مفاوضات أميركية بين لبنان وإسرائيل: النفط مدخل لاستقرار مستدام؟

17 مايو 2019
انتقل ساترفيلد أمس إلى تل أبيب (حسين بيضون)
+ الخط -

طرحت زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد ساترفيلد إلى بيروت يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، التي خصصت في جانبها الأبرز لبحث ملف ترسيم الحدود البرية والبحرية، والذي تتابعه الإدارة الأميركية منذ سنوات، الكثير من الأسئلة حول طريقة تعاطي إدارة دونالد ترامب مع لبنان، ومع "حزب الله"، في ظل الظروف الدولية والإقليمية التصعيدية، والاستنفار في مياه الخليج، خصوصاً أنه بدا واضحاً أن ثمة محاولة لفصل لبنان عن مسار المنطقة، وما تشهده، ودفعاً به نحو استقرار نسبي. كان متوقعاً لبنانياً أن يكون ملف الترسيم حاضراً بقوة في هذه المرحلة، خصوصاً بعد زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الأخيرة إلى بيروت في مارس/آذار الماضي، وما شهدته من توافق على استكمال المسعى الأميركي المتعلق بترسيم الحدود. وفق ذلك حلّ ساترفيلد في العاصمة اللبنانية، بعد أن كانت قنوات الاتصال مفتوحة خلال الفترة الماضية بين أكثر من طرف لبناني وأميركي، لإنضاج الظروف. وعندما لمس الدبلوماسي الأميركي إمكانية تحقيق خرق ملموس، وصل إلى بيروت وسمع كلاماً واضحاً لا تعارضه الإدارة الأميركية، على أن ينقله إلى تل أبيب التي توجّه إليها أمس الخميس.

في زيارته إلى بيروت، سمع ساترفيلد خلال لقاءاته، وفق ما تقول مصادر حكومية لـ"العربي الجديد"، كلاماً لبنانياً منسقاً وموحداً، ومكرراً، خصوصاً أن بومبيو سمع بنفسه كلاماً مطابقاً خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت، يتعلق أولاً بضرورة تزامن الترسيم البري مع الترسيم البحري، بغض النظر عن الآلية، إضافة إلى ضرورة أن تكون المفاوضات غير مباشرة، على الطريقة المتبعة جنوباً، إذ عادة ما تتم لقاءات بين الطرفين العسكريين اللبناني والإسرائيلي على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، برعاية أممية وكل في غرفة منفصلة، وبرعاية أممية ومساعدة أميركية، عبر آلية عمل طرحها الجانب اللبناني، لم يتضح بعد ما تضمنته.

وعلمت "العربي الجديد" أن "الأجواء الأولية تشير إلى موافقة أميركية-إسرائيلية أولية، بانتظار زيارة ساترفيلد إلى إسرائيل، وبانتظار بلورة النقاط العالقة على صعيد شكل المفاوضات، ومكانها، ومستوى التمثيل فيها، وآلية العمل، ودور الوسيط الأممي والأميركي فيها، إضافة إلى موضوع التزامن بين الترسيم البحري والبري، والذي يرى لبنان أنه مترابط خصوصاً في النقطة المتعلقة بالناقورة".

ويرتكز الخلاف اللبناني-الإسرائيلي بحرياً حول ما يعرف ببلوك رقم 9، وتحديداً في منطقة الناقورة التي يصر الجانب الإسرائيلي على ترسيم الحدود البرية انطلاقاً من نقطة شمالية، فيما يصر لبنان على نقطة أخرى واقعة جنوباً، ومن شأن تحديد هذه النقطة ترسيم الحدود البحرية وكذلك إطلاق عملية ترسيم الحدود البرية.



خلال لقاءات ساترفيلد التي شملت كلاً من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل، أكد الضيف أن الجانب الأميركي مصمم على حل هذا الملف. وأكدت المصادر أن اللقاءات في الشكل كانت إيجابية، وسط إشارات من الضيف لجهة الأهمية الكامنة في حل هذا الملف للجانب اللبناني والجانب الإسرائيلي والمنفعة الاقتصادية، خصوصاً أن بقاء هذا الملف قنبلة مؤقتة، يعني بقاء حالة اللااستقرار جنوباً، وبالتالي لن يستفيد لا لبنان ولا إسرائيل من الثروة الموعودة تحت المياه.

واتُفق وفق معلومات "العربي الجديد"، أن "يطرح ساترفيلد على المسؤولين الإسرائيليين ما سمعه في بيروت، وأن يطلب جواباً واضحاً، بانتظار أن يكون الجانب اللبناني قد حدد بعض النقاط العالقة في الآلية، والتي طلب ساترفيلد إيضاحات حولها، على أن يحاول الضيف لاحقاً بلورة طرح مشترك، على الرغم من أن المعلومات الأولية تشير إلى أن الجانب الإسرائيلي لن يعارض وساطة أممية، فيما كان قد رفض في الفترة الماضية الفكرة كلياً، تحت حجة أن اليونيفيل (قوات الطوارئ الدولية في لبنان) مهمتها على الحدود البرية".

عموماً بات من الأكيد أن هذا الملف سيسلك في الأشهر المقبلة مساراً جديداً، لكن الأسئلة التي استحوذت على اهتمام الأروقة السياسية اللبنانية تمحورت حول التصعيد في المنطقة، والذي بدا أن الإدارة الأميركية عبر تفعيل وساطتها في هذا الملف تريد تحييد لبنان عنه.

وقالت مصادر نيابية لبنانية على تواصل مع دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة لـ"العربي الجديد"، إن "واشنطن تنطلق في ذلك من اعتبارات عدة، أولها المصلحة الأميركية في ملف النفط والغاز، واستفادة الشركات الأميركية، المشاركة في إسرائيل وفي لبنان في عملية التنقيب والاستخراج، إضافة إلى مقاربة سياسية باتت رائجة في الأروقة السياسية الأميركية تقول بإن تقليم أظافر حزب الله في لبنان ممكن عبر سحب الذرائع منه، ومنها ترسيم الحدود البرية والبحرية. وهي الخطوة التي تعني حل آخر الملفات العالقة بين إسرائيل ولبنان، وهي البلوك 9 بحراً، ومزارع شبعا براً". وعملياً سمع ساترفيلد في بيروت ما يمكن اعتباره يصب في خانة ما تريده واشنطن، خصوصاً أن عون بنفسه تحدث عن أن "ترسيم الحدود البرية والبحرية الجنوبية يعزز الاستقرار على طول الحدود".

وقالت المصادر ذاتها إن "الإدارة الأميركية وفق هذه السياسة تتعامل مع حزب الله بوصفه أداة إيرانية، بمعنى أن المواجهة مع إيران، سياسياً أو اقتصادياً أو حتى عسكرياً، ستصيب الحزب مباشرة، إضافة إلى أن العقوبات وتجفيف مصادر تمويل الحزب كلها خطوات كافية على المدى المتوسط، على الرغم من بقاء الخيار العسكري إسرائيلياً ضد حزب الله حاضراً".

واختصرت المصادر ذاتها المسعى الأميركي، الذي أكدت أنه يلقى قبولاً دولياً وحتى من روسيا التي لها مصالح اقتصادية متعلقة بالنفط والغاز، بمحاولة النأي بلبنان عن المنطقة، وعن إيران، ما من شأنه إضافة مزيد من الضغوط على الحزب، وتجريده من أوراق القوة سياسياً، والدفع لاحقاً باتجاه ما يسمى لبنانياً بالاستراتيجية الدفاعية، التي ناقشها مراراً على طاولة الحوار، لحل معضلة سلاح "حزب الله" وكانت تصطدم دوماً باستمرار النزاع مع إسرائيل وخصوصاً ملف الأسرى، الذي حل بعد حرب يوليو/تموز وأغسطس/آب 2006، وملف مزارع شبعا، الذي سيكون حاضراً في مفاوضات ترسيم الحدود، إضافة إلى ملف النفط والغاز الذي برز في السنوات الأخيرة.