مفكرة المترجم: مع عبد الكريم بدرخان

21 يوليو 2020
(عبد الكريم بدرخان)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم. "العلاقة بين الكاتب والمترجِم في داخلي هي علاقةيد". بين الأصل والفرع"، يقول الشاعر والمترجم السوري.


كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟

في عام 2009 كنتُ شاعراً، وبعدما أنهيت القراءة التاريخية للشعر العربي في عصوره الجاهلية والأموية والعباسية والدول المتتابعة، انتقلتُ إلى قراءة الشعر الإنكليزي، وبدأت من المرحلة الرومانسية، لا أعرف لماذا، ربما بسبب ميولي الرومانسية حينذاك، فقرأتُ قصائد بايرون وكيتس وشيللي من مصادرها الأصلية، ثم حاولتُ ترجمتها، وبعد فترة رغبتُ في نشر الترجمات، فصرتُ أنشر قصائد مترجمة مع مقدمة عن الشاعر وتعقيب على القصيدة في الصحف السورية.

أما أول كتاب ترجمته فهو رواية "هوليوود" لـ تشارلز بوكوفسكي، وقد لاقت الترجمة صدىً إيجابياً في العالم العربي، حيث قرأها كثير من القرّاء والمهتمّين، وكتب عنها أدباء كبار مثل الشاعر شوقي بزيع والروائي عبده وازن.


ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟

آخر الترجمات المنشورة هي رواية "نساء بلا رجال" للكاتبة الإيرانية شَهْرْنُوش بارسِـيْبُور، وهذه أول ترجمة عربية لها، وصدرت عن دار "صفحة سابعة". أما الآن فأبحث عن شيء جديد للترجمة، وأبحث تحديداً في أدب القرن التاسع عشر، إذ أنني أفضّل ألا يكون الكتاب بحاجة إلى شراء حقوق الترجمة، لكيلا أكون ملزماً بنشر ترجمتي عن طريق دار معينة، أقصد الدار التي تملك الحقوق.


ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟ 

الصعوبات تكمن في وجود مصطلحات أجنبية في الفكر والنقد والسياسة والعلوم المختلفة، نشأت في الغرب في سياق تاريخي وثقافي معين، ولا يوجد مقابل عربي لها، وهنا دورُ المترجم في أن يشتقّ كلمة عربية تناسب المصطلح الأجنبي وتعطي معناه ودلالته. فمثلاً في آخر مشروع أشتغل عليه، اقترحتُ مفرداتٍ عربية جديدة كترجمة لمصطلحاتٍ أجنبية مستقرة في الغرب، وليست مستقرة عندنا، فاشتققت مفردتيّ "عَرْقَـنَة" و"أثْـنَـنَـة" كمقابل لمثيلاتها في الإنكليزية.

لا أترجم عملاً إلا إذا كنتُ مقتنعاً به من الناحية الأدبية 


هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟

في الحقيقة مسألة التحرير ضرورية وجوهرية قبل نشر أي كتابٍ مترجَم أو مؤلَّف، ودورُ المحرّر رئيسي في دور النشر الأجنبية. أما دور النشر العربية فكثيرٌ منها تنشر دون تحرير، وبعضها تنشر الكتب دون تدقيق لغوي أيضاً، أي تنشرها بأخطائها النحوية والإملائية، ناهيك عن أخطاء الترجمة. والأغربُ من ذلك أنّ إحدى الروايات التي ترجمتُها، خضعتْ لتدقيقٍ لغوي من قِبل مدقّق الدار، لكنّ ذلك المدقّق غيّرَ كلماتٍ وعباراتٍ بشكلٍ أدّى إلى تغيير المعنى، كما أنه عدّل تراكيبَ صحيحة لغوياً لتصبح -بعد تدقيقه- خاطئة لغوياً.


كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟

هنالك دائماً اختلافات في الذائقة الأدبية وفي التوجه الفكري بين الأفراد. هنالك مترجمون يعملون كالآلات الميكانيكية، فيترجمون أيّ شيء يُطلب منهم مقابل الحصول على أجر الترجمة. لست واحداً من أولئك، فأنا لا أترجم عملاً إلا إذا كنتُ مقتنعاً به من الناحية الأدبية ومن حيث المقولة الفكرية والإنسانية التي يتضمّنها. ولذلك فإن علاقتي مع الناشرين علاقة متوترة ومزاجيّة ومعقدة.


هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟

في الحقيقة أحاول أن أرجح التقييم الأدبي والفني والفكري للعمل على التقييم السياسي أو المقولة السياسية. لكن لا بدّ للإنسان من أن يكون ذا موقف سياسي وفكري. فعلى سبيل المثال، سبقَ لي أن اعتذرتُ عن ترجمة رواية "الإرهابي المجهول" للكاتب الأسترالي ريتشارد فلاناغان، بسبب مقولتها التي تتلخص في أن المهاجرين العرب إلى أُستراليا يشكلون بيئات حاضنة للإرهاب ومولّدة له. عندما أترجم عملاً إلى العربية فهذا يعني أنني أصبحتُ جزءاً منه، فالنسخة العربية من إنتاجي وإنتاج الكاتب معاً. وإذا لم يكن العمل موافقاً لتوجهاتي السياسية والإنسانية، فلن أجعل نفسي جزءاً منه.

الصورة
غلاف الكتاب

كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟

ينبغي أن أحبّه أولاً، أن أثق بقدراته الكتابية والإبداعية، وأن أتبنّى المقولة التي يتضمّنها العمل. يعني أن أكون صوته الثاني، صوته العربي. وبالتالي فإن علاقتي معه علاقة تقمُّص وتوحُّد ثم إعادة إنتاجٍ بلسانٍ عربي. فمثلاً أثناء ترجمتي لـ بوكوفسكي - روايةً وشعراً - كنتُ بوكوفسكياً بامتياز، أفكر مثله وأتصرف مثله وألقي بأفكاري على طريقته وحسب فلسفته. وأعتقد أنني أحسنتُ تقمُّصه، وأعدتُ إنتاجه بلسانٍ عربيّ، مع الحفاظ - قدر الإمكان - على صوته ونبرته ونَفَسِه.


كثيراً ما يكون المترجم كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟

العلاقة بين الكاتب والمترجِم في داخلي هي علاقة بين الأصل والفرع، ومن الضروري التمييز بينهما، فمن الضروري استبعادُ صوت الكاتب فيَّ قليلاً بغية الحفاظ على صوت المؤلف الأصلي للنصّ المترجَم ونَفَسِه وأسلوبه. لكنّ هذا لا يتعارض مع حقيقة أنّ المترجِم هو سرُّ نجاح العمل المترجَم في اللغة المنقول إليها أو عدم نجاحه، فالمترجِم يُضفي على العمل المترجَم من روحه وإبداعه وثقافته ونَفَسِه، فقد يجعلُه تحفةً توازي الأصل أو تبزُّه.


كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟

جوائز الترجمة ضرورية حقاً، وهي حافز فعّال للمترجم لكي يقدم أعمالاً جيدة ويهتّم بإتقان ترجمته على أحسن صورة. وهي قليلة كما ذكرتم، ومن أهمها "جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي"، وأتمنّى أن يكون لدينا مثيلاتُها في مختلف البلدان العربية.


الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟

مشاريع الترجمة المؤسساتية قليلة، ينقصُها الاستمرار في بعض الأحيان، ويُعاب على بعضها تحكُّم بضعة أفراد فيها، وتحويلها من ملكية عامة إلى ملكية فردية أو "شِـلَـلـِيّـة". ما ينقص مشاريع الترجمة المؤسساتية هو وجود دعم حكومي لها، وأيضاً اختيار الأشخاص المناسبين لقيادتها، وثالثاً تخليصها من الروتين الإداري القادر على قتل كل مشروع حيويّ. وحالياً؛ أبرز مشاريع الترجمة المؤسساتية إلى اللغة العربية نجدها في وحدة "تُرجمان" في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، وأتمنى أن تكون هنالك مؤسسات شبيهة لها، لكي تغطّي المجالات الأخرى من آداب وفنون ومعارف متنوّعة.


ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟

القاعد هي استيعاب النصّ الأصلي في زمانه ومكانه وسياقه وثقافة عصره، ومن ثمّ فهمُ وتفهُّم ماذا يقول المؤلف. ولماذا يقول ذلك؟ ولماذا يأتي بهذه الطروحات والرؤى والأفكار؟ وما غايته منها وما أهميتها في عصرها؟ إنّ فهم زمان المؤلف ومكانه وثقافته وظروفه مدخلٌ رئيس لفهم النصّ الذي نحن في صدد ترجمته. 


كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟

ندمتُ على ترجمة ديوان "أغاني الحبّ" للشاعرة الأميركية سارة تيسديل، وهو أول عمل أدبي يفوز بجائزة البوليتزر (1917) ذائعة الصيت. ندمتُ لأن أسلوب تيسديل لا يمكن الإحساس بجِرْسِه وإيقاعه وجماليته وأثره إلا من خلال أوزان الشعر الإنكليزي وقوافيه، أي أنّ ترجمته إلى العربية ذهبت بنصف شِعريته. وطبعاً، لا يخلو الأمر من الندم على ترجمة بعض المقالات أو النصوص الأدبية الأخرى.


ما الذي تتمناه للترجمة من اللغة العربية، وما هو حلمك كمترجم؟

ما أتمنى أنْ يُترجَم إلى اللغة العربية فهو كلُّ شيء، إذ نحن مقصّرون في الترجمة إلى العربية تقصيراً كبيراً، ومَن يتحمل مسؤولية هذا التقصير هي الأنظمة السياسية الحاكمة أولاً، ثم المؤسسات الثقافية الرسمية ومن بعدها المؤسسات الخاصة، وثالثاً تأتي مسؤولية الأفراد. أما حلُمي كمترجم فهو أن تكون هنالك مؤسسات حقيقية ومهنية تُعنى بالترجمة في العالم العربي.


بطاقة
شاعر ومترجم وكاتب سوري من مواليد 1986 مقيم في النرويج. نشر العديد من المقالات والدراسات والترجمات في الصحافة العربية منذ 2006، وقد تنوّعت اهتماماته بين النقد الأدبي والسينما والفكر والسياسة. صدرت له عدّة مجموعات منها: "جنازة العروس"، و"كما أشتهيكِ وأكثـرْ"، و"لون الـماء"، إلى جانب كتب مترجمة مثل: "امرأة استثنائية - قصائد مختارة لـ مايا آنجلو"، و"أغاني الحبّ - قصائد مختارة لـ سارة تيسديل"، و"وحيداً في حضرة الجميع - قصائد مختارة لـ تشارلز بوكوفسكي"، و"المؤتمر الأدبي" لـ سيزار آيرا، و"السرّ الحارق" لـ ستيفان زفايغ.

الأرشيف
التحديثات الحية
المساهمون