مقتل خاشقجي: البيت الأبيض يوحي بإعادة تموضع

23 أكتوبر 2018
النقمة بواشنطن على بن سلمان عارمة (نيكولاس كام/فرانس برس)
+ الخط -

الصيغة التي صدرت بها تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وتصريحات مستشاره وصهره جاريد كوشنر، خلال الساعات الـ48 الأخيرة، بشأن مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، أثارت الاهتمام بالرغم من التباساتها.

لأول مرة، يتحدّث البيت الأبيض بلغة بدا من خلالها وكأنّه يمهّد لتموضع جديد في تعامله مع القضية وتداعياتها المحتملة. ويبدو من التوقيت أنّ هذا التمهيد يرتبط بالكشف المتوقع، اليوم الثلاثاء، عن الرواية التركية الكاملة لما جرى يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول الجاري في القنصلية السعودية بإسطنبول، والتي قد تكون "نقطة تحول" في القضية بمجملها.

وكأن الإدارة الأميركية، تتحضّر لما قد يأتي به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من قرائن تقطع الشك باليقين، وبما يستدعي حصول تغيير في موقف البيت الأبيض، لناحية المساءلة وتحديد الثمن المطلوب تدفيعه للجهة المسؤولة عن سفك دماء خاشقجي، خاصة أنّ الأجواء في واشنطن، وبالتحديد في الكونغرس والإعلام الأميركي، ضاغطة إلى أقصى الحدود في هذا الاتجاه.

وهو احتمال أشار إليه كوشنر، أمس الإثنين، بقوله، في مقابلة مع قناة "سي إن إن"، إنّ "الأمور قابلة للتغيير" وإنّ الإدارة "ستحدد الرواية الأكثر صدقية" لاعتمادها والتصرف على أساسها. وزيادة في التوضيح، شدّد على أنّ استراتيجية الإدارة تقوم على "ما تتطلبه مصالحنا وليس على السعودية".

بكلامه هذا غير المألوف، بدا كوشنر وكأنّه يستبق السردية التركية للتجاوب معها، إذا اقتضى الأمر، وهو المعروف عنه أنّه دافع منذ البداية عن ضرورة تمتين العلاقة مع القيادة السعودية الجديدة. كما تردد، قبل أيام، أنّه دعا الرئيس ترامب إلى عدم التسرّع، وإعطاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، المزيد من الوقت، للقيام بالتحقيقات بعد الاعتراف بمقتل خاشقجي.

ويُقال في هذا الصدد، إنّ العلاقات المالية الشخصية مع السعودية، لعبت دورها في تمسّك كوشنر بالعلاقة مع ولي العهد. لكن اللغة تبدلت فجأة عشية "القنبلة" التركية المرتقبة، وكذلك تبدّل خطاب ترامب.

بعد 24 ساعة من إشادته باعتراف الرياض بروايتها المتناقضة، سارع ترامب إلى وصمها "بالمخادعة والمليئة بالكذب". ثم أضاف، أمس الإثنين، أنّ العملية كانت "مؤامرة انحرفت عن مسارها". تحوّل في الخطاب أملاه الاستحقاق التركي المرتقب، اليوم الثلاثاء.

النقمة في واشنطن على بن سلمان، عارمة وغير مسبوقة بحدتها، وبالذات في الكونغرس، وبالأخص في أوساط الجمهوريين بمجلس الشيوخ، المقرّبين من الرئيس، والذين دعوا إلى "عدم التعامل معه" (بن سلمان) بعد الآن، لكن "من دون التفريط في العلاقة مع المملكة". معادلة لا تستقيم، وقد تؤدي إلى استفحال المأزق، لو جاء أردوغان بأدلة دامغة ضده.


ما بدا أنّه إعادة تموضع لا تزال أغراضه غير واضحة، فقد يكون بهدف الاحتواء، غير أنّ الموضوع فرض نفسه على أجواء حملة انتخابات الكونغرس، المقررة في 6 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وقد يزداد تأثيره بفعل حجم قنبلة أردوغان. وقد يكون من باب التمهيد لمحاسبة إجبارية ما أرادها البيت الأبيض منذ البداية.

حتى الآن، لم يغادر ترامب موقفه عملياً بعد، فقد أوفد وزير ماليته ستيف منوتشين إلى الرياض، للمشاركة في مؤتمر حول منع تمويل الإرهاب، وقد اجتمع بولي العهد، أمس الإثنين. وجاء ذلك بديلاً من مقاطعة الإدارة، تحت الضغوط، مؤتمر "دافوس الصحراء" في السعودية، والذي ينطلق، اليوم الثلاثاء، وسط مقاطعة شاملة سياسية ومالية وإعلامية.

كما حرص ترامب على التذكير المستمر بصفقة سلاح مع المملكة بقيمة "110 مليارات دولار"، في حين ليست هناك عقود بهذه القيمة المبالغ فيها، بل هي مجرد وعود ونوايا في هذا الخصوص، بينما يواصل ترامب إشادته بولي العهد كشخصية "قوية".

إشارات متنافرة تترك للرئيس الأميركي كل الخطوط مفتوحة، إلا إذا وضعه أردوغان أمام خط واحد لا مفر من اعتماده. وربما لتفادي هذا الاحتمال قامت مديرة وكالة الاستخبارات الأميركية "سي آي إيه جينا هاسبل، بزيارة عاجلة إلى تركيا، قيل إنّها بغرض "تقصّي الحقائق"، أو ربما لتلطيفها.