لبنان عريق بديمقراطيته على صعيد المنطقة، وأبرز تجليات الديمقراطية تلك عادة هي الانتخابات البرلمانية التي يختار فيها الشعب ممثليه مباشرة. ولو أنّ ذلك الاختيار تشوبه تعطيلات وتمديدات منذ الحرب الأهلية (1975 - 1990) وتستمر حتى في أعقابها، خصوصاً التمديد الأخير لبرلمان 2009 المستمر للعام التاسع على التوالي، مع العلم أنّ الدورة الانتخابية لا تتجاوز أربع سنوات.
لكن، وكما يُعرف لبنان بديمقراطيته المتجلية بالانتخابات، فإنّ تلك الانتخابات بالذات تكشف عن كثير من الأمور المتداخلة بين السياسي والشعبي تجعل من الديمقراطية اللبنانية نموذجاً أشبه ما يكون بخدعة أو حيلة، وفي أحسن الأحوال نكتة.
لا شكّ، يلتزم النظام بتلك الديمقراطية على صعيد فتح باب الترشيح وتنظيم الانتخابات في جدول محدد سلفاً يدعو على أساسه الناخبين، ويسمح لمندوبي المرشحين بالتواجد في المراكز لضمان نزاهة العملية.
تلك النزاهة بالذات مشكوك في أمرها تنظيمياً وإدارياً. كذلك، تمارس الأحزاب ذات السطوة والسيطرة والسلاح والزعران كثيراً من الضغط والترهيب على الناخبين. وفي المناطق التي يتقلص فيها عامل الترهيب يستبدل بالترغيب، فعدا عن شدّ العصب الطائفي في انتخاب القائمة كما هي من دون التدقيق حتى بأسماء من فيها من المدافعين عن "شرف" الطائفة، فالمال السياسي ضيف دائم في كلّ حملة انتخابية. شراء الأصوات تراث لبناني "ديمقراطي" معهود، والديمقراطية تبرز فيه عبر المزايدة بمئات الدولارات على الصوت الواحد مع نقليات ومحروقات وغداء وتقديمات بالزيت والزيتون والخدمات والتوصيات وغيرها.
يروي أحدهم عن نائب انتخب بشراء الأصوات في الستينيات جاءه ناخب عقب فوزه ليطالب بوظيفة لابنه. سأله النائب: ألم تأخذ 200 ليرة؟ أجاب: بلى. فطرده النائب وهو يستنكر مجيئه: إذاً ما الذي تريده منّي بعد؟
هو مثال صغير عن عدم أهلية الناخبين اللبنانيين لمحاسبة نواب اختاروهم بتلك الديمقراطية السمجة. لكنّه يحيل إلى كيفية تعامل النواب والمسؤولين أنفسهم مع تلك القواعد الشعبية، حتى تقتنع تلك القواعد بالحجم الذي يحقّ لها الوصول إليه في مطالبها والحدود التي تُمنع من تجاوزها.
رواية أخرى عن مفتاح انتخابي في إحدى المدن الصغيرة البعيدة عن العاصمة. والمفتاح هو كبير عائلة أو حيّ يمكنه أن يجيّر عدداً من الأصوات من عائلته أو حيّه إلى مرشح محدد. مفتاحنا هذا كان يعمل في إزالة النفايات عن الطرقات ووضعها في شاحنة، ليتولى زميل له ضغطها بآلة تشبه الرفش كي تتسع لأكبر كمية ممكنة، فهو "الزبّال" وزميله "اللبّاد" في لغة تلك الأيام. أما المرشح في تلك الانتخابات التي سبقت الحرب الأهلية مباشرة واستمر الفائزون فيها أكثر من 20 عاماً على كراسيهم، فطلب من رئيس بلدية المدينة التي يعمل فيها المفتاح أن يلبي أيّ طلب له.
بالفعل، استدعاه رئيس البلدية وقال له إنّ توصيته "من فوق" فما الذي يرغب فيه؟ أجاب المفتاح: "كما تعلمون يا ريسنا، عملي على الطرقات أهلكني، فيا ليتكم تأمرون بأن أعمل مكان اللبّاد ويعمل مكاني".
اقــرأ أيضاً
لكن، وكما يُعرف لبنان بديمقراطيته المتجلية بالانتخابات، فإنّ تلك الانتخابات بالذات تكشف عن كثير من الأمور المتداخلة بين السياسي والشعبي تجعل من الديمقراطية اللبنانية نموذجاً أشبه ما يكون بخدعة أو حيلة، وفي أحسن الأحوال نكتة.
لا شكّ، يلتزم النظام بتلك الديمقراطية على صعيد فتح باب الترشيح وتنظيم الانتخابات في جدول محدد سلفاً يدعو على أساسه الناخبين، ويسمح لمندوبي المرشحين بالتواجد في المراكز لضمان نزاهة العملية.
تلك النزاهة بالذات مشكوك في أمرها تنظيمياً وإدارياً. كذلك، تمارس الأحزاب ذات السطوة والسيطرة والسلاح والزعران كثيراً من الضغط والترهيب على الناخبين. وفي المناطق التي يتقلص فيها عامل الترهيب يستبدل بالترغيب، فعدا عن شدّ العصب الطائفي في انتخاب القائمة كما هي من دون التدقيق حتى بأسماء من فيها من المدافعين عن "شرف" الطائفة، فالمال السياسي ضيف دائم في كلّ حملة انتخابية. شراء الأصوات تراث لبناني "ديمقراطي" معهود، والديمقراطية تبرز فيه عبر المزايدة بمئات الدولارات على الصوت الواحد مع نقليات ومحروقات وغداء وتقديمات بالزيت والزيتون والخدمات والتوصيات وغيرها.
يروي أحدهم عن نائب انتخب بشراء الأصوات في الستينيات جاءه ناخب عقب فوزه ليطالب بوظيفة لابنه. سأله النائب: ألم تأخذ 200 ليرة؟ أجاب: بلى. فطرده النائب وهو يستنكر مجيئه: إذاً ما الذي تريده منّي بعد؟
هو مثال صغير عن عدم أهلية الناخبين اللبنانيين لمحاسبة نواب اختاروهم بتلك الديمقراطية السمجة. لكنّه يحيل إلى كيفية تعامل النواب والمسؤولين أنفسهم مع تلك القواعد الشعبية، حتى تقتنع تلك القواعد بالحجم الذي يحقّ لها الوصول إليه في مطالبها والحدود التي تُمنع من تجاوزها.
رواية أخرى عن مفتاح انتخابي في إحدى المدن الصغيرة البعيدة عن العاصمة. والمفتاح هو كبير عائلة أو حيّ يمكنه أن يجيّر عدداً من الأصوات من عائلته أو حيّه إلى مرشح محدد. مفتاحنا هذا كان يعمل في إزالة النفايات عن الطرقات ووضعها في شاحنة، ليتولى زميل له ضغطها بآلة تشبه الرفش كي تتسع لأكبر كمية ممكنة، فهو "الزبّال" وزميله "اللبّاد" في لغة تلك الأيام. أما المرشح في تلك الانتخابات التي سبقت الحرب الأهلية مباشرة واستمر الفائزون فيها أكثر من 20 عاماً على كراسيهم، فطلب من رئيس بلدية المدينة التي يعمل فيها المفتاح أن يلبي أيّ طلب له.
بالفعل، استدعاه رئيس البلدية وقال له إنّ توصيته "من فوق" فما الذي يرغب فيه؟ أجاب المفتاح: "كما تعلمون يا ريسنا، عملي على الطرقات أهلكني، فيا ليتكم تأمرون بأن أعمل مكان اللبّاد ويعمل مكاني".