معوّقات البيان الوزاري للحكومة اللبنانية: المحكمة والمقاومة

25 فبراير 2014
تؤجل لجنة البيان الوزاري كل القضايا الخلافيّة
+ الخط -
سرّعت لجنة صياغة البيان الوزاري للحكومة اللبنانية، الوليدة حديثاً، من وتيرة اجتماعاتها، باعتبار أنّ مهلة تسليمها النص الوزاري تنتهي في غضون ثلاثة أسابيع. اجتماع مساء الاثنين، وآخر سيُعقَد مساء اليوم، الثلاثاء، ليكون خامس الاجتماعات العلنية للجنة من دون الاقتراب من تحقيق أي نتيجة.

إذا كان الوزراء اللبنانيون لا يزالون مختلفين على مبدأ الإشارة الى"المقاومة" في بيانهم الوزاري، فقد جاءت الغارة الاسرائيلية على البقاع، ليل أمس، لتسهّل الأمور قليلاً. وكأن الطيران الاسرائيلي حضر إلى سماء لبنان للمشاركة في صياغة هذا البيان وليدعم موقف حزب الله ومن خلفه موقف حلفائه في قوى 8 آذار، حسب سياسيين في فريق قوى الرابع عشر من آذار.

تشير مصادر وزاريّة مشاركة في الاجتماعات، إلى أن وزير حزب الله في لجنة صياغة البيان الوزاري، محمد فنيش، كان قليل الكلام في اجتماعات السرايا الحكومية التي سُرّعت وتيرتها في الايام الماضية. فنيش يسجل كثيراً من الملاحظات ويترك زملاءه في حيرة دائمة، إذ يبتعد عن حسم الامور متذرعاً بضرورة التوصل الى اقتراح رسمي يمكن نقله الى قيادة الحزب.

يعتقد فريق 14 آذار أن مقاومة إسرائيل والتصدي لخروقاتها، يجب أن يقتصر على الدولة اللبنانية ومؤسساتها. يرفع هذا الفريق مطلبه هذا منذ عام 2005، ويتقاطع بشكل كامل مع شعار "حصرية السلاح بيد الدولة"، أو بمعنى آخر نزع سلاح حزب الله. 

لم تعد صيغة "المقاومة" في البيانات الوزارية السابقة، وتحديداً ثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة"، تلبّي طموحات 14 آذار، ولو أنّ من ابتدعها عام 2008 هو رئيس الحكومة الأسبق ورئيس كتلة المستقبل، النائب فؤاد السنيورة. يؤكد الوزير بطرس حرب، المحسوب على الشخصيات المستقلة داخل ١٤ آذار، يوماً بعد آخر في اجتماعات اللجنة المكلفة صياغة البيان، على رفض هذه الصيغة. ويعاونه في هذا الرفض الوزير المستقبلي نهاد المشنقوق، بينما يكتفي وزير حزب الكتائب سجعان القزي بالصمت وبالدعوة الى نبش مفردات جديدة. يؤكد حرب، لـ"العربي الجديد"، تمسُّك معسكره برفض هذه الثلاثية "مع الإبقاء على المرونة والإيجابية التي تفاجأنا بها في الاجتماعات واتفقنا ووزراء 8 آذار على المحافظة عليها".

هذا ما دفع وزير كتلة التنمية والتحرير (التابعة لحركة امل ويرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري)، علي حسن خليل، الى اقتراح الصيغة التالية: "حق اللبنانيين في الدفاع عن أرضهم في وجه الاعتداءات الإسرائيلية". هو اقتراح من المرجح ألا ينال موافقة ممثلي 14 آذار، باعتباره فضفاضاً ولا يلبّي طموحات هذا الفريق. ونتيجة هذا التخبّط الحاصل، حيّد الوزراء بند المقاومة، بناءً على طلب الرئيس تمام سلام، وانتقلوا الى مناقشة البند الخاص بـ"إعلان بعبدا" (تحييد لبنان عن الأزمة السورية)، إي الإعلان الصادر عن هيئة الحوار الوطني التي ترأسها رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وبمشاركة وموافقة كل الأطراف السياسية.

لكن سرعان ما فتح هذا البند أبواباً جديدة من الاختلاف والخلاف في لجنة صياغة البيان الوزاري. قوى 14 آذار طالبت بتأكيد التزام إعلان بعبدا بمضمونه وحرفيته، فعارض فريق 8 آذار. ظهر الأمر وكأنه إبرازٌ لمعضلة في وجه أخرى. وفعلياً هو كذلك. حزب الله ومَن معه، يعجزون عن إقرار "إعلان بعبدا" لما ينص عليه من تحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية (تحديداً حرب سوريا)، وضبط الامور على الحدود اللبنانية ـ السورية، والالتزام بقرارات الشرعية الدولية والعربية.

بذلك يكون الفريقان قد تعادلا في وضع الفيتو على مضمون البيان الوزاري، ومن هنا تبقى الأمور معلّقة، ريثما يتمكّن "الوزراء الوسطيون" (وزراء جنبلاط وسليمان وتمام سلام)، من إيجاد الصيغ اللازمة عبر تفكيك الأحرف والكلمات وابتداع ما يلزم لإرضاء الطرفين.

لا تزال الأمور عالقة عند المقاومة وإعلان بعبدا، ولم تصل بعد إلى ملف المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري. وهنا ورقة أخرى سيطالب بها فريق 14 آذار، وسيحاول خصمه رفضها ووضع فيتو جديد عليها، ليسعى إلى تعديل صيغة ورودها في البيان الوزاري. حزب الله متّهم بشكل أو بآخر من قبل المحكمة الدولية باغتيال الحريري، واتهام عناصر تابعة له بتنفيذ هذه الجريمة سيعدّل نظرته وموافقته السابقة على بند المحكمة. حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، المسماة "حكومة حزب الله"، نص بيانها الوزاري على الآتي: "الحكومة، انطلاقاً من احترامها القرارات الدولية، تؤكد حرصها على جلاء الحقيقة وتبيانها في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، وستتابع مسار المحكمة الخاصة بلبنان التي أنشئت مبدئياً لإحقاق الحق والعدالة بعيداً عن أي تسييس أو انتقام، وبما لا ينعكس سلباً على استقرار لبنان ووحدته وسلمه الأهلي". فهل يرضى الحزب بتكرار هذه العبارة، تحديداً بعد اتهامه بالجريمة؟ تتوقع مصادر وزارية مقرّبة من حزب الله أن يأخذ هذا البند نصيبه من النقاشات والتعليقات والخلافات، بينما يؤكد الوزير سجعان قزي أنّ "اللجنة لم تتناول بعد، لا من قريب ولا من بعيد، ملف المحكمة".

خلاصة الاجتماعات حتى الساعة، أنّ بند المقاومة رُحِّل، وبند إعلان بعبدا عالق، وملف المحكمة الدولية مؤجّل. هذا مصير حكومة الشراكة الوطنية بين فريق 8 آذار وبعض من 14 آذار، إلا أنّ الخلاف على البيان الوزاري لن يطول أكثر من منتصف 15 مارس/ آذار، احتراماً للمُهل الدستورية.

ومن هنا، فعلى هذين التكتلين، وعلى ما بينهما من وسطيّين، رسم صيغة التفاهم في ما بينهم، وإيجاد الحلول، حتى لا تصبح الحكومة الجديدة في حكم المستقيلة، وتتحوّل إلى حكومة تصريف أعمال، كما ينص الدستور.