معين عبد الملك: رئيس وزراء لا شأن له بالسياسة

29 يونيو 2019
مآخذ عدة على أداء عبد الملك (فرانس برس)
+ الخط -

بلا مقدمات كافية، وجد معين عبد الملك نفسه رئيساً للحكومة اليمنية في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، خلفاً لرئيس الوزراء المقال والمحال للتحقيق أحمد عبيد بن دغر. أصغر رئيس وزراء يمني (43 عاماً)، الذي تقتصر خبرته الحكومية على تقلده منصب وزير الأشغال، الذي اختير للموقع الجديد في لحظة صدام سياسي بين الحكومة اليمنية والتحالف السعودي الإماراتي، أعلن على نحو فوري أنه لن يتدخل في الشأن السياسي، وسيكون منشغلاً بأحوال الناس والقضايا الاقتصادية، في حالة نادرة بتاريخ رؤساء الحكومات اليمنية. ولم يسبق أن عيّن رئيس للوزراء وأعلن أنه لا شأن له بالأمور السياسية. وما زاد الاستهجان في حينه أن عبد الملك رئيس وزراء يواجه بلده حرباً منذ أكثر من 4 سنوات ومحاولات تفتيت، لا فقط مجاعة وأمراضاً كانت قد اندثرت.

مفردة "لا" شأن لي بالأمور السياسية لم تكن جديدة عليه. أثناء تدريسه في كلّية الهندسة في جامعة ذمار جنوب صنعاء، كانت قضايا الفساد كثيرة في الكلية نفسها، لكنه كان لا يتدخل في الحراك الاحتجاجي ولا يُشارك في اعتصام أو إضراب وكأن الأمر لا يعنيه. برز اسمه في مرحلة الحوار الوطني الذي امتد من مارس/ آذار 2013 حتى يناير/ كانون الثاني 2014، بعد أن تم تقديمه على أنه من شباب ثورة فبراير/ شباط 2011، التي اندلعت لإطاحة الرئيس في ذلك الحين علي عبد الله صالح (تنحى في 2012، وقتله الحوثيون في ديسمبر/ كانون الأول 2017). أنيطت به رئاسة فريق استقلالية الهيئات والقضايا الخاصة في الحوار. كما أنه كان من بين أعضاء لجنة التوفيق في المؤتمر، وكانت مهمته تسوية الخلافات بين اللجان. وتوالت المسؤوليات التي شغلها بما في ذلك مهام مقرر لجنة صياغة الدستور في 2014.

هذا الصعود التدريجي لعبد الملك لم يكن ممكناً، لولا صلته بالرجل القريب من الرئيس عبد ربه منصور هادي، أحمد عوض بن مبارك الذي كان مديراً لمكتبه. مبارك، الذي اصطدم برفض الحوثيين لقرار تعيينه رئيساً للوزراء في أكتوبر 2014، ثم اختطافه في 17 يناير 2015 بالتزامن مع توجهه لتقديم مسودة الدستور، وذلك في أوج السيطرة العسكرية للجماعة على صنعاء، اضطر للخروج من اليمن بعد الإفراج عنه لكنه لم يبتعد عن القرار السياسي الخاص بإدارة رئاسة الجمهورية، وخصوصاً أن اندلاع حرب وانتقال هادي إلى الرياض أتاح لهما العمل معاً مجدداً. وحتى بعدما تم تعيينه سفيراً لدى الولايات المتحدة في 2015، ثم اختياره مندوباً لليمن لدى الأمم المتحدة في مايو 2018 ليشغل المنصبين معاً لفترة قبل أن يقتصر عمله حالياً على إدارة السفارة اليمنية في واشنطن، ظل قادراً على فرض رجالاته ووضعهم في مواقع داخل المؤسسات الحكومية التابعة للشرعية، ومن بينهم عبد الملك الذي اختير عضواً في الوفد الحكومي للمشاورات السياسية في جنيف1 في يونيو 2015، وجنيف2 أو بيل في ديسمبر/ كانون الأول 2015 والكويت في إبريل/ نيسان 2016، ثم وزيراً للأشغال في مايو/ أيار 2017 بعد أن كان قد شغل منصب نائب وزير الأشغال العامة والطرق منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2015 حتى مايو/أيار 2017.

منذ توليه منصب رئيس الوزراء بقي عبد الملك بعيداً عن أي سجال سياسي. لم يسمع له رأي نقدي ولم يكن أحد يعول على سماع موقف سياسي له، قبل أن تأتي زيارته للإمارات في 10 يونيو/ حزيران الحالي، لتعيد النقاش بشأن أسلوب إدارته للحكومة اليمنية، وما إذا كان حان آوان مغادرته حالة النأي بالنفس التي وضع نفسه فيها.

زيارة عبد الملك أبوظبي جاءت بعد تأجيل لأكثر من مرة، بإيعاز من هادي وبرضى ضمني من السعودية، لكن الاستقبال الذي حظي به كان باهتاً. لم تحضر شخصية إماراتية توازي منصب رئيس الوزراء اليمني، بل وزيرة الدولة الإماراتية لشؤون التعاون الدولي ريم الهاشمي. واستدعى هذا الأمر تعليقات يمنية واسعة وسط تساؤلات عن كيف تقدم الإمارات بعد أن أصرّت، أكثر من مرة، على دعوة رئيس الوزراء اليمني، باستقباله على هذه الصورة.



وإن كان اليمنيون تجاوزوا سريعاً هذه القضية، وخصوصاً أنها لم تكن المرة الأولى التي تتعمد فيها السلطات الإماراتية تنظيم استقبال باهت لمسؤولين يمنيين، فإن المفارقة أنه لم تمض سوى أيام على مغادرة عبد الملك أبوظبي حتى عادت الاستفزازات الإماراتية في محافظات يمنية عدة، أبرزها جزيرة سقطرى. لم يسمع لرئيس الوزراء اليمني أي موقف من الأزمة المستجدة، على عكس وزير الدولة عبد الغني جميل الذي تحدث عن "احتلال إماراتي مكتمل الأركان".

حالة النأي بالنفس عن كل ما يجري على الأرض، لا يمكن تفسيرها إلا بكونها تنبع من إدراك لدى عبد الملك أن العلاقة مع الإمارات هي المحدد لمدة بقائه في المنصب. ومثلما كان الصدام مع الإمارات أحد أبرز أسباب إطاحة هادي ببن دغر بضغط من الرياض وأبوظبي، فإن التقارب الذي بلغ حد التبعية لنائب رئيس الجمهورية السابق، رئيس الوزراء السابق خالد بحاح، كان أيضاً وراء إقالته وإحالته للتحقيق في إبريل/ نيسان 2016. ومن ثم اختار عبد الملك اللاموقف.

ويقول الصحافي اليمني المقيم في صنعاء أحمد غراب، في حديث مع "العربي الجديد"، إن منصب رئيس الوزراء تحوّل من منصب عملي فعلي إلى منصب فخري صوري، و"ظهر منذ البداية أن الهدف من حكومة معين عبد الملك كان سياسياً صورياً يخدم الحالة المؤقتة التي تعيشها الدولة خارج البلد، ومع ذلك فمهمته ترتكز بشكل أساسي على الظهور البراق والتلميع الشكلي للحكومة، فيما الحقيقة أنه لا يتدخل في السياسة ولا في الاقتصاد أيضاً". ويوضح غراب أن "الملفات الحكومية المتوارثة ثقيلة جداً وتستوجب الوجود المستمر داخل البلد، بالإضافة إلى التنسيق بين الوزارات الحكومية والإسراع بمعالجة أهم ملف، وهو رواتب الموظفين المنقطعة منذ أكثر من عامين". ويؤكد غراب أنه على الرغم من تعهدات رئيس الوزراء بالإصلاح والاقتصاد، فإن هذا الأمر لم يحصل، وخصوصاً في المناطق الشمالية. ويضيف، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "هذا الأمر ليس غريباً، فالعمر المهني والسياسي لرئيس الوزراء قصير جداً قبل توليه الحكومة، وهو لا يملك أي خبرات سابقة أو سجل إنجازات يذكر. وحتى أثناء توليه منصب وزير الأشغال العامة لم يكن هناك أي إنجازات تذكر له، ومع ذلك لا يمكن إلقاء اللائمة عليه، فالمعالجات والإنجازات صناعة جماعية تستلزم وجوداً كاملاً ومتناسقاً من كافة الوزارات. كل ذلك ينعكس في مجمله بحقيقة واحدة، هي أن الحكومة اكتفت بحضورها الشكلي خارجياً بعيداً عن معاناة الداخل".

من جهته يقول همدان الحقب، الذي كان عضواً في مؤتمر الحوار الوطني مندوباً عن الحزب الاشتراكي اليمني، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الفارق كبير بين رئيس الوزراء السابق أحمد عبيد بن دغر وبين رئيس الوزراء الحالي. ويشير الحقب، إلى أن بن دغر أتى من خزانة الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، وعليه "أتى للانتقام من أي شخص هبّ للثورة على صالح". في المقابل، فإن عبد الملك قادم من "ساحة التغيير" وبروح ثورية "لذا فهو قادر على التعامل مع شباب الثورة، ويتصرّف على هذا النحو".

وبخصوص عدم انخراطه في الملفات السياسية، يقول الحقب: "وجهة نظري أنه جاء متحمساً على أمل أنه سينجز شيئاً ملموساً في الجانب الخدماتي، فكأنه أراد أن يقول أتركوني أنجز شيئاً خدماتياً للناس والحرب لها من يديرها".

ولا يوافق الحقب على الرأي القائل بأن عبد الملك ليس لديه أي إنجازات منذ توليه رئاسة الوزراء. ويقول لـ"العربي الجديد"، إنه يكفي لرئيس الحكومة أنه أعاد الربط المالي بين بعض البنوك الرئيسية في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية.

في المقابل يقول الصحافي عبد القادر سعد، في حديث مع "العربي الجديد" إن المآخذ على عبد الملك كثيرة. ويوضح أن قرار تعيينه رئيساً للحكومة الشرعية كان مبعث أمل لمعظم اليمنيين، "لكنه للأسف خذل الجميع، إذ لم نشهد أي إصلاحات أو أي حلول قام بها لإنقاذ الشعب اليمني البائس، وفوجئنا أكثر بأول تصريح له، الذي قال فيه إنه لن يتدخل في السياسة وسيركز فقط على الجانب الاقتصادي، وليته ركز على الجانب الاقتصادي حقاً، وحل أهم مشكلة اقتصادية، هي رواتب الموظفين اليمنيين". كما يشير إلى أن القطاع المصرفي يعاني من توجيهات سلطتين نقديتين، ولا يزال البنك المركزي منقسماً، وهذا الانقسام انعكس على العملة المحلية التي تتهاوى بشكل مستمر، وانخفضت إلى 550 ريالاً للدولار الواحد في يونيو/ حزيران الحالي، مقابل 215 ريالاً للدولار في 2014. ويضيف: "تغرق الحكومة الشرعية في الفساد، واعتمدت رواتب فلكية بالعملة الأميركية، للوزراء والوكلاء، بينما يعيش نحو مليون موظف حكومي جحيم المعاناة بسبب توقف رواتبهم منذ أكتوبر/ تشرين الأول" عام 2016.

وبرأي عبد القادر، فإنه مع مرور الوقت "تأكد الناس أنه لا يفهم لا بالسياسة ولا بالاقتصاد، فيما انتشر الفساد أكثر وتزايدت مشاكل الشعب في كل النواحي، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وصحياً، وقد أثبتت مواقفه الضعيفة ولا مبالاته المعهودة أنه ليس رجل المرحلة، ولا يستطيع تحمل مسؤولية منصبه".

بدوره، يقول الباحث اليمني المقيم في برلين حسين مقبل، أنه كان من بين الذين تفاءلوا عند تعيين عبد الملك رئيساً للحكومة، باعتبار أنه "جاء من صفوف ثوار فبراير، وكونه ليس من الوجوه التي اعتدناها والمُعاد تدويرها. ولكونه لا يزال شاباً، فقد علقت الكثير من الآمال على ذلك، وظننت أنه سيفعل ما لم يفعله غيره وسيغير من نظرة المجتمع السيئة حيال من يشغل منصب رئيس الوزراء. لكن للأسف هو رجل غير مرئي، لا يعمل في السياسة ويريد العمل على أساس كونه رئيس جمعية خيرية اجتماعية".



المساهمون