مفاوضات عبثية في جنيف: النظام يراوغ بغطاء روسي

30 نوفمبر 2017
يسعى دي ميستورا لتمديد الجولة لمنتصف ديسمبر(زو جينكوان/فرانس برس)
+ الخط -
لا تزال الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف، التي بدأت الثلاثاء الماضي، تراوح مكانها، في ظل رفض وفد النظام السوري إجراء مفاوضات مباشرة مع المعارضة، واستمراره في سيناريو إضاعة الوقت من دون تقديم شيء، مدفوعاً بدعم وغطاء روسي لمواقفه، وصل حد تشديد موسكو، أمس، على أن رحيل رئيس النظام بشار الأسد لا يمكن نقاشه تحت أي ظرف. في هذه الأجواء، يحاول المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، الإيحاء بسعيه لتحقيق تقدّم ما، متحدثاً عن إجراء مفاوضات مباشرة بين الوفدين خلال الأسبوع المقبل، وفق ما كشفت مصادر لـ"العربي الجديد"، غير أن هذا الحديث يصطدم بتوجّه وفد النظام لمغادرة جنيف يوم غد، السبت، من دون تأكيد عودته الأسبوع المقبل.

في هذا الوقت، تتفاعل المأساة الإنسانية في الغوطة الشرقية لدمشق في ظل حصار مطبق من قبل قوات النظام، إذ تتحدث الأمم المتحدة عن مئات المرضى الذين يحتاجون إلى إجلاء عاجل. ودعا مستشار الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سورية، يان إيغلاند، القوى العالمية للمساعدة في ترتيب إجلاء 500 شخص بينهم 167 طفلاً من الغوطة الشرقية، قائلاً إن الوضع هناك أصبح "حالة طوارئ إنسانية". وذكر خلال إفادة صحافية في جنيف، أمس الخميس، أن تسعة أطفال لقوا حتفهم بالفعل في الأسابيع القليلة الأخيرة، مضيفاً: "لا توجد منطقة عدم تصعيد. لا يوجد سوى تصعيد في منطقة عدم التصعيد هذه. نحتاج لهدوء مستدام حتى نتمكن من إطعام 400 ألف شخص يمثلون الآن دون شك حالة طوارئ إنسانية".

أما في جنيف، فقد التقى دي ميستورا، أمس، وفدي المعارضة والنظام، كل منهما في غرفة، بعدما كان وفد النظام قد رفض إجراء محادثات مباشرة. وأشارت مصادر مواكبة للمفاوضات إلى أنها "تراوح في المكان"، موضحة أن المفاوضات لا تزال تجري في "غرف منفصلة"، مع استمرار وفد النظام على نهجه السابق برفض التطرق إلى موضوع الانتقال السياسي الذي تصر المعارضة على إنجازه قبل الانتقال إلى مواضيع أخرى كالدستور والانتخابات، والإرهاب. وأكد رئيس وفد المعارضة المفاوض نصر الحريري، تمسكه "بثوابت الثورة السورية التي تضمّنها البيان الختامي للمؤتمر الموسع الثاني للمعارضة السورية والذي استضافته العاصمة السعودية الرياض"، متوقعاً في لقاء له مع قياديين في المعارضة في محافظة حمص عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، الأربعاء، استمرار النظام في محاولات عرقلة العملية السياسية.


ولم يُبدِ وفد النظام حتى الآن أي مرونة سياسية من شأنها تمهيد الطريق أمام مفاوضات جادة، إذ يواصل سياسة القفز فوق القرارات الدولية، في ظل "صبر سياسي" من قبل الموفد الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا الساعي إلى تمديد الجولة إلى منتصف ديسمبر/ كانون الأول الحالي. وذكرت مصادر في وفد المعارضة لـ"العربي الجديد"، أن دي ميستورا أكد أنه ستُجرى مفاوضات مباشرة بين الوفدين خلال الأسبوع المقبل، وأنه "لن يقبل أي عذر حيال ذلك". لكن مسعى دي ميستورا يصطدم برغبة النظام في عدم القيام بذلك. ونقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية، أمس، عن "مصدر مقرب من منظمي المحادثات"، أن وفد النظام سيغادر جنيف غداً، السبت، لإجراء مزيد من المشاورات وقد يعود في الأسبوع اللاحق. وقال المصدر: "وفد النظام سيغادر السبت، وسيتخذ في دمشق قرار حول إمكانية عودته الأسبوع المقبل، فيما يعتزم وفد المعارضة الموحد البقاء حتى 15 ديسمبر".

ويأتي تمييع النظام للمفاوضات بدعم روسي، عبّر عنه ممثل روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة في جنيف، ألكسي بورودافكين، الذي قال، أمس، إنه لا يمكن أن يكون مصير الأسد مادة للنقاش. وأوضح بورودافكين لوكالة "سبوتنيك"، أن نصر الحريري "أعلن هنا في جنيف أنهم أتوا لكي يناقشوا مسألة رحيل الأسد، وهذا لا يمكن أن يكون مادة المحادثات السورية، وخصوصاً المفاوضات المباشرة". وأكد أن وفد النظام لن يناقش مع وفد المعارضة مسألة رحيل الأسد تحت أي ظروف. واعتبر أن موقف النظام في مفاوضات جنيف 8 "بنّاء"، موضحاً أن الوفد أعرب عن رغبته في جعل أولوية هذه الجولة مناقشة مكافحة الإرهاب.

هذه التصريحات تؤكد التوقعات بعدم تحقيق مفاوضات جنيف أي تقدّم، مع اعتبار النظام أنه المنتصر في الصراع، منتظراً من المعارضة الموافقة على أي حل يقدّمه. في حين ترى المعارضة أن لديها سلاحاً مهماً وهو القرارات التي صدرت عن الشرعية الدولية وحددت أسس الحل في سورية، وتعتبر قبولها بحل يبقي الأسد وأركان حكمه في السلطة استسلاماً.

ووصفت مصادر في وفد المعارضة ما يجري في جنيف بـ"العبثي"، مشيرة في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن وفد النظام "يكرر سيناريو إضاعة الوقت، على حساب التفاوض الجاد"، معربة عن اعتقادها بأن النظام لا يزال يصر على الحسم العسكري، ولا يمكن أن يقدّم شيئاً في هذه الجولة. ورأت المصادر "أن الضغط على النظام هو السبيل الوحيد لإنجاح التفاوض"، مضيفة: "لا نتوقع أن يعطي النظام شيئاً على طاولة التفاوض من دون ضغط روسي، وهذا لم يتحقق حتى الآن". وقالت المصادر: "يريدون منا التنازل عن كل شيء، متناسين سنوات من الحرب المفتوحة التي شنّها النظام وحلفاؤه على السوريين، فقتلوا وشردوا الملايين، ودمروا مجتمعاً كاملاً، وبعد ذلك يريدون منا أن نقبل بحلول جزئية هي أقرب للهزيمة الكاملة، تعيد إنتاج النظام، وتبقي رأسه وأجهزته الأمنية التي فتكت بالسوريين في السلطة، وهذا لن نقبل به على الإطلاق". وأشارت المصادر إلى أن المجتمع الدولي عاجز أو هكذا يحاول أن يبدو عن تنفيذ مقرراته حتى بما يتعلق بالجانب الإنساني.

من جهته، أشار عضو وفد المعارضة أحمد العسراوي، إلى أن الوفد الموجود في جنيف يمثّل كل المعارضة السورية "وهذه نقطة إيجابية تحسب للمعارضة التي سدت ثغرة كان النظام يتخذ منها ذريعة لإعاقة المفاوضات في الجولات السابقة"، لافتاً في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن الوفد "قدّم أجوبة تتعلق بالحل السياسي لأسئلة كان تقدّم بها الموفد الأممي للوفدين". وأكد العسراوي جهوزية وفد المعارضة للمفاوضات المباشرة مع وفد النظام، مطالباً الموفد الأممي بالضغط لإجراء المفاوضات المباشرة، معلناً موافقة المعارضة على استمرار المفاوضات حتى منتصف الشهر الحالي كما يخطط الموفد الأممي.

وأشار العسراوي إلى أن وفد المعارضة جاهز للتفاوض في كل السلال ولكن ضمن الانتقال السياسي، مضيفاً: "كيف يمكن التفاوض حول سلة الإرهاب من دون إنجاز الانتقال السياسي، ومن دون إطلاق سراح المعتقلين، ورفع الحصار عن المناطق المحاصرة؟". وكرر مطالب وفد المعارضة في انتقال سياسي يقوم على تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات، وإعلان دستوري يحكم المرحلة الانتقالية التي يوضع خلالها دستور دائم، وقانون للأحزاب والانتخابات، لافتاً إلى ضرورة أن يشارك كل السوريين داخل البلاد وخارجها في أي انتخابات مقبلة.

المساهمون