وفي آخر تلك التصريحات، قال سلامة في رسالة وجهها أمس، الأحد، للمشاركين في دورة تدريبية حول المصالحة الوطنية في ليبيا، ينظمها صندوق الأمم المتحدة الإنمائي بعنوان "نحو مصالحة وطنية في ليبيا"، إن "المفاوضات ما زالت جارية في جنيف بمقر بعثة الأمم المتحدة"، موضحاً أنه "جرى وضع جدول أعمال للمسار السياسي".
ودون أن يفصح عن قوائم المشاركين والقضايا المدرجة في جدول الأعمال، أردف سلامة: "سيتم توجيه الدعوة خلال أيام لعقد جلسة ثانية من المفاوضات في جنيف مع محاولة إقناع من لم يحضروا الجولة الأولى بالمشاركة".
في غضون ذلك، تطابقت معلومات مصادر ليبية مطلعة على كواليس التحضيرات للجلسة الثانية لمحادثات المسار السياسي حول تعرض مجلسي الدولة ونواب برلمان طبرق لضغوط من قبل أطراف دولية للالتحاق بمحادثات الجلسة الثانية ورفع تعليقهما المشاركة.
وتفيد المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، بأن "تهديدات سلامة بإمكانية تجاوز المجلسين وعقد محادثات المسار السياسي بمجموعات سياسية مستقلة باتت تؤكد ما ذهب إليه مراقبون من أن المسار السياسي يهدف إلى أن تكون لجنة الأربعين بديلا عن المجلسين".
وكشف أحد تلك المصادر أن أحد سفراء الدول الأوروبية في طرابلس هدد بإمكانية ذهاب سلامة إلى تأليف لجنة الأربعين من الأطياف السياسية والمجتمعية التي كانت ستجتمع في ملتقى غدامس، الذي كان من المقرر عقده في منتصف إبريل/ نيسان الماضي.
وأكد المصدر في الوقت ذاته أن الأسباب الحقيقية وراء تعليق المجلسين لمشاركتهما في محادثات جنيف هو قناعتهما بأن البعثة تسعى لأن تكون لجنة الأربعين بديلا عنهما.
ولجنة الأربعين التي تهدف البعثة لأن تتولى محادثات المسار السياسي تتألف من 13 ممثلاً من كل من مجلسي نواب برلمان طبرق والدولة، تزامناً مع ترشيح البعثة لـ14 ممثلاً آخرين لأطياف سياسية ومجتمعية أخرى مستقلة، دون أن تعلن البعثة بشكل واضح أجندة أعمال هذه اللجنة، لكنها اكتفت بالقول إنها "ستناقش المسائل السياسية العالقة" على لسان سلامة في أحد تصريحاته السابقة.
وفي أحد التصريحات الأخرى لسلامة، لمّح إلى أن إحدى مهام لجنة الأربعين هي إعادة تشكيل المجلس الرئاسي وتشكيل حكومة جديدة بديلة عن المجلس الرئاسي الحالي وحكومة الوفاق، وهو ما حدا بالأكاديمي الليبي خليفة الحداد إلى تفسير الغموض الذي يلف موقف سلامة.
وأوضح الحداد أن "موقف سلامة الغامض يتعلق بهذه المسألة الرئيسية في المفاوضات السياسية"، مشيراً إلى أنه "من غير الممكن أن يتفق مجلسا الدولة والنواب على تشكيل حكومة موحدة بعدما فشلا خلال جلسات إعادة تعديل اتفاق الصخيرات، ولا سيما أنهما تحولا اليوم أيضاً لخصمين كل منهما يدعم طرفاً عسكرياً في حرب لا تزال قائمة".
لكن الحداد في الوقت ذاته يرى في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن سلامة "غير محايد ويبدو في مواقفه من حفتر واقعا تحت تأثير دول تدعم حفتر، خصوصاً في ما يتعلق بتغاضيه عن خروقات قوات حفتر لقرارات مجلس الأمن أو ربما يهادن حفتر خوفا من تقويضه لمحادثات جنيف الحالية كما قوض مساعيه في غدامس من قبل".
وفي كل الأحوال، بحسب الحداد، فإن البعثة "بات هدفها واضحاً باستبعاد كل الأجسام السياسية في حال تشكيل حكومة موحدة".
وبينما يعقد مجلس النواب المجتمع بطبرق جلسة، اليوم، لمناقشة "تجاوزات البعثة تجاه السلطات الشرعية"، بحسب بيان سابق للمجلس، تشير تصريحات لعضو مجلس النواب بطبرق زياد دغيم، إلى تأكيد ما ذهبت إليه المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، فقد حذر من مساعي البعثة الأممية لـ"تحويل مفاوضات جنيف من فكرة منتدى للحوار السياسي إلى مجلس تأسيسي بديل عن مجلسي النواب والدولة".
وقال دغيم في تصريحات تلفزيونية، الأحد، إن البعثة تسعى لأن تكون لجنة الأربعين عند التئامها في جنيف مجلساً تأسيساً "له صلاحية منح الثقة للحكومة القادمة".
مجلس النواب والانقسام الحاد
وفيما يبدو المجلس الأعلى للدولة متماسكاً وموحداً في موقفه من المسار السياسي، يعيش مجلس النواب انقساماً حاداً بين أعضائه الموزعين على مجلسين، الأول في طبرق والآخر في طرابلس، على خلفية اختلاف مواقفهما من عدوان حفتر على العاصمة طرابلس.
لكن الباحث السياسي الليبي عبد الحميد المنصوري، يرى أن الانقسام الحالي في مجلس النواب "أعطى فرصة للنواب بطبرق للمناورة أكثر، بهدف تشتيت جهود البعثة وجرها للانحراف عن وجهتها باتجاه محاولة توحيد المجلس".
ويشير المنصوري في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن عضو مجلس النواب، علي كشير، المشارك في الجلسة الأولى لمحادثات المسار السياسي، عاد وأصدر بيانا علق فيه مشاركته، لافتاً إلى أن بيان النائب شدد في أغلبه على ضرورة أن يكون مجلس النواب "هو الجسم الوحيد صاحب الحق في المصادقة على الحكومة الجديدة، ما يعني استشعاره عن قرب في جنيف أن البعثة تسعى لانتزاع هذا الحق من الأجسام الحالية ومنحه للجنة السياسية التي تطمح البعثة لتكوينها من خلال مسار جنيف".
ويرجح الباحث الليبي أن تطول جهود البعثة باتجاه هذا الهدف، معتبراً أن البعثة "منذ الوهلة الأولى كانت تعول على تأثير الأكثرية في اللجنة السياسية من خلال 14 عضواً، الذين ستختارهم لإقرار مخرجات يبدو أنها جاهزة سلفا، وهو ما يفسر تكتمها على أجندة المسار وإصرارها على إخفائها حتى الآن".
وعن إمكانية لجوئها للأطياف السياسية التي كانت ستشكل ملتقى غدامس، استبعد المنصوري ذلك، معتبرا أن الخطوة ستقوض كل الجهود الحالية، وأن ما ستذهب إليه البعثة هو التعويل على عامل الزمن لإذابة المواقف المتصلبة من الطرفين، لكنه في الوقت ذاته عبر عن خشيته من متغيرات قد تدفع أحد طرفي القتال إلى تغيير موازين المشهد وقلب الأوضاع، وخصوصا أن التحشيدات العسكرية لم تتوقف من كلا الطرفين.