مع استمرار احتجاجات الجزائر... "لوموند" الفرنسية تسأل عن "لغز الجيش"

19 مارس 2019
خطابات قائد الجيش تقرأ بدقة كبيرة في الجزائر(العربي الجديد)
+ الخط -
في وقتٍ يبدو فيه موقف الجيش الجزائري إزاء الاحتجاجات التي تزداد زخما ضد السلطة الحاكمة في البلاد لغزا محيرا، سواء داخل الجزائر أو خارجها، وخاصة فرنسا، تساءلت صحيفة "لوموند" الفرنسية، اليوم الثلاثاء، عمّا إذا كان الجيش سيواصل دعمه للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي أكد استمراره في الحكم حتى ما بعد 28 إبريل/ نيسان، إلى أجل غير مسمّى؟ أم سينتهي به الأمر إلى الانضمام لملايين المتظاهرين الجزائريين، الذين طالبوا ليس فقط برحيل بوتفليقة، بل وأيضا بنهاية "النظام"؟


وتلمس صحيفة "لوموند" تطورا في مواقف قائد الجيش القوي، الجنرال أحمد قايد صالح، خلال شهر من الاحتجاجات، الذي تُقرأ كل خطاباته بشكل دقيق، وفق ما تقوله الصحيفة. مستدركة بأن الأمر ليس سهلا؛ "فخطاب قايد صالح خليطٌ من عبارات متعارف عليها تنبع من خطابية تقليدية (جيش الشعب)، ومن إشارات سرية تشهد على انتظارية حَذرة، بعيدة عن الخط القمعي الذي يخشاه كثيرون. وهي تسير في اتجاه التخفيف من الأزمة، وتتأقلم مع الشعبية المتصاعدة لقضية المحتجين".

هكذا بدا خطاب الجنرال في 26 فبراير/ شباط الماضي تهديدياً، حين ندَّد بالـ"دعوات السرية المريبة" التي تريد دفع "الضالّين إلى نتائج مجهولة وخطيرة"، قبل أن يستدرك عليه، ثم يعود في 5 مارس/ آذار للغة تهديدية، محذِّراً من العودة إلى "سنوات الجمر المؤلمة"، لكنه عاد بعد يومين من تظاهرات 8 مارس/ آذار، ليؤكد أن "الجزائر فخورةٌ بشعبها وبجيشها، أيضا".

ويوم 18 مارس/ آذار، امتدح الجنرال، بتشدق ظاهر، "حس الوطنية" و"المواطَنة" لدى الشعب الجزائري. من دون أن يذكر الرئيسَ بوتفليقة بالاسم.



ولكن لا شيء يمكن أن يسمح في الوقت الراهن بالحديث عن أخذ الجيش مسافة من رئيس الجمهورية ومن زمرته، والسبب هو "غياب شفافية نظام السلطة الجزائرية"، كما تقول الصحيفة.

ومن هنا، فإن قراءة بعض المتخصصين الجزائريين لموقف الجيش، كما يقول كمال شكات، تندرج ضمن "استراتيجية نزع فتيل الأزمة"، و"الاستجابة لبعض المطالب دون تغيير النظام". ويرجع الأمر إلى أن الجيش الجزائري هو الذي خلق الدولة الجزائرية، وهو فعل مؤسِّس مصدَر وصايةٍ لم يتخلص البلدُ منها بعد.

وهذه الوضعية تجعل من الجيش حَكَماً قائماً بالفعل، في الوقت الذي كان فيه بوتفليقة يتشدق بأنه خلق توازنا في العلاقات بين المدنيين والعسكريين، وفق الصحيفة.

وتذكر الصحيفة بتصريحاته سنة 1999، عن أنه ليس "دمية"، وأنه لن يَقبَل أن يكون "ثلاثة أرباع رئيس"، مستفيدا من تشوه صورة الجيش، حين أطلق النار على الحشود أثناء "الربيع" الديمقراطي الأول سنة 1988، ثم بسبب دوره المثير للجدل أثناء حرب سنوات التسعينيات ضد الجماعات الإسلامية.


وانطلاقا من سنة 2004، تاريخ ولاية الرئيس الثانية، قبل الجيش، الذي أحال الكثير من جنرالاته "المقرِّرين" إلى التقاعد، تساوت العلاقات مع المدنيين، خاصة وأن الميثاق حول المصالحة الوطنية يحظر التطرق إلى ملفات "العشرية السوداء"، المثيرة للخلاف.

وتحسنت صورة الجيش بعد فترة 11 سبتمبر/ أيلول، في العواصم الغربية، من خلال التعاون ضد الإرهاب الدولي، كما ساهم الريع النفطي في تمويل تطويره.

بالتوازي مع ذلك، نجح الرئيس بوتفليقة في تقليم أظافر الجيش، سنة 2015، بالحد من أهمية وتأثير دائرة الاستعلام والأمن، الجهاز القوي في الجيش، "الدولة داخل الدولة"، ثم استبدالها بكيان جديد وضع تحت وصايته. كما استمر تطهير المؤسسة العسكرية، في الجيش والدرك، سنة 2018، ومن هنا ظهر خبر العثور على 700 كيلوغرام من الكوكايين في سفينة غير بعيدة عن وهران.

أما الجنرال قايد صالح، التي نصب رئيسا للجيش الوطني سنة 2004، فهو من أشرف على كل هذه التغييرات. وبالتالي فلا يزال الجيش في وضع قوي، رغم طبيعة العلاقات بين العسكريين والمدنيين، كما رسمها بوتفليقة، وهو ما يحاول أن يشرحه فلافيان بورات، الباحث في معهد الدراسات الاستراتيجية في المدرسة العسكرية، بالقول إن الجيش هو "حارس هيكل القيم الوطنية"، ورغم بقائه بعيدا، إلا أن فكرة "العودة إلى السياسة، إذا تجاوزت السلطةُ الخطَّ الأحمر" تخالجه. والخط الأحمر، في نظر الباحث، يتمثل في طبيعة العلاقات مع الجار المغربي، وغايات الإسلاميين في الدولة؛ أو احتمال استفحال أزمة خلافة بوتفليقة.



وتقرأ الصحيفة "المفارقة التي يسقط فيها المتظاهرون"، الذين يدعون إلى "رحيل النظام"، وفي الوقت نفسه يبحثون عن استيعاب الجيش، على الرغم من أنه من النظام ذاته، حين يصدحون: "الجيش والشعب، إخوان"، وهو ما يثلج صدور الجيش "لأن هذا التابو لا يزال يشتغل"، كما تقول أمل بوبكور، الباحثة في مدرسة الدراسات العليا في باريس. والتي تلاحظ "غياب محكيٍّ مضادّ للأسطورة التي تقول إن الجيش يحمي الشعب".

وتخلص الصحيفة إلى القول إنه بقدر ما يمتلك رئيس الجيش الجزائري تصوّراً إجمالياً للخروج من الأزمة؛ إلا أن بذرة سوء تفاهم قادمٍ موجودة.

حوارات مع الجزائر

في سياق ذي صلة، أعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أن بلاده تجري حوارات مع الجزائر حول انتقالها إلى حكومة جديدة، لكنها "لا تريد تجاوز حدودها".

وقال ماكرون، في حديثه خلال "الحوار الوطني الكبير" الفرنسي مع المثقفين والمفكرين في قصر الإليزيه بباريس، إنه لا يريد استنساخ التاريخ والتدخل في الشؤون الداخلية للجزائر، وفق ما نقلت عنه وكالة "رويترز".
المساهمون