تتسارع جهود تشكيل الحكومة الائتلافية التركية على وقع الحرب التي أعلنتها أنقرة، وبينما تتقدّم المفاوضات بين حزب "الشعب الجمهوري" (أكبر أحزاب المعارضة) وحزب "العدالة والتنمية" الحاكم، يبدو التقارب بين الأخير وحزب "الحركة القومية" مستمراً، وذلك في الوقت الذي أكد فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تفضيله لحكومة الحزب الواحد على الحكومات الائتلافية، مشيراً إلى احتمال اللجوء إلى الانتخابات المبكرة.
وأشار الرئيس التركي إلى ترجيحه لحكومة الحزب الواحد، إذ إنه لا يرى بأن أي حكومة ائتلافية قادرة على تحقيق مصلحة البلاد، قائلاً: "في آخر عشرين إلى ثلاثين عاماً، استمرت أطول الحكومات الائتلافية عمراً لمدة ثلاثة أعوام ونصف العام، كما توجد حكومات استمرت لمدة 16 شهراً، وإن كنا ننتظر أن تحقّق الحكومة الائتلافية الفائدة للبلاد، فإن هذا الانتظار لن يثمر".
وشدد أردوغان، خلال إجابته عن أسئلة الصحافيين المرافقين له أثناء توجهه من الصين إلى أندونيسيا، على أن خيار اللجوء إلى الانتخابات المبكرة سيصبح أمراً لا بد منه في حال فشلت مفاوضات الحكومة الائتلافية، قائلاً: "سننتظر نتائج مفاوضات الحكومة الائتلافية، إن خرجنا بنتيجة كان به، وإلا فلا بد من التوجّه إلى إرادة الأمة مرة أخرى والذهاب إلى الصناديق"، مضيفاً: "أما حكومة الأقلية المدعومة من حزب أو اثنين، فإنها ستكون جيدة لإيصال البلاد إلى الانتخابات لا أكثر".
في غضون ذلك، تستمر مفاوضات تشكيل الحكومة بين "العدالة والتنمية" و"الشعب الجمهوري"، وتبعاً لجدول الأعمال بين الطرفين، فإنه من المقرر أن تُجرى ثلاثة اجتماعات أخرى بين لجان الحزبيين المختصين الأسبوع المقبل، ليتم تقديم النتائج إلى زعيمي الحزبين، ومن ثم سيُعقد اجتماع بين القيادتين لتقييم إمكانية إقامة حكومة مشتركة من عدمه، ومن المتوقع أن تنتهي المفاوضات بين الطرفين الأربعاء المقبل.
ويطالب "الشعب الجمهوري" بإحداث تحولات جذرية في عدد من السياسات الحكومية، يأتي على رأسها التعليم والسياسة الخارجية والاقتصاد والقضية الكردية، والاتفاق على الدستور الجديد الذي يجب أن يعزز من النظام البرلماني، وأيضاً اتفاق غير مكتوب حول الحد من تدخلات أردوغان في شؤون الحكومة.
وبدا كأن الطرفين اتفقا على الملف الاقتصادي، إذ أكد نائب رئيس "الشعب الجمهوري" خلوق كوج أن "الطرفين عبّرا عن تفاهم مشترك لأهمية حاجة البلاد لإجراء إصلاحات اقتصادية هيكلية، وعلى أهمية الانضباط المالي والنقدي والحفاظ على التوازنات الاجتماعية أيضاً"، مضيفاً: "لقد تمت مناقشة أهمية وجود استراتيجية شاملة للنمو الاقتصادي، ومواضيع اقتصادية أخرى".
اقرأ أيضاً: تركيا: جهود لتشكيل الحكومة على وقع المواجهة مع "الكردستاني"
جاء هذا بينما يتواصل التعاون بين "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية"، وذلك بعد أن ذاب الجليد بين الطرفين إثر التصريحات الشديدة اللهجة من كل من رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو وأردوغان بحق حزب "العمال الكردستاني" وعملية السلام، عندما أعلن الأخير انتهاء عملية السلام مع "الكردستاني" بصيغتها الحالية، وكذلك بعد تأكيد داود أوغلو أن الغارات على معاقل "الكردستاني" لن تتوقف حتى يسحب الأخير قواته بشكل نهائي من الأراضي التركية.
وتجلى هذا التعاون في أوضح صوره، عندما كان ممثلو "الحركة القومية" في مجلس رئاسة البرلمان، النواب الوحيدين إلى جانب ممثلي "العدالة والتنمية" في الاجتماع الذي عقده أردوغان بالمجلس في القصر الرئاسي الجديد، والذي كان بدوره قد أثار جدلاً واسعاً واستنكارات شديدة من قبل مختلف أحزاب المعارضة لناحية تكلفته، وذلك في ظل مقاطعة كل من "الشعب الجمهوري" و"الشعوب الديمقراطي" (ذي الغالبية الكردية) الاجتماع، ليعود التوافق مرة أخرى، أثناء الجلسة الطارئة للبرلمان التي عقدت يوم الأربعاء لمناقشة التفجير الانتحاري الذي قام به "داعش" في بلدة سوروج، إذ رفض كل من "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية" اقتراح "الشعب الجمهوري" إنشاء لجنة برلمانية للتحقيق في الأمر، فيما دعم "الشعوب الديمقراطي" الاقتراح.
وأعادت الحرب التي أعلنتها أنقرة على حزب "العمال الكردستاني" والضربات التي وُجّهت له، والتقارب بين "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية" أيضاً، الحديث عن احتمال تكوين حكومة ائتلافية بين الطرفين، وذلك بعد أن كان الأمر قد انتهى إثر إصرار "الحركة القومية" على إنهاء عملية السلام مع "الكردستاني" كشرط مسبق للمحادثات، ليعود زعيم الحركة دولت بهجلي ويعبّر عن جاهزية حزبه لتحمل مسؤولياته في تشكيل الحكومة الائتلافية مع "العدالة والتنمية" إن تمت الاستجابة لشروطه، وذلك بعد ساعات من كشف داود أوغلو أنه ما زال على اتصال وثيق بالحركة، على الرغم من أن المفاوضات ما زالت مستمرة مع "الشعب الجمهوري".
وتتمثل شروط "الحركة القومية" بخمس نقاط، وهي عدم التنازل عن البنود الأربعة الأولى في الدستور، والحفاظ على وحدة أراضي الجمهورية بعاصمتها أنقرة ولغتها الرسمية التي يجب أن تبقى التركية، واستمرار الحرب على "الكردستاني" في جميع أنحاء البلاد بما في ذلك المناطق جنوب وشرق الأناضول ذات الغالبية الكردية، وأن أي صفقة مع "الكردستاني" يجب أن تضمن أن يقوم الأخير بحل نفسه، ليذهب عناصر الحزب غير المطلوبين للعدالة إلى منازلهم، بينما تجري محاكمة الباقيين، وأخيراً إعادة محاكمة المتهمين بالفساد في عمليتي 17 و25 ديسمبر/كانون الأول بمن فيهم الوزراء الأربعة ونجل أردوغان.
اقرأ أيضاً: أردوغان: أمن تركيا بخطر بسبب الوضع في سورية