بالرغم من عدم الاتفاق الأوروبي-الأميركي على ما يجب فعله حيال من يُطلق عليهم "مقاتلو داعش الأجانب"، والاختلاف بشأن تقدير أعدادهم بين 5 و10 آلاف مقاتل أجنبي، خصوصا المنتمين منهم لدول أوروبية، إلا أن تسارُع الحديث عن عملية عسكرية تركية في الشمال الشرقي السوري أعاد قضية هؤلاء ومطلب محاكمتهم إلى الواجهة مجددا، وذلك خشية إطلاقهم من السجون التي تقارنها بعض الصحف الغربية بـ"معسكرات الاعتقال الجماعية الألمانية" في فترة الحرب العالمية الثانية.
وأعادت الدنمارك، أمس الثلاثاء، طرح قضية هؤلاء عبر وزير العدل نيك هيكروب، في اجتماعات مع نظرائه في لوكسمبورغ. كذلك تداعت لجنة الأمن والشؤون الخارجية في البرلمان الدنماركي إلى "اجتماع طارئ" لمناقشة هذه القضية. ومنذ أكثر من عامين، تطرح الدنمارك مبادرة "إقامة محكمة دولية" لمحاكمة الأوروبيين الذين انضموا إلى صفوف تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وما زالوا محتجزين لدى قوات سورية كردية في مناطق يعتقد أن تركيا تحضّر لشن عملية عسكرية فيها.
وبحسب ما يرشح اليوم الأربعاء، فإن مداولات أجرتها كوبنهاغن مع نظرائها الأوروبيين، وعلى خلفية تقييم الموقف على الأرض، أسفرت عن اتساع الدعم لإقامة محكمة دولية بعيدا عن الأراضي الأوروبية.
ووفقا لما تنقله التلفزة والصحف الدنماركية عن الوزير هيكروب، من يسار الوسط الحاكم، فإن "مجموعة من 16 دولة أوروبية غربية تدعم مشروع تأسيس محكمة في الشرق الأوسط للمقاتلين الأوروبيين الذين انضموا وقاتلوا في صفوف تنظيم داعش، على أن يقضوا عقوبتهم هناك، بحيث نتحرر نحن (في الدنمارك) من تبعات وصولهم إلى البلد".
ويُبقي هيكروب مسألة مكان محاكمتهم في الشرق الأوسط أمرا "سريا حتى الآن"، بحسب صحيفة "يولاندس بوستن"، وإن تسرب أن "مباحثات تجري مع بعض دول المنطقة لإقامة تلك المحاكمات فيها بدعم من دول أوروبية كبيرة لدول بعينها لا أستطيع البوح عنها الآن"، وفقا لما نسبت الصحيفة لهيكروب.
الخشية الأوروبية، وارتفاع بعض أصوات الأحزاب السياسية، من اليسار ويمين الوسط، لخّصها هيكروب بما يمكن أن تُحدثه العملية التركية من "انفلات الرقابة على السجون والمعتقلات التي تحرسها قوات كردية". بل يذهب بعضهم إلى حدّ التخوف من إطلاق هؤلاء المعتقلين مع بدء العلميات العسكرية في شرق الفرات.
ووفقاً لمعلومات حصل عليها "العربي الجديد" في كوبنهاغن، فإن لجنة شؤون الأمن والخارجية في البرلمان الدنماركي، ستعقد بعد ظهر اليوم الأربعاء جلسة طارئة أخرى لمناقشة تداعيات الهجوم التركي الوشيك. ويقف خلف الدعوة العاجلة للاجتماع كل من يمين الوسط "فينسترا" ومن معسكر اليسار حزب الشعب الاشتراكي واللائحة الموحدة والبديل.
ويتخوف البرلمانيون الدنماركيون من أن "يجري إطلاق هؤلاء المقاتلين ونصبح أمام مشكلة تواجدهم في شوارعنا"، على ما ذكرت أمس مقررة الشؤون الخارجية في حزب الشعب الاشتراكي اليساري، إيفا فلوهولم. وكانت الاستخبارات الدنماركية حذرت من عودة هؤلاء المقاتلين واعتبرت دخولهم البلد تحت أي ظرف "تهديدا للأمن القومي للبلد".
ووجدت أوروبا نفسها في أكثر من مناسبة تحت ضغوط أميركية تطالبها بسحب مقاتليها من السجون التي تشرف عليها مليشيات كردية. ووفقا لمعلومات من مصادر سياسية دنماركية، فإن دولاً أوروبية، بينها ألمانيا والسويد والنرويج وفنلندا وفرنسا والنمسا وبريطانيا وهولندا وسويسرا وبلجيكا، تتفق على إقامة محاكم دولية لأعضاء التنظيم في مناطق خارج أوروبا.
وكانت السويد قد طرحت سابقاً مقترحاً يقضي بمحاكمة مقاتلي "داعش" الأجانب بنفس مستوى نموذج محاكمة مجرمي الحرب السابقين في يوغسلافيا ورواندا، إلا أن الاختلاف يبقى على مكان هذه المحاكمات، والخشية الأوروبية من "فيتو" روسي في مجلس الأمن.
وعليه، تناقش الآن مقترحات مع دول في المنطقة (الشرق الأوسط) لإقامة هذه المحاكمات، كما ذهب وزير العدل في الدنمارك نيك هيكروب بعد عودته من لوكسمبورغ مساء أمس. وتبدّي الدنمارك تفاؤلا بإمكانية محاكمة هؤلاء خارج أوروبا، إذ ذكر الوزير الدنماركي أن بلاده "نجحت في السابق في إقناع سيشيل بمحاكمة القراصنة الذين اعتقلتهم البحرية الدنماركية".
ورغم وجود معتقلين من التنظيم في العراق، إلا أن وجود العدد الأكبر في سورية هو المقلق للأوروبيين، فقد تحدّث تقرير سابق لصحيفة "التايمز" عن وجود معسكر "يضم نحو 5 آلاف معتقل، وتشبه أوضاعه أوضاع معتقلات النازية أثناء الحرب العالمية الثانية". ونقلت عن مسؤول العلاقات في "قوات سوريا الديمقراطية"، مصطفى بالي، أن "الوضع يمكن أن ينفجر في أية لحظة".
وانتقد اليسار الدنماركي ظروف الاعتقال على لسان مقرر الشؤون الخارجية والذي يعتبر اليمين المتشدد في أوروبا، ومنه الدنماركي في حزب الشعب، سورن سونداغورد، بأن "ظروف المعتقلين غير مقبولة على الإطلاق ويجب عمل شيء لتحسين الأوضاع، حتى لا نجد أنفسنا أمام هروب هؤلاء إلى تنظيمات أخرى". وكان تقرير الصحيفة اليوم أشار إلى وجود 12 ألف معتقل في معسكرات أو ما يطلقون عليه "detention centre" في عهدة القوات الكردية في ظروف إنسانية سيئة للغاية، وفقا للتقرير وتقارير غربية أخرى.