مغربيات إسبانيا... معركة عيش بلا حدود

08 ابريل 2018
وجوه نسوية مغربية في سياق نجاح اغترابي (العربي الجديد)
+ الخط -


على الرغم من أن نسب التعليم ليست كبيرة، في سياق ظروف السيدة العربية في بعض المغتربات، خصوصا في صفوف مغربيات إسبانيا، باعتبارها الجالية الأكبر، إلا أنهن يعتبرن أن سلاح التعليم هو الأكثر مضاء في محاولة إثبات الذات ومواجهة تشويه الهوية العربية والإسلامية، رغبة أيضا في توسيع نسب الإقبال على الدراسة والمشاركة.

وتعزو وزارة التعليم الإسبانية انخفاض النسبة، إلى "مستوى التعليم المتواضع في البلد الأم"، قبل الهجرة إلى إسبانيا، خصوصا أن أغلبهن حضرن في الأصل كأيدٍ عاملة، ولم تسنح الظروف لمواصلة جميعهن التعليم. فقوانين إسبانيا تطلبت من أكثرهن العمل 5 سنوات للحصول على الإقامة الدائمة. ويختلف الأمر بطبيعة الحال لدى مَن وُلدن في البلد، إذا لا يجدن مشكلة في التحصيل العلمي.

خارج التنميط
مقابل إظهار دراسة أجراها "معهد دراسات المرأة" في مدريد، حيث تبيّن أن المسلمات في البلد فوق سن الأربعين "غير مؤهلات للعمل بشكل جيد"، وهو أمر يدفع كثيرات منهن إلى القبول بأعمال متواضعة أو البقاء في بيوتهن من دون عمل بنسبة 49 في المائة، رغم وجود نسبة 39.5 في المائة بينهن من أصحاب مؤهلات احترافية و32.5 في المائة حاصلات على دبلوم وشهادات جامعية، فإن الأرقام الرسمية تشير أيضا إلى أن نسبة تفوق 32 في المائة منهن يواصلن دراسات تكميلية بمختلف الجامعات.

متغيّرات كثيرة شهدها واقع النساء العربيات في إسبانيا، خلال السنوات القليلة الماضية. فقد ظهر، في العامين الأخيرين، رغم انخفاض النسب المئوية، نماذج نسوية اغترابية اقتحمن الواقع الإسباني وتفوّقن على زميلاتهن الإسبانيات، وأثبتن أنفسهن في مجالات عديدة، من التعليم إلى العمل والرياضة.

من هذه النماذج المحامية المغربية ربيعة المكي مورسيا، هاجرت إلى إسبانيا في بداية شبابها، وعانت الكثير قبل أن تتغلب على الظروف بدراسة القانون في الجامعة، وممارستها لمهنتها في مكتب محاماة في مدريد.
اليوم أيضا تدير مورسيا "مؤسسة المكي مورسيا للثقافة والفنون"، وهي المؤسسة التي تُعنى بتفعيل الجسور بين الثقافة العربية والإسبانية، من خلال برامج تعريف بالفلوكلور العربي وبأهم مقومات الحضارة العربية، فنيا وموسيقيا وإبداعيا، وبالتعريف بأهم الشخصيات العربية النسائية الناجحة. المكي ترى، في حديث مع "العربي الجديد"، أن: "تحديات المرأة العربية في إسبانيا كبيرة جدا، لكن عليها الاستفادة من وجودها في دولة تمنحها الحرية والاستقلالية وقوانين تحميها". وتضيف أن "التعليم هو أهم وسيلة لتحقيق ذلك، ورغبة السيدة في العمل وعدم قبول اختزال دورها في البيت فقط، واقتحامها كل المجالات بجدية ومثابرة وباحترام قوانين البلد وجدية العمل هنا".


المؤسسة العربية الإسبانية تقوم بتكريم المرأة العربية في البلد "وليس فقط اللائي نجحن أو تميّزن في التعليم والمناصب، وإنما أيضا المرأة التي جاءت إلى هنا منذ عشرات السنوات ولم تكن تملك غير فرص العمل اليدوي الزراعي أو العمل في منازل النساء الإسبانيات، إنها امرأة مناضلة تحدّت كل الظروف، وتحملت الكثير لأجل أن تؤسس لأولادها مستقبلا أفضل هنا، وهي تستحق منا كل التقدير والاحترام، وفاء لها منا نحن بنات الجيل الثاني هنا في إسبانيا". وتقوم المؤسسة أيضا بتفاعل بين العرب والإسبان في البلد، من خلال فعاليات تركز على صورة المرأة العربية الأندلسية التي كانت طبيبة وشاعرة ومعلمة".

بطلات
تبرز في السياق نفسه الشابة زينب العري اينون، الحاصلة على لقب بطلة إسبانيا والعالم في الجيدو، فهي التي كرّمتها الدولة الإسبانية لثلاثة أعوام متتالية، ومؤسسة المكي مورسيا الثقافية هذا العام، بمناسبة يوم المرأة العالمي.
وزينب متعددة المواهب والنجاحات، فهي خريجة جامعية، الشعبة الإنجليزية، دبلوم السيناريو وحوار، المسرح باللغة الإنكليزية، دبلوم في الإدارة الفعالة لفرق العمل والتدريس في مجال إدارة الشركات، والتدريب في ريادة الأعمال.

تشير زينب، في حديثها مع "العربي الجديد"، إلى أن: "لا أعذار للمرأة العربية التي وُلدت هنا، لقد ضحت أمهاتنا من أجلنا نحن، وقد عملن في البيوت وفي الأعمال الزراعية، كي نحظى نحن بدراسة جيدة، البنت التي تدرس هنا يتوفر لها التعليم مثلها مثل الطالبة الإسبانية، وأعتقد أنها تحمل دوافع أكثر للتفوق، وهذا هو السر في قدرتنا على تغيير الصورة مسبقة الصنع عنا، لقد رست بكل جدية وشغف، لم يكن سهلا، ولكن قيمة الحياة هي في هذا التعب، وأنا فخورة لأني رفعت اسم بلدي الأول المغرب، وبلدي الثاني إسبانيا، عاليا، كرد جميل لبلد قدم لي التعليم والحقوق".

أما الشابة حسناء اليوسفي، فقد استطاعت إثبات ذاتها، بافتتاح مركز للحجامة والطب الإسلامي البديل في مدريد، بعد حصولها على شهادة العلاج الفيزيائي. اليوم مركزها يشهد إقبالا كبيرا، خصوصا من الإسبان. وهي تذكر لـ"العربي الجديد"، أن "المرأة العربية قد تجد نفسها فجأة في مكان مختلف تماما عن بلادها، إما للالتحاق بزوجها أو بعائلتها، ولكنها قد تجد نفسها وحدها، وحينها تحس أنها في هاوية، كل شيء مختلف، الثقافة والتقاليد ونمط الحياة والقوانين، وعندها تواجه العديد من الصعوبات والتحديات لتحقيق طموحها، ومن هذه التحديات تعلّم اللغة الإسبانية الغريبة عنها، وهي في الحقيقة المشكلة الأساسية برأيي التي على المرأة المغتربة تجاوزها بكل قوة وجدية والتزام، ثم بعد ذلك تأتي معادلة الاندماج في المجتمع الغريب، وتحدي النظرة المرسومة عنها، والتي يعاملها الكثير هنا من خلالها".

وتضيف اليوسفي، أن حالة الخوف على الهوية والنظرة النمطية والتصرفات العنصرية، المستترة والواضحة "كله لا يجب أن يؤثر على نجاحها، خاصة إذا كان هدفها فعلا هو النجاح وتحقيق ذاتها، لذا عليها أولا أن تتعلم كيف تكون مستقلة وكيف تعتمد على نفسها، إن الغربة هي أكثر الحالات صعوبة، ولكنها أكثر ما يبني الشخصية القوية والمستقلة، ومن إيجابيات الوجود في أوروبا، وفي إسبانيا خاصة، هي أن القوانين تساعد المرأة على استقلالها وتساعدها إن كانت أماً على حق الأمومة كاملا، وبالتالي فهي يجب أن تبني لنفسها ما يجعل طفلها فخورا بها وما يجعله قادرا على مواجهة الحياة هنا، وأحب أن أقول إن الحقوق تؤخذ ولا تمنح".
المساهمون