الاشتراكي سيخوض المحادثات بذهنية منفتحة
أعطى الاشتراكي لنفسه مهلة أسبوع بعد اختتام المحادثات يوم 12 يناير لاتخاذ قرار حول البدء في مفاوضات رسمية للمشاركة بائتلاف جديد، وذلك بعد القرار الذي سيتخذه المندوبون حول السماح لقيادة الحزب بالتفاوض على ائتلاف جديد يتيح لميركل بدء ولاية رابعة على رأس المستشارية.
وتسود قناعة لدى الفريقين بأن التحالف الكبير هو الفرصة الأخيرة لتشكيل حكومة مستقرة بغضّ النظر عن الشروط والمطالب والتنازلات، إذ ينبغي على ميركل وشولتز وفريقيهما، وبكثير من العزم، التركيز على الأساسيات والدفع بكل ما يساهم بقيام تحالف جديد بين الأسود والأحمر. وهنا يبدو أنّ الاشتراكي سيقود المحادثات بذهنية منفتحة لأنه باتت هناك متغيّرات أخرى بين الفريقين لتحديد العقبات من دون رسم خطوط حمراء بغية التوصل إلى مفاهيم ملموسة.
ومع مواجهة الاشتراكي تحديات كبرى، يبقى على زعيمه شولتز أن يعرف كيف يخرج من هذه المعضلة والدفع بمطالب حزبه، لأن المأزق سيكون أصعب بالنسبة إليه إذا لم يتمكّن من التوصّل إلى قواسم مشتركة مع ميركل، التي تعاني بدورها من انخفاض في شعبيتها، وفق ما تظهره آخر استطلاعات الرأي. كل ذلك في ظلّ تشديد مسؤولي الاشتراكي على أهمية أن تتضمّن المحادثات الاستكشافية الحديث عن تعزيز دور البرلمان وأن تصبح على سبيل المثال الاستجوابات للحكومة بشكل دوري وكأولوية مطلقة لأن ذلك كان مفقوداً خلال الائتلاف السابق، انطلاقاً من دور البرلمان كمكان للنقاش المركزي في البلاد.
النقاط الجوهرية ستتحكم بسير المحادثات
ويبدو هذه المرة من خلال البيان الصحافي الصادر عن الأحزاب الثلاثة عقب الاجتماع التشاوري الثاني قبل عطلة عيد الميلاد، أنّ أجواء الودّ والثقة طغت على اللقاء، وتجلّى ذلك بالاتفاق على تحديد الجدول الزمني للمحادثات الاستكشافية على أن يتم التركيز على النقاط الرئيسية، بينها الرقمنة والصحة والأسرة وسوق العمل والشؤون الاجتماعية.
وبيّنت التقارير أنّ الفريقين سيخوضان في 15 موضوعاً، ويأتي في المقام الأول الملف الضريبي والمالي، تليه جملة من الملفات الأخرى بينها ما يتعلّق بالاقتصاد والطاقة والتعليم والمعاشات التقاعدية والهجرة والاندماج وميزانية الدفاع والأمن التي يعارض الاشتراكي زيادة الإنفاق الدفاعي فيها، فيما يطالب الاجتماعي المسيحي بإنفاق 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي التي يطالب بها حلف شمال الأطلسي، مبرراً ذلك بأن الاستثمار في الجيش ضروري، خصوصاً في مجالات الرقمنة والتكنولوجيا وطائرات الاستطلاع من دون طيار والاتصالات التكتيكية المتنقلة، علماً أنّ ألمانيا تنفق حالياً 1,2 في المائة لصالح الناتو فقط، رغم تصنيفها صاحبة أقوى اقتصاد في أوروبا.
ورغم جميع التحفظات بين الاشتراكيين ضدّ أي ائتلاف آخر مع الاتحاد المسيحي بقيادة ميركل، فإن حزب المستشارة يدافع عن عدد من النقاط الجوهرية، من بينها إدارة الموازنة من دون ديون إضافية، وهذا ما حققه الاتحاد المسيحي بإدارة عضو الحزب وزير المالية السابق ورئيس البوندستاغ الحالي فولفغانغ شويبله، بكثير من الحنكة، إذ تحقّقت معجزات في هذا المجال منها انخفاض في أسعار المواد الخام وأسعار الفائدة وتحسّن الوضع الاقتصادي من خلال العائدات الضريبة ونسبة التوظيف القياسية. وبالتالي، فإن هذا الشرط يبقى أساسياً للاتحاد حيال أي تحالف مستقبلي، وفرصة التوافق عليه ليست بعيدة في ظلّ التوافق على تخفيضات ضريبية بحوالى 15 مليار يورو، خصوصاً على أصحاب الدخل المحدود والمتوسط، مع مطالبة الاشتراكي أيضاً بالتشدد في مكافحة التهرب الضريبي.
وفي حديث مع صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" أخيراً، قال رئيس ديوان المستشارية بيتر ألتماير إنه يشجع على استمرار الائتلاف مع الاشتراكي وأنه سيتم التطرّق خلال المباحثات إلى النقاط والنزاعات المتعلقة بالرعاية الصحية والتحسينات الأسرية والإعانات الإسكانية، وأعرب عن اعتقاده أن الائتلاف الكبير "غروكو" بطبعة جديدة ممكن تحقيقه، مشدداً على ضرورة العمل على برنامج يعالج القضايا الرئيسية كافة في البلاد على نحو كاف. وناشد ألتماير الاشتراكي تحمّل المسؤولية، موضحاً أنّ الاتحاد المسيحي سيسعى لحل المشاكل القائمة ومنها على سبيل المثال زيادة عدد المساكن خلال الأربع سنوات المقبلة بنسبة 50 في المائة.
ألمانيا ليست "انغلوسكسونية"
رغم قول الكثيرين إن هناك أوجهَ تشابه ونقاطاً مشتركة في التوجهات العامة بين الحزبين، إلا أنها تعتبر غير كافية في ظلّ بعض التباينات، خصوصاً تلك المتعلّقة بمطالبة الاشتراكي بمقترحات جديدة بشأن قانون الهجرة، وحول تمديد البعثات الخارجية للجيش الألماني وجمع شمل اللاجئين، وهو ما يرفضه الاتحاد المسيحي ويعتزم مواصلة تعليق لم شمل الأسر للاجئين.
إزاء ذلك، باتت هناك مطالبة واضحة وعلنية من قبل القادة والمسؤولين السياسيين بضرورة إيجاد قواسم مشتركة وعدم التلهي في بعض التفاصيل لكسب ودّ الناخبين. وفي هذا المجال، كتب رئيس البرلمان فولفغانغ شويبله في صحيفة "دي فيلت" مقالاً اعتبر فيه أنّ "الديمقراطية تحتاج إلى نهج في ما بينها، نهج ذكي يوفّر لكلا الجانبين الارتياح وينصف الوضع المعقد". كل ذلك بعد أن تغيّر البرلمان بشكل واضح بضمه لسبعة أحزاب ينتمون إلى 6 تكتلات سياسية، وهو تحد للنظام السياسي الذي عليه العثور على الأغلبية للحكم، ليصار إلى التركيز على المسائل الهامة لمستقبل البلاد الاجتماعي وكذلك لأوروبا، بالإضافة إلى تمثيل المصالح المشروعة ومراعاة الصالح العام الذي ينبغي التفاوض بشأنه".
من جهة أخرى، يقول خبراء في الشؤون الاستراتيجية الأوروبية أنّ ألمانيا ليست كما الدول الأنغلوسكسونية تقوم فيها الحلول على الحل الوسط، إنما على التوازن المتناغم في المصالح، وهي نظرة متفائلة للوصول إلى نتيجة أفضل، وتتكرس بضرورة عدم التغاضي عن مدى تحديد النظام السياسي في مجتمع الانفتاح والمساواة من خلال حل توفيقي، يقوم وباستمرار على إعادة التوازن بين تنظيم الخطط والمشاريع والعدالة الاجتماعية. وعليه فإنه من غير الواقعي تعقيد مواجهة المشاكل، ولا أغلبية من دون تنازلات توصل إلى تسوية.
المفاوضات بين الفشل والنجاح
أمام هذا الواقع، يبقى فشل المفاوضات غير مستبعد وهذا ما عبّر عنه رئيس حكومة ولاية شليسفيغ هولشتاين المسيحي الديمقراطي دانيال غونتر الذي قال في حديث لصحيفة "دي فيلت" إنه وفي حال الفشل "يفضّل الاتحاد المسيحي العودة للتفاوض مرة ثانية مع الخضر والليبرالي الحرّ بدلاً من إجراء انتخابات جديدة". هذا الطرح أجاب عنه زعيم الليبرالي الحرّ كريستيان ليندنر الذي تسبب بفشل محادثات "جامايكا" وكلفه المزيد من فقدان المصداقية والثقة وعدم الرضا لدى ناخبيه الأساسيين، فقال: "الحديث مجدداً عن إمكانية قيام تحالف جامايكي ممكن"، إلاّ أنه اعتبر أن ذلك "لن يكون إلاّ بعد انتخابات جديدة محتملة قد توصل قيادة جديدة للاجتماعي المسيحي والخضر"، في حين قال رئيس البرلمان السابق نوربرت لامبرت الذي ترك منصبه أخيراً لشويبله، لصحيفة "بيلد" إنه لا يتوقّع طبعة جديدة من الائتلاف الكبير واعتبر أنه من الممكن أن تشهد البلاد وخلال العام المقبل إعادة للانتخابات، وإما حكومة أقلية تقوم على التحالف بين الاتحاد المسيحي والخضر.
في المقابل، حذّر الزعيم السابق للاشتراكي وزير الخارجية الحالي زيغمار غابريل، غير المشارك في محادثات حزبه مع ميركل، في حديث لمجموعة "فونكه" الإعلامية أخيراً من حكومة أقلية، لأن حكومة هشة في ألمانيا ممكن أن تؤدي إلى زلزال في أوروبا، وحثّ الطرفين على الخوض في مفاوضات يتم التركيز فيها على ما يهم المواطنين وليس على تكتيكات التحالف أو المراكز الحكومية.
في المحصلة، لا يبدو أنّ هناك سوى نتيجتين واقعيتين في نهاية المحادثات: إما أن يتفق الاتحاد المسيحي والحزب الاشتراكي على الائتلاف الكبير، أو أن تجري انتخابات جديدة. وتميل الترجيحات إلى أنه وفي حال التوافق ونجاح المفاوضات، فإن تشكيل الحكومة قد يستغرق حتى فترة عيد الفصح أوائل شهر أبريل/نيسان المقبل.