مع قطر ضد غوبلز

13 يونيو 2017
+ الخط -
كنت على استعدادٍ أن أصدق رهط المعادين لقطر، لو أنهم حبكوا الكذبة حبكًا محكمًا، لكن يبدو أن غوبلز العربي لا يتقن فن الحبك، فغدت أكاذيبه تسلق سلقًا، من دون أي احترامٍ لذهن المتلقي، خصوصًا إذا كان هذا المتلقي عربيًّا.
ولأنني متلقٍ عربي، عليّ أن أصدق أن قطر ترعى الإرهاب، بدليل أنها تتخذ موقفًا مغايرًا عن جموع القطيع الأخرى من "حماس"، فتعتبرها حركةً مقاومة للمحتل، وليس حركة "إرهابية"، كما وصفها ترامب، وصفّق له الرهط ذاته.
ولأنني متلقٍ عربي، عليّ أن أصدق أن قناة الجزيرة مثيرة للفتن، وليست تجربة إعلامية عربية ناجحة، كنا انتظرناها أن تبزغ وسط ركام الإعلام الهشّ الهزيل، التابع لأنظمته والمسبّح ليل نهار، بحمدها و"إنجازاتها".
ولأنني متلقٍ عربي، عليّ أن أصدّق أن قطر "تحبك" المؤامرات ضد أخواتها من الدول العربية، بدليل أنها الدولة العربية الوحيدة التي لم تبارك انقلاب البساطير العسكرية على أول رئيس مصري منتخب عبر صناديق الاقتراع، بل كان عليها أن تبارك هذا الانقلاب الدموي، وتمدّه بالمال والدعم، كما فعل الرهط الذي خاض حربًا ضروسًا ضد الربيع العربي وثماره، وجنّد كل إمكاناته لإفشال هذا الربيع ووأده في مهده، باستثناء قطر و"جزيرتها" التي انسجمت مع مسؤوليتها الأخلاقية، في إيصال صوت شباب الربيع إلى سائر أرجاء العالم.
ولأنني متلقٍّ عربي، عليّ أن أصدق الرهط نفسه، في اتهاماته قطر بأنها تؤوي مغرّدين خارج سرب البؤس العربي، ومنهم المفكر عزمي بشارة الذي كان خير منظّر لثورات الربيع العربي، والذي يقود بهمة ألف رجلٍ منابر إشعاع فكري، عبر مراكز أبحاث وفضائيات وصحف واعدة.
ولأنني متلقٍّ عربي، علي أن أصدق الرهط إياه أن قطر تدعم "داعش"، متناسيًا أن هذا النبت الشيطاني نشأ في حاضنات الرهط نفسه، وخرج من صلبه، بفضل البيئة الدينية المتزمتة التي تقسم العالم والبشر إلى فسطاطين: مسلم أو كافر.
ولأنني متلقّ عربي، علي أن أجنّ مع الرهط إياه، وأدخل في دوامة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وأقبل بأي حلٍّ تطرحه إسرائيل (على فرض أنها ستطرح حلاً)، وأن أقْبل بحدودها من البحر إلى النهر، وأن أمزّق ملف عودة اللاجئين، وأن أقبل بمحمد دحلان رئيسًا جديداً للسلطة الفلسطينية، على قاعدة أن "الخل أخو الخردل"، أي أن أقبل بأي ترتيباتٍ وتفريطاتٍ فوق ما قبلت به، ثم أحمد لتلك الدول صنائعها التي تُملى عليها من تل أبيب والبيت الأسود.
ولأنني متلقٍّ عربي، عليّ أن أدين قطر، لأنها تقف ضد حصار غزة، وأن ألعن كل مشاريع الدعم وإعادة الإعمار التي تقودها هناك، إثر كل عدوان إسرائيلي، فأصنّف هذه النخوة تحت بند "التآمر". وعلى العكس، ينبغي أن أبارك الخطوات التي يقدم عليها "صهاينة عرب" في إحكام هذا الحصار وتعزيزه، بإغلاق معبر رفح، ومنع المساعدات الغذائية والإنسانية من الوصول إلى القطاع بأيدٍ يُقال، ظلمًا، إنها "عربية".
الواقع، يا سادتي أعضاء هذا الرهط غير المقدّس على الإطلاق، أنني، باعتباري متلقيا لم أعد أنتمي لـ"عروبتكم"، وللأسباب والمسوّغات نفسها التي تحاولون تسويقها عليّ، أعلن تضامني الكامل مع قطر، ضد هذه الهجمة غير البريئة على الإطلاق.
أنا مع قطر ضد حصار غزة، ومع قطر في مؤازرة الربيع العربي، ومع قطر ضد الانقلابات العسكرية، ومع قطر ضد المؤامرات على القضية الفلسطينية، ومع قطر ضد دحلان، ومع قطر ضد عبد الفتاح السيسي، ومع قطر في "جزيرتها" التي أقنعتني أن في وسع العرب، لو شاءت لهم أنظمتهم، أن يصنعوا إعلامًا يباهون به الدنيا بأسرها، ومع قطر في احتضان مفكرين توصد دونهم كل الأبواب العربية، ومع قطر ضد هذا الرهط الذي لم يعد يخجل من كذبته.
EA8A09C8-5AE7-4E62-849E-5EBF1732C5FF
باسل طلوزي

كاتب وصحافي فلسطيني. يقول: أكتب في "العربي الجديد" مقالاً ساخراً في زاوية (أبيض وأسود). أحاول فيه تسليط الضوء على العلاقة المأزومة بين السلطة العربية الاستبدادية عموما والشعب، من خلال شخصيتين رئيسيتين، هما (الزعيم) والمواطن البسيط (فرج). وفي كل مقال، ثمة ومضة من تفاصيل هذه العلاقة، ومحاولة الخروج بعبرة.