مقاتلون أوكرانيون يعبرون حدود روسيا

06 اغسطس 2014
نقص المؤن يدفع الجنود لعبور الحدود (فرانس برس/Getty)
+ الخط -

عَبَر الحدود الروسية، يوم الرابع من أغسطس/آب الجاري، 438 جندياً وضابطاً أوكرانياً، من اللواء 72، المحاصر منذ ثلاثة أسابيع في الموقع المسمى "المرجل الجنوبي"، بالقرب من الحدود الروسية. فهل انشقّ هؤلاء، وانضموا إلى الجانب الروسي غير المشارك علناً في القتال ضد أوكرانيا، أم طلبوا الأمان لدى أعدائهم ليعبروا حدودهم ويرجعوا من جديد لقتالهم؟

لا يبدو أن روسيا غافلة عن الممكن، إنما لها حساباتها، التي تبني عليها طريقة تعاملها مع الجنود المعادين لها، الذين لا خيار لهم، فإما أن يموتوا أو يسلكوا هذا الطريق.

إذا عدنا إلى تصريح رئيس المكتب الصحفي، في إدارة حرس الحدود الروسية، في منطقة روستوف، فاسيلي مالاييف، نلاحظ أن الجنود الأوكرانيين لجأوا إلى حرس الحدود الروس طالبين الحماية، إذ قام حراس الحدود الروس، بفتح ممر "إنساني" من أجل مرور الجنود الأوكرانيين، بحسب ما نقلت وكالة "ريا نوفوستي" عن مالاييف. وأوضحت الوكالة أنه "إضافة إلى الجنود طالبي الحماية، هناك 164 من حرس الحدود الأوكرانيين، الذين شاركوهم رحلة الانسحاب".

وكانت تلك، الحادثة الأولى، التي يُسجّل فيها لجوء مثل هذا العدد الكبير من الجنود والضباط إلى روسيا هرباً من القتال. ووفقا لكلام مالاييف، فإن حرس الحدود الأوكرانيين أعلنوا أثناء عبورهم إلى الجانب الروسي، أنهم لا يريدون متابعة القتال وأنهم تعبوا من الحرب. وأضافت "ريا نوفوستي"، نقلا عن مالاييف، أن "أكثر من 180 من الجنود الأوكرانيين عبّروا عن رغبتهم في العودة إلى وطنهم". وأكّد أن "هؤلاء سيسلّمون إلى الجانب الأوكراني في اليوم نفسه".

من جهة أخرى، نقلت وكالة "إنترفاكس" الروسية، عن محافظ منطقة روستوف، فاسيلي غولوبييف، توقعه أن "يعبر الحدود الروسية فجر اليوم الأربعاء، حوالي 200 مقاتل أوكراني آخرين".

ولم تتطابق الأنباء الروسية مع نظيرتها الأوكرانية، إذ اعتبرت وكالة "أونيان" الأوكرانية، في معرض ذكرها سبب انتقال الجنود الى روسيا، أن "مجموعة من مقاتلي اللواء المؤلل 72، اضطرت إلى الانسحاب إلى الأراضي الروسية، بسبب انتهاء ذخائرها، أثناء المعارك مع الميليشيات". وقد جاء في خبر الوكالة الأوكرانية، نقلا عن لسان الناطق باسم العملية العسكرية (عملية مكافحة الإرهاب كما تسميها كييف)، أليكسي ديمتراشكوفسكي، أنّ "مقاتلي اللواء 72 انقسموا إلى قسمين، وانتهت الذخائر بعد ذلك، لدى أحد القسمين، وأُعطبت الآليات التي تواجدت في ساحة القتال. مما اضطر الجنود إلى التوجه نحو منطقة المعبر الحدودي الروسي. وتشير آخر المعلومات إلى أن الجنود موجودون في الأراضي الروسية. ويتم التدقيق في عددهم".

حصار- الموت أو الاستسلام

وتفيد متابعة قصة اللواء 72 المؤلل، واللواء 79 المجوقل، المحاصرين في "المرجل الجنوبي"، بأن أوكرانيا، فقدت 7 طائرات حربية، أثناء محاولتها تزويدهما، بالذخائر والمؤن". حسبما أعلن وزير الدفاع الأوكراني، فاليري غاليتيه، على هواء برنامج "شوستر لايف" مباشرة، وفقاً لموقع "أوكراينفورم".

كما أفاد رئيس تحرير "صوت سيفاستوبول"، بوريس روجين، في مجلة "لايف جورنال"، أنّ "المرجل الجنوبي، دخل الطور الأخير من وجوده، فقد بدأت معاناة الوحدات المحرومة من الإمدادات، وقد استسلم الباقون في اللواء 72، بعد أن تم تضييق الخناق عليهم في إزفارينو وسفيردلوفسك، ودفعهم باتجاه الحدود الروسية، ويقوم بالدفاع، من تبقى في اللواء 79 المجوقل منفصلاً، واللواء 24 الميكانيكي منفصلاً، إضافة إلى قوات مساندة أخرى وميليشات تدعم العملية الانتقامية، ضد المناطق المطالبة بالفيدرالية".

 وأضاف روجين أن "مفاوضات بدأت الأحد الماضي، في منطقة لوغانسك بين مقاتلي اللجان الشعبية، ومجموعة كبيرة من الجنود المحاصرين، فيما يسمى بالمرجل". وأوضح أن"الجنود الأوكرانيين عازمون على الاستسلام. فقد نفد عندهم الماء والغذاء والوقود، ولم يتبقّ إلا قليل من الذخائر، علماً بأنه لم يتم التوصل إلى اتفاق حول استسلام اللواء كاملاً، لذلك بدأ المرجل بالتفكك إلى أجزاء. لقد انتهى عملياً وجود اللواء 72. فلا طعام ولا ذخائر لدى من لم يستسلم بعد". وتوقع حسم أمر "المرجل" في غضون يومين إلى ثلاثة، إذ "سيتمكن مقاتلو اللجان الشعبية من القضاء على بقايا اللواءين 24 و79".

 

وكانت وكالة "أونيان" الأوكرانية، قد أعلنت، يوم 28 يوليو/تموز الماضي، أن "لواء لفوف 24 الميكانيكي، المحاصر من قبل مقاتلي اللجان الشعبية، تكبّد خسائر فادحة". واستندت الوكالة الأوكرانية في خبرها إلى تصريح مدير منظمة المبادرة المدنية، "برافا سبرافا"، ديمتري سنيغيريف، الذي أضاف أن "قيادة اللواء طلبت من قيادة العملية التأديبية الخاصة، السماح لها بمحاولة اختراق الحصار". وأكد نقلاً عن الجنود المحاصرين أنفسهم أنهم "طالبوا القيادة الأوكرانية العليا بحلّ مسألة فك الحصار عنهم، إما أعطاءهم الأمر بتنفيذ هجوم للخروج من الطوق والانضمام إلى اللواءين المجاورين 72 و79، وإما الانسحاب باتجاه الأراضي الروسية". علما بأن الحدود الروسية في منطقة روستوف ليست آمنة تماماً.

وفي انتظار تطورات الوضع، في منطقة العمليات، قرب الحدود الروسية، نقلت صحيفة "فزغلاد" عن نائب عميد أكاديمية بليخانوف، وعضو مجلس العموم في روسيا الاتحادية، سيرغي ماركوف، قوله إنه "في حال تم القضاء على المرجل الجنوبي، فسيتم تحرير الحدود بين روسيا وإقليم دونباس، وستفشل عملية عزل الإقليم عن روسيا". وأضاف "هناك جدال دائر في موسكو حول صحة القرار القاضي بالسماح للجنود الأوكرانيين المشاركين في العملية التأديبية تسليم أنفسهم لروسيا، بدلاً من تسليم أنفسهم لمقاتلي اللجان الشعبية. فهؤلاء سرعان ما سيعودون إلى القتال". وعلى النقيض من ماركوف، لا يرى رئيس "المركز الأوكراني لتحليل المعلومات"، أندريه ليسينكو، فرصة لبقاء المقاتلين الانفصاليين، شرق البلاد، حتى الشتاء القادم "فهم بالتأكيد لن يكون لهم وجود في شرق البلاد، مع حلول الشتاء".

وفيما يتبادل السياسيون والمحللون الآراء، بانتظار انتصارات أو هزائم، للمقاتلين المتعبين على الأرض يأتي رأي إنساني آخر، بل مختلف تماماً. إذ نقلت وكالة "إيتار تاس"، مساء الاثنين الماضي، عن قائد إحدى الكتائب الأوكرانية التي سمحت روسيا بعبور جنودها الحدود، الرائد فيتالي دوبنياك، قوله "إنه على مدى أسبوعين، دافعنا عملياً دون احتياطي ذخائر أو وقود، ولم يبق لدي طعام أقدمه لجنودي، فقد نفد حتى الخبز اليابس، ولم نتلق من المركز أي شيء سوى الأمر بالصمود، حتى إنهم في الأسبوع الأخير توقفوا عن الاتصال بنا. لقد دفنونا". وأشار إلى انه "من أجل حماية أرواح المقاتلين، اتخذ قادة الفصائل قراراً باللجوء إلى الحدود الروسية، وبات علينا أن نترك أسلحتنا ومعداتنا في تلك الجهة. فالأهم من كل شيء، كان حماية أرواح الناس".

 وأضاف "بصراحة، لم نكن نتوقع أن يتعامل الروس معنا بهذه الطريقة، التي يمكن القول إنها أخوية. فجميع من كان يعطينا الأوامر من أعلى، كانوا يقولون لنا إننا نقاتل روسيا. ولا أحد من الروس واجهنا حتى بنظرة غير مريحة، فهم يدركون أننا أسرى هذه المأساة". ما دفع دوبنياك إلى التأكيد، أن "كثيراً من جنوده لن يقبلوا العودة إلى القتال، بعد أن قوبلوا بهذه الطريقة الأخوية من الروس". 

  

المساهمون