لم يجد مغاربة إسبانيا أمامهم عقبات كثيرة للاندماج في المجتمع الإسباني بحكم روابط كثيرة ومشتركات ترسخت على مدى التاريخ الطويل من الجوار.
ويعتبر "منتدى المثقفين والمهنيين والكفاءات المغربيّة" (piprome) الإطار الأبرز لتمثيل أفراد الجالية المغربية المقيمة في إسبانيا، تم تأسيسه سنة 2010 من قبل مجموعة من الأطر والأشخاص ذوي الأصول المغربية، بغرض خلق مساحة للحوار والتفكير بين أفراد الجالية المغربية المقيمة في إسبانيا والسلطات الإسبانية والمغربية، وتعزيز مشاركة المهاجرين المغاربة في المنظومة الاجتماعية والسياسية في البلد. يضم المنتدى مهندسين وأطباء وفنانين، وأساتذة ومثقفين ومهنيين بصفة عامة، ومن أبرز الأسماء التي شاركت في تأسيس المنتدى "حسن بلعربي"، رئيس الجمعية الحالي وأستاذ في جامعة ألميريا الإسبانية، جنباً إلى جنب مع كل من خالد شكرلن، محمد ازحاف، ادريس جدي، ومليكة تاشفين.
يقول السيد بلعربي، في مقابلة خاصة مع "العربي الجديد": "إن تأسيس المنتدى جاء لخلق مساحة لتمكين المثقفين والمهنيين المغاربة في إسبانيا، ومنحهم فرصة للتعارف المتبادل وتبادل الخبرات. لكن النشأة كانت صعبة لصعوبة تمويل تحركاتنا والنشاطات. تقلدت في البداية منصب نائب رئيس المنتدى، وفي سنة 2014 ترأست المنتدى إلى يومنا هذا".
من ضمن الأهداف المحددة التي تكرس الجمعية عملها ونشاطاتها لتحقيقها، العمل على خلق الإجماع على تحقيق التواصل بين مختلف المهنيين وأصحاب الكفاءات من أبناء الجالية والمختصين بالجوانب الاجتماعية في إسبانيا، لتبادل الأفكار ووجهات النظر من أجل التعايش والتعامل مع التنوع الموجود في المجتمع. إضافة إلى إبراز دور المثقف المغربي في تقوية العلاقات المغربية والإسبانية، وتقوية حضور المرأة المغربية في العمل الجمعوي والثقافي الداعم للجالية المغربية.
علاوة على ذلك، تحاول الجمعية عبر أعضائها من أصحاب التخصص، تحليل دور الحكومة والأحزاب السياسية والمؤسسات التمثيلية في تحقيق الاندماج، وكذلك مختلف أعضاء المجتمع المدني على حد سواء، يقول بلعربي: "من أهم أهدافنا المساهمة في تقوية التشاركية لدى مغاربة إسبانيا، إضافة إلى مناقشة واقع وتحديات النموذج الجديد من المجتمع الإسباني".
أما عن نشاطات المنتدى، يعتبر أهمها اللقاءات التواصلية التي يعقدها سنوياً، حيث احتضنت فعاليات آخرها في مدينة ألميريا جنوب إسبانيا يومي 4 و 5 فبراير/شباط، وذلك بحضور قوي للكفاءات المغربية في إسبانيا ممن لبوا دعوة المنظمين للمنتدى تحت شعار "المواطنون المغاربة في الساحة السياسية الإسبانية".
شهد النقاش في المنتدى، مباحثات لمواضيع تشغل بال أغلب أبناء الجالية المغربية في إسبانيا، بتركيز واضح على المشاكل المقترنة بمجالات التشغيل والإجراءات الإدارية الخاصة بالعمل، إضافة إلى مستويات الخدمات والإعانات الاجتماعية المقدمة من الحكومة الإسبانية والتحركات اللازمة للحفاظ على الهوية الثقافية المغاربية وتخطي المشاكل المعيقة لتحقيق الاندماج.
وفي هذا السياق، يؤكد بلعربي أن الهدف من تنظيم هذا اللقاءات هو تحليل مشاركة المغاربة في الحياة السياسية والاجتماعية في إسبانيا، وذلك لتحديد آليات العمل التي يمكن أن تشجع على هذه المشاركة"، مشيراً إلى أن الهجرة المغربية هي واحدة من أقدم وأكبر الهجرات إلى إسبانيا.
ويضيف بلعربي "شاركنا في عدة تظاهرات ثقافية واجتماعية على صعيد إسبانيا، مما نفتخر به كثيراً لقاء حول الكفاءات المغربية بإسبانيا في يونيو 2015، إضافة إلى هذا اللقاء الأخير حول المشاركة السياسية للجالية المغربية في إسبانيا ووجودها في الساحة السياسية الإسبانية".
يؤكد عمل الجمعية من خلال هذه المنتديات السنوية وغيرها من النشاطات، على أهمية الاستمرار في تنظيم مثل هذه اللقاءات التواصلية المباشرة بين أبناء الجالية المغربية، وتوفير بدائل يمكن أن ترقى لتكون حلولا للمشكلات التي تواجهها، مع العمل على تحقيق التشبيك والتواصل بين أفراد الجالية من أجل خلق شراكات أعمق مع مؤسسات أخرى مختصة بالشأن المغربي في إسبانيا.
ومكافأة لجهوده، حصل بلعربي على جائزة الجامعة العربية للمهاجر، سنة 2014 لمساهمته في التقارب بين المجتمع الإسباني والجاليات العربية، لكن طموحاته تذهب أبعد من ذلك، يقول "نحن نطمع لخلق نقاش عام وطرح حلول لإشكاليات عدة، والمساهمة الإيجابية في التقارب بين المغاربة والإسبان".
أما عن ماهية النظرة المستقبلية للمنتدى وإن كان يسعى لتشكيل بديل عن الجسم الموحد غير الموجود للجالية المغربية التي يقدر عدد أفرادها بحوالي مليون شخص، يوضح بلعربي لـ "العربي الجديد": "جمعيتنا لم ولن تحاول أن تكون بديلا أو أن تمثل جميع مغاربة إسبانيا، بل نحن مؤمنون أنه من الضروري أن يكون هناك مكان لكل الجمعيات. نحن لا نطمح لتمثيل مغاربة إسبانيا، لكن لدينا طموح للوصول إلى مستوى جيد من الحراك. أي أننا نطمح للوصول إلى مسامع أكبر عدد من المغاربة وإشراكهم في طرح حلول لمشاكل عدة نعيشها كجيل أول، وحتما سيكون له تأثير على الأجيال القادمة".
جدير بالذكر أن اللقاءات التي يعقدها المنتدى تشهد مشاركات عدة من ممثلي أحزاب سياسية مغربية وإسبانية، بالإضافة إلى عدد كبير من الأكاديميين والخبراء والفاعلين السياسيين في البلد، يؤكدون فيها جميعاً أن مشاركة المهاجرين المغاربة في المنظومة الاجتماعية والسياسية تعد مهمة من أجل تحقيق الاستقرار والاندماج، على اعتبار أن جزءا كبيرا منهم حاصل على الجنسية الإسبانية.
وفي السياق ذاته قال الحسن بلعربي لـ "العربي الجديد" إن المشاركة السياسية هي مؤشر على مدى تطور المجتمعات وضمانة للمساواة بين المواطنين"، مشددا على ضرورة تعزيز مشاركة الأقليات خاصة في سياق ارتفاع الشعبوية ومعاداة الإسلام.