مغالطات مفهوم "الحشد": الأيديولوجيا لا النقد

24 ديسمبر 2015
من "سرديات الحديد"، هاكوب هاكوبيان (2013)
+ الخط -

في عددها الأخير، نشرت مجلّة "ليتر أنترناسيونال" الألمانية بحثاً مطوّلاً للفيلسوف الفرنسي جان كلود ميلنر بعنوان "دولة الحق والخلافة". في البحث، يستعمل ميلنر مفهوم "الحشد" للحديث عن الحركات الإسلامية المعاصرة، ويميّزها عن مفهوم الكتلة، التي يربطها بالسياق السياسي الغربي.

يرى أن الحشد يحرّكه الشعار المرفوع أكثر ممّا تحرّكه رغبة عقلانية في الوصول إلى حل، وأن الحشد قوّة عمياء، بعكس الكتلة التي يتميّز أفرادها بالوعي، ويختلف كل فرد من أفرادها عن الآخر، "قد نعبّر عن ذلك بلغة واضحة ونقول إن الحشد أشبه بالقطيع، إنه مجرّد من الوعي".

يرى ميلنر أنه بعكس اليهودية التي ظلّت دائماً تخاف من "الحشد"، فإن المسيحية كثيراً ما استعملت الحشد لإرهاب غير المسيحيين. وبغض النظر عما إذا كانت هذه القراءة صحيحة تاريخياً، إلا أنه يرى أن صلح وستفاليا عام 1648 "أخرج الحشد من العملية السياسية"، وستصبح الدولة، من هنا فصاعداً، المسؤولة الوحيدة عن الحشود وعن ضرورة لجمها.

فمن دون هذه الرقابة للدولة على الحشود، يتحوّل الناس، في نظره، إلى حيوانات متوحّشة؛ ما يعني أيضاً برأيه نفياً للسياسة.

يجب ألا نمرّ مرور الكرام على هذه التوصيفات التي يقدّمها الفيلسوف الفرنسي للحشد؛ لأنه يقدّمها في سياق بحث عن حضور الإسلام في الغرب وعن ردة فعل المسلمين على عملية شارلي إيبدو.

إنه يرى أن الإسلام هو الديانة الوحيدة اليوم التي تحرّك الحشود وتستعمل عنفها ضد الآخرين، بل إنه يرى أن ما يسميه بالإسلام الأوروبي يطلب التأثير في السياسة الأوروبية ويعتبر ذلك من حقوقه. لكن هل يفعل "الإسلام الأوروبي" ذلك فعلاً؟ هل يمتلك أصلاً إمكانات التأثير؟ لماذا لا يعترف الفيلسوف الفرنسي بأن أقصى ما يطمح إليه المسلمون في أوروبا هو تمتّعهم بحقوق المواطنة الكاملة؟

الإسلام الأوروبي اليوم لا يتمتّع حتى بـ "ضعف" الكاثوليكية، فكيف اعتباره يمثّل خطراً على الدولة الفرنسية أو النظر إليه كحشد يهدّد السياسة؟ لكن يبدو أن السياسة التي تحرِم المسلمين من امتيازات الكتلة، هي نفسها التي تسكنها الرغبة الثقافوية في تحويلهم إلى حشد، ولا تفعل وسائل الإعلام الغربية شيئاً غير ذلك، وهي تغفل التعدّد والتنوّع الذي يميّز الإسلام الأوروبي والإسلام عموماً.

أما أن يتم اختزال الإسلام والمسلمين في عمليات إرهابية تربط نفسها بالإسلام، في حين أنها لا تمثل قيمه في شيء، فإن ذلك يخرجنا من النقد إلى الأيديولوجيا، ويؤسّس لحشد أيديولوجي، هذه المرة باسم الديمقراطية نفسها، ويصبّ الزيت في نار العنصرية.

وحتى في ما يتعلّق بتلك الحشود التي خرجت للتظاهر ضد الرسوم الكاريكاتورية في دول إسلامية، يتوجّب ألا نغفل، في دراستنا لتلك الظاهرة، السياق التاريخي التي تمر منه تلك الدول، والتي ينوء أغلبها تحت نير النيوليبرالية.


اقرأ أيضاً: ميشال أونفري: صهيوني ومناصر للقضية الفلسطينية!

المساهمون