياف والمدن البعيدة عن الساحل، حيث يُنظر إلى المقهى كمساحة ذكورية بامتياز.
في ظلّ هذا الواقع، بادرت نزيهة وشاهيناز إلى فتح مقهى مخصّص للنساء فقط، أطلقتا عليه اسم مقهى السيدة (Lady's). هو مقهى مغلق يخلو من الشرفات والنوافذ المفتوحة التي قد تمكّن العابرين من رؤية من في الداخل، كما أنّ قانون المقهى يمنع على الزبونات اصطحاب رجل أو التواصل مع رجل خارج المكان بعد الدخول.
خبر افتتاح المقهى أثار الكثير من التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي. البعض استحسن وآخرون استهجنوا وتحفّظوا. الأكثر غرابة أنّ المقهى موجود في مدينة الجلفة (300 كيلومتر جنوب العاصمة) وهي إحدى أكثر المدن الجزائرية محافظة، حيث يرتبط دخول المرأة إلى المقهى بـ"الاسترجال". يقول معيوف ش. وهو طالب في علم الاجتماع: "هنا، بالرغم من التحولات الحاصلة في البنى الاجتماعية، ما زالت نسبة كبيرة تنظر إلى المرأة العاملة والمتسوقة بتحفظ، ناهيك عن دخولها المقهى".
في الإطار نفسه، تقول الإعلامية ابنة المدينة مريم براهيمي لـ "العربي الجديد" إنّ التحفظ على المقهى يشمل قطاعاً من النساء أيضاً: "البدايات صادمة دوماً، لكنّ الإيمان بالمشروع من طرف صاحبتيه، ونخبة واسعة من الزبونات، سيجعله يبدو مساحة طبيعية مع الوقت". تضيف: "بصفتي امرأة، كان هذا المقهى حلماً، فللمرأة خصوصيات تتعلق بمزاجها ونفسيتها وذهنيتها. ومقهى مثل هذا يوفر لها الحق في أن تستمتع بوقتها مع صديقاتها بحرّية". تتطلع براهيمي إلى أن يصبح مقهى "لايديز" فضاء ثقافياً أيضاً "يجمع نخبة المدينة من النساء: طبيبات وتربويات وقاضيات وإعلاميات وكاتبات، يناقشن فيه ما الذي يمكنهن أن يساهمن به، في الحياة العامة، بعيداً عن عقد النقص والارتهان لواقع يرفض أن يرى المرأة شريكة في الفضاء العام والعطاء".
تعود بنا نزيهة إلى بدايات الفكرة ـ المغامرة بالقول: "لفت انتباهَنا افتقارُ المدينة التي تقطنها عشرات الآلاف من النساء، إلى مساحة عامة محترمة وآمنة تستوعبهن، وتجعلهن يلتقين ليتبادلن الأفكار والأحاديث، فقررنا أن نفتح مقهى خاصاً بهن". تسترسل: "جمعنا ما لدينا من مال، واخترنا مكاناً يتوفر على موقف للسيارات في شارع 5 جويلية المقابل تماماً لمقر الولاية".
تتابع نزيهة: "كنا ندرك أنّ المشروع سيصطدم بالأعراف والذهنيات المتحفظة، لكننا أدركنا في المقابل، أنّه سيصبح مقبولاً مع مرور الزمن، فالجزائري كان بعد الاستقلال الوطني، يرفض أن يعلّم المرأة أو يسمح لها بالعمل وقيادة السيارة، لكن تحولات مختلفة جعلته اليوم يتقبّل ذلك كلّه". تصل إلى نتيجة: "السلطة ملك لمن يبادر، لا لمن ينتقد".
وعن طبيعة الزبونات اللواتي يقصدن المكان تقول شاهيناز: "نستقبل الطالبات والمحاميات والطبيبات والمهندسات والمعلمات وحتى اللواتي يمكثن في البيت، يأتين فرادى وجماعات، بعضهن للاستراحة والاسترخاء، وبعضهن للحديث في مشاريع وبرامج تخصهن. نحرص على توفير المناخ الذي يساعدهن في تحقيق ذلك، ومن ذلك توفير الإنترنت".
هذا الحرص، دفع بالقائمتين على المقهى إلى توسيع مجال الخدمات، من المشروبات الساخنة والباردة إلى وجبات الطعام: "هناك نساء عاملات، لا يجدن الوقت للعودة إلى البيت أثناء فترة الاستراحة من الدوام، وإعداد الطعام، فبتن يطلبن منا وجبات خفيفة تعفيهن من تعب إضافي".
يتميز المقهى بموسيقاه الهادئة طوال فترة عمله من الثامنة صباحاً إلى الثامنة مساءً: "المرأة الجزائرية شغوفة بالكلام لأنّ فرص التعبير عن ذاتها وهواجسها قليلة. وفي هذا المكان تميل إلى الهدوء كونها في مكان خاص بها وحدها".
هذا الهدوء الذي يوفره مقهى السيدات لزبوناته، بات يستقطب حتى المسنّات. تقول نزيهة: "ما إن تدخل إحداهن، حتى تخلع حجابها وتطلب قهوتها وتنسجم مع الجميع". ومع سؤالها عن إمكانية أن يتحول المقهى إلى مكان يسمح للجدات والأمهات بأن يتدبرن زوجات لأبنائهن وأحفادهن، تقول: "نرحب بكل خطوة فيها خير للمرأة وللمجتمع".