فيما كان الفلسطينيون عشية عيد الأضحى، وفي يوم وقفة عرفة، منهمكين في التصدي لاقتحامات المستوطنين اليهود للمسجد للأقصى، ومنشغلين في تحضيراتهم لاستقبال العيد، كانت المقبرة الإسلامية، المعروفة بـ"مقبرة باب الرحمة"، المتاخمة لسور المسجد الأقصى من ناحية الشرق، تتعرض لاعتداء جديد من قبل شرطة الاحتلال.
شرطة الاحتلال تفرض رقابة صارمة على المقبرة، خاصة على أجزائها الجنوبية، وتمنع بناء القبور ودفن الموتى الفلسطينيين فيها، بدعوى أن جزءاً من تلك المقبرة مصادر لصالح سلطة حماية الطبيعة الإسرائيلية ولبلدية الاحتلال اللتين تخططان لإقامة مسارات تلمودية على مساحات من تلك المقبرة.
وتشكل هذه المسارات جزءاً من سلسلة مسارات طويلة تلتف حول البلدة القديمة من القدس، لترتبط بعدد من مخططات الاستيطان والتهويد الجارية في المنطقة المسماة إسرائيلياً بـ "الحوض المقدس"، من أبرزها مشروع "كيدم" الاستيطاني جنوب منطقة القصور الأموية على مدخل بلدة سلوان، ومشروع "القطار الهوائي" الذي سيربط ساحة البراق و"حارة اليهود" بجبل الزينون ورأس العمود شرقاً.
ويقول أحد حرّاس الأقصى، أشرف أبو ارميلة، إن طواقم الشرطة، وما يسمى بـ"سلطة الطبيعة الإسرائيلية"، ارتكبت، اليوم الأحد، اعتداءً جديداً على هذه المقبرة بإغلاقها قبرين هناك، كانا قد أُعدّا لدفن موتى مقدسيين، مشيراً إلى أن اعتداء سابقاً سجل خلال شهر تموز/يوليو المنصرم، قامت خلاله شرطة الاحتلال وطواقم سلطة الطبيعة بهدم ثلاثة قبور في المكان ذاته، ولمنع المقدسيين من دفن موتاهم هناك شددت من رقابتها على المكان، ووضعت دورية ثابتة ونقطة مراقبة دائمة في المقبرة، وعلى الجدار الشرقي للمسجد الأقصى.
بدوره، وصف رئيس لجنة رعاية المقابر الإسلامية في القدس، الحاج مصطفى أبو زهرة، في حديث لـ"العربي الجديد"، ما جرى من اعتداء اليوم على مقبرة باب الرحمة، بأنه "تدنيس لحرمة المقبرة ومس بمشاعر المسلمين، إذ لم يعد موتاهم في مأمن من اعتداءات الاحتلال"، وأضاف: "هذه مقبرة إسلامية، ومنذ أكثر من 1400 عام يدفن المسلمون موتاهم فيها، ولم ينازعهم عليها أحد".
وأكد أن المقبرة "حق مقدس للمسلمين وحدهم، وهي مقبرة إسلامية تاريخية، قائمة على أراضي أوقاف إسلامية، ولها طابو ومثبتة بالخرائط، وليس لليهود أي حق فيها".
يأتي ذلك، في وقت كانت هذه المقبرة عرضة لسلسلة طويلة من الاعتداءات الإسرائيلية التي استهدفت الاستيلاء عليها، من خلال محاولة سلطة الآثار الإسرائيلية اقتطاع مساحة 40% من أراضيها، ووضع أسلاك شائكة في أجزاء منها، قبل أن يقوم ناشطون باقتلاعها.
وكانت قوات الاحتلال قد اعتدت، في 12 أيار/مايو من العام الجاري، بوحشية، على جنازة مواطنة مقدسية، فور وصولها مقبرة باب الرحمة، كما اعتدت على المشاركين فيها بالقنابل الصوتية والهراوات، ما أدى إلى اصابة بعضهم بشظايا القنابل الصوتية والرضوض المختلفة.
كذلك هاجم جنود الاحتلال، قبل ذلك، المشيعين في جنازة المرحوم جمال محمد العباسي، داخل المقبرة، وأصيب العشرات منهم، وهو ما دفع مدير المسجد الأقصى، عمر الكسواني، إلى وصف هذه الاعتداءات بأنها "تنكيل بالأموات قبل الأحياء، وجريمة مدانة".
وتعيد الاعتداءات المتكررة على المقبرة الإسلامية إلى أذهان المقدسيين الاعتداء الخطير على مقبرة مأمن الله في القدس الغربية، وقيام سلطات الاحتلال ببناء فنادق ومجمعات تجارية في المنطقة، إضافة إلى مشروعها الأخطر، وهو "مركز التسامح" الجاري بناؤه على أنقاض مئات القبور التي هدمتها قوات الاحتلال، وتضم رفات شخصيّات إسلاميّة تاريخيّة.
وتبلغ مساحة الحديقة التوراتية التي يخطط الاحتلال لإنشائها في محيط البلدة القديمة، نحو 1100 دونم، وهي واحدة من سبع حدائق ستقام في المنطقة بمساحة إجمالية تصل إلى نحو 2680 دونماً، وفقاً لما يقوله محمود أبو عطا، من المركز الإعلامي لشؤون القدس والأقصى "كيوبرس".
ويشير إلى أن الحديقة، المنوي إنشاؤها جنوب المسجد الأقصى، هي الأكبر والأكثر خطورة على أولى القبلتين، نظراً لملاصقتها لسوره، حيث تمتد من حي وادي حلوة بسلوان، وجنوب غرب أسوار القدس القديمة في المنطقة المعروفة بـ"وادي الربابة، مقتطعة الجزء الشرقي من مقبرة باب الرحمة، لتغطي السور التاريخي للقدس القديمة من الجهة الشمالية والشمالية الغربية، بامتداد المنطقة الواقعة من باب النبي داوود وباب الخليل، حتى باب العمود، والساهرة بالقرب من المقبرة اليوسفية، أو باب الساهرة، كما يطلق عليها".
بدوره، وصف عضو الهيئة الإسلامية العليا، القيادي في حركة فتح، حاتم عبد القادر، في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، إغلاق الاحتلال قبرين في مقبرة باب الرحمة بأنه "حرب الاحتلال المستمرة على الأموات"، بالتزامن مع حربه وجرائم القتل والإعدام الميداني للأحياء، إذ قتل الاحتلال بدم بارد، في أقل من عام من هبة القدس والأقصى، أكثر من ثلاثمئة شخص.
وبينما تقترب ذكرى اندلاع انتفاضة الأقصى في الثامن والعشرين من أيلول/سبتمبر من عام 2000 يرى عبد القادر أن الأخطار التي تحيط بالأقصى وبمقابر المسلمين تنذر بانتفاضة ثالثة لن يكون بمقدور الاحتلال مواجهتها، وعليه أن يتحمل تبعات ما يقترفه من جرائم.
يذكر أن مقبرة باب الرحمة تضم جثامين كبار الصحابة، من أبرزهم: عبادة بن الصامت، وشداد ابن أوس شقيق الصحابي حسان بن ثابت، إضافة إلى رفات مئات الشهداء من الشخصيات الإسلامية المرموقة، ومن شهداء الانتفاضتين الأولى والثانية، ويعود تاريخ بنائها لحقبة "الفتح العُمري" عام 626 ميلادي.