معنى عودة نتنياهو إلى الحكم في إسرائيل

25 مارس 2015

نتنياهو مبتهجا بفوزه بعد إعلان نتائج التصويت (17 مارس/2015/Getty)

+ الخط -

أسفرت الانتخابات العشرون للكنيست الإسرائيلي التي جرت في السابع عشر من مارس/آذار عن فوز أحزاب "المعسكر القومي" الذي يقوده رئيس حزب الليكود، بنيامين نتنياهو، بأغلبية مريحة؛ إذ حصلت هذه الأحزاب مجتمعة على 67 مقعدًا من مجموع مقاعد الكنيست البالغ عددها 120 مقعدًا. وسيمكّن هذا الفوز نتنياهو من الاستمرار في الحكم، وتشكيل حكومة في غضون الأسابيع القليلة المقبلة.

سمات العملية الانتخابية

اتسمت الانتخابات العشرون للكنيست الإسرائيلي بما يلي:
1. تشكيل حزبي العمل و"الحركة"، عشية الانتخابات، تحالف "المعسكر الصهيوني"، بقيادة يتسحاك هيرتسوغ وتسيبي ليفني. ووفق استطلاعات الرأي العام، بدا أنّه توجد منافسة جدّية بين "المعسكر الصهيوني" وحزب الليكود، لأول مرةٍ منذ انتخابات 1999؛ ما قد تؤدي إلى إسقاط نتنياهو.
2. شكّلت شخصية نتنياهو موضوعًا رئيسًا في الانتخابات؛ إذ رفعت أحزاب الوسط ويسار الوسط والنخب الإعلامية ومتقاعدو المؤسسة العسكرية والأمنية والنخب الثقافية والأكاديمية شعار "فقط من دون نتنياهو"، منتقدة سياساته ومستهدفة إسقاطه.
3. غابت القضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي عن أجندة انتخابات هذا العام، تمامًا كما غابت في انتخابات الكنيست السابقة.
4. تعدّدت القضايا التي كانت محورًا لهذه الانتخابات، وبرز من بينها ارتفاع غلاء المعيشة وأزمة السكن، إلى جانب المسائل الأمنية – العسكرية.
5. شكّلت الأحزاب العربية الفاعلة في صفوف الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، ومنها العروبي الديمقراطي والإسلامي واليسار التقليدي، قائمةً مشتركةً لها لأول مرة في تاريخ انتخابات الكنيست. وأدّى هذا التحالف إلى رفع نسبة مشاركة العرب في الانتخابات، وحصول القائمة العربية المشتركة على 13 مقعدًا، لتصبح ثالث أكبر كتلة في الكنيست.

 
6. سجلت الانتخابات ارتفاعًا كبيرًا في نسبة المقترعين، مقارنةً بالانتخابات السابقة؛ فقد بلغت نسبة المشاركة فيها 72.3% من مجمل من يحق له الاقتراع في مقابل 66.6% في انتخابات 2013، و64.7 % في انتخابات 2009. وترتفع النسبة في الانتخابات الحالية لتصل إلى 80 % بين اليهود، إذا أخذنا في الاعتبار أنّ سجل الناخبين يشمل 5.3 ملايين من أصحاب حق الاقتراع الذين يقيمون بشكل دائم في إسرائيل، و540 ألفًا من ذوي حق الاقتراع الذين يعيشون، بشكل دائم، خارجها (نحو 10% منهم من العرب)، وهم لا يستطيعون، لهذا السبب، المشاركة في الانتخابات وفق القانون. وقد زادت أيضًا نسبة مشاركة المواطنين العرب الفلسطينيين داخل الخط الأخضر في هذه الانتخابات وبلغت 64.5 % من مجمل من يحق لهم الاقتراع من العرب، مقابل 57.9% في انتخابات 2013، و53% في انتخابات 2009. وإذا أخذنا في الاعتبار أنّ 10% من المواطنين الإسرائيليين من ذوي حق الاقتراع الذين يعيشون في الخارج هم من العرب، يتضح لنا أنّ نسبة المشاركة الحقيقية للعرب تصل إلى نحو 68 % من مجمل العرب الذين يحق لهم الاقتراع ويقيمون فيها.

الخارطة السياسية الجديدة
وعلى النقيض من جميع استطلاعات الرأي العام التي نشرت عشية الانتخابات، حقّق حزب الليكود إنجازًا مهمًا، بزيادة غير متوقعة في عدد مقاعده في الكنيست؛ إذ حصل على 30 مقعدًا مقابل 20 في الانتخابات السابقة التي خاضها في قائمة مشتركة مع حزب "إسرائيل بيتنا"؛ فقد حصلا معًا على 31 مقعدًا. ما يعود، أساساً، إلى استعادة الليكود بعض أصوات مؤيدي الأحزاب اليمينية الأخرى المتوسطة والصغيرة. فقد انخفض بشكل كبير عدد المقاعد التي حصل عليها "إسرائيل بيتنا"، بقيادة أفيغدور ليبرمان، من 11 مقعدًا في الكنيست السابقة إلى ستة في الانتخابات الحالية. وذلك لسببين رئيسين: شروع الشرطة الإسرائيلية في التحقيق مع عددٍ من قادة هذا الحزب بتهم الفساد واختلاس المال العام. وحدوث تغيير في نمط تصويت

 اليهود الروس الذين يشكلون القاعدة الأساسية لهذا الحزب، في ضوء اندماجهم في المجتمع الإسرائيلي، ولا سيما الجيل الشاب منهم الذي أصبح يصوّت لمصلحة أحزابٍ إسرائيليةٍ أخرى. وانخفض عدد المقاعد التي حصل عليها حزب "البيت اليهودي" الديني اليميني المتطرف من 12 مقعدًا في الكنيست السابقة إلى ثمانية مقاعد حاليًا.
كما يعود السبب أيضًا في انتقال الأصوات من أحزاب يمينية إلى الليكود إلى خشية مؤيديها من أن يحصل المعسكر الصهيوني على عدد مقاعد أكبر من الليكود؛ ما يجعل تكليف يتسحاك هيرتسوغ بتشكيل الحكومة محتملًا، فضلًا عن أنّ ثمة نموًا ديموغرافيًا مستمرًا في القواعد الاجتماعية لمعسكر اليمين.
وحصل حزب "كلنا" الذي أسّسّه القيادي السابق في حزب الليكود، موشيه كحلون، عشية انتخابات الكنيست على عشرة مقاعد. وكان كحلون الذي ينتمي للطوائف الشرقية قد اكتسب شعبيةً واسعةً، عندما كان وزيرًا للرفاه الاجتماعي والاتصالات، جرّاء الإصلاحات التي قام بها، لا سيما التي أدت إلى تخفيض سعر الاتصالات الهاتفية. وركّز كحلون أجندته الانتخابية كلها على المواضيع الاقتصادية والاجتماعية، وفي مقدمتها تخفيض غلاء المعيشة الذي تئنُّ تحت وطأته شرائح الطبقتين، الوسطى والدنيا، في المجتمع الإسرائيلي، كما ركز على إيجاد حلٍ لأزمة السكن. أما سياسيًا، فيتبنى حزب كحلون مواقف سياسية يمينية متطرفة في ما يتعلق بحلّ القضية الفلسطينية وقضايا المواطنين العرب.
أما حزب شاس، فقد انخفض عدد المقاعد التي حصل عليها إلى سبعة، مقابل 11 مقعدًا في الانتخابات السابقة. ما يعود إلى الأزمة الحادة التي ألمّت بالحزب، بعد وفاة زعيمه التاريخي، الحاخام عوفاديا يوسف، في أكتوبر/تشرين أول 2013، واندلاع صراعٍ حادٍ بين رئيس الحزب، أريه درعي، الذي عيّنه الحاخام عوفاديا يوسف رئيسًا للحزب، قبل وفاته بنحو نصف عام، وبين إيلي يشاي الرئيس السابق للحزب. وأدّى هذا الصراع إلى انشقاق يشاي، وتأسيسه حزباً يهودياً متطرفاً حمل اسم "ياحد" في ديسمبر/كانون أول 2014، ثم تحالفه مع حزب "عوتسماه ليسرائيل" (القوة لإسرائيل) الفاشي. وقد فشل "ياحد" في اجتياز نسبة الحسم؛ فخسر اليمين الإسرائيلي نحو ثلاثة مقاعد في الكنيست. وحصل حزب يهدوت هاتوراه الديني الحريدي الإشكنازي على ستة مقاعد مقابل سبعة في الكنيست السابقة.
أما تحالف "المعسكر الصهيوني" الذي شكله حزب العمل وحزب "الحركة" في ديسمبر/كانون أول 2014، فقد حصل على 24 مقعدًا، مقابل 15 مقعدًا لحزب العمل وستة لحزب "الحركة" في الانتخابات السابقة. وحصل حزب "يوجد مستقبل"، بزعامة يائير لبيد، على 11 مقعدًا في هذه الانتخابات مقابل 19 مقعدًا في الانتخابات السابقة. وحصل حزب ميرتس على خمسة مقاعد مقابل ستة في الانتخابات السابقة. وحصلت القائمة المشتركة للأحزاب العربية على 13 مقعدًا مقابل 11 في الانتخابات السابقة، عندما خاضتها في ثلاث قوائم منفصلة.

عوامل أثرت في نتائج الانتخابات
أشارت استطلاعات الرأي العام التي أجريت عشية الانتخابات إلى تفوّق المعسكر الصهيوني على حزب الليكود، بفارقٍ يتراوح بين مقعد إلى أربعة. وقد توافقت نتائج هذه الاستطلاعات مع عوامل عزّزت إمكانية تراجع قوة الليكود الانتخابية، وتفوّق المعسكر الصهيوني، من أبرزها:
1. فشل نتنياهو، وهو على رأس الحكومة الإسرائيلية ستّ سنوات متتالية، في معالجة المشكلات الاقتصادية التي تعانيها شرائح الطبقتين، الدنيا والوسطى، في المجتمع الإسرائيلي، وفي مقدمتها ارتفاع غلاء المعيشة واشتداد حدة أزمة السكن.
2. استمرار توتّر العلاقات بين نتنياهو والإدارة الأميركية، وازدياد انتقاد النخب الأمنية والإعلامية والاقتصادية له، واتهامه بإلحاق ضررٍ خطيرٍ بالعلاقات الاستراتيجية بين إسرائيل والولايات المتحدة، والتي تعدّ من أهم عوامل قوة إسرائيل، إن لم تكن أهمها على الإطلاق.
3. انشقاق موشيه كحلون عن حزب الليكود، بسبب خلافه مع نتنياهو، وتأسيسه حزب "كلنا"، والذي نافس الليكود على أصوات ناخبيه التقليديين، لا سيما الشرقيين منهم.
4. توتّر علاقات نتنياهو مع عددٍ من قادة أحزاب اليمين، وبخاصة مع كحلون وليبرمان؛ ما ساهم في إشاعة الاعتقاد بأنه في حال حصل المعسكر الصهيوني على مقاعد في الكنيست أكثر من حزب الليكود، فقد يوصي كحلون أو ليبرمان أو كلاهما رئيسَ الدولة، في أثناء مشاورات الأخير مع قادة الكتل البرلمانية في الكنيست وفق القانون، بتكليف يتسحاك هيرتسوغ، رئيس المعسكر الصهيوني، تشكيل الحكومة.
لكنّ نتنياهو فاجأ الكثيرين، وأحرز انتصارًا مهمًا بتفوّق حزب الليكود على المعسكر الصهيوني بستِّ مقاعد، وبتفوق معسكر الأحزاب اليمينية والدينية اليهودية على معسكر أحزاب الوسط ويسار الوسط بشكلٍ واضحٍ، ويعود ذلك إلى مجموعة من العوامل، أهمها:
1. استمرار انزياح المجتمع الإسرائيلي، في العقدين الأخيرين، بقيمه ومفاهيمه ومواقفه السياسية نحو اليمين، واليمين المتطرف بشقيه العلماني والديني؛ فقد أظهرت استطلاعات الرأي العام المعمّقة الصادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية متخصصة أنّ أغلبية كبيرة من هذا المجتمع تتبنى نظرةً سلبيةً تجاه اليسار، وطوّرت مواقف معادية لقيمه، وأنها تنسجم في منطلقاتها مع اليمين، وقيمه ومواقفه السياسية.

 
2. تفوّق نتنياهو في الرأي العام الإسرائيلي، بشكل حاسم وواضح وبنسبة مرتفعة، على خصمه يتسحاك هيرتسوغ بشأن منصب رئيس الحكومة.
3. تقبّل القسم الأكبر من المجتمع الإسرائيلي لرؤية نتنياهو الأمنية – العسكرية، سواء بشأن الملف النووي الإيراني، أو الصراع مع الفلسطينيين، وفشل هيرتسوغ في بلورة رؤية متماسكة وواضحة خاصة به بهذا الشأن، أو في تقديم رؤية بديلة مما يطرحه نتنياهو.
4. كان الأمر واضحًا طوال الحملة الانتخابية أنّ معسكر الأحزاب اليمينية والدينية يتفوّق على معسكر الوسط ويسار الوسط. وعلى الرغم من ذلك، كان نتنياهو قلقًا من أن يؤدي تفوّق المعسكر الصهيوني على الليكود بعدة مقاعد، حسب استطلاعات الرأي العام، إلى تكليف رئيس الدولة يتسحاك هيرتسوغ تشكيل الحكومة، ولا سيما في ضوء عدم إفصاح موشيه كحلون عن موقفه بهذا الشأن. وقد تمحورت المنافسة بين المعسكر الصهيوني وحزب الليكود، في الأيام الأخيرة من الحملة الانتخابية، على موضوع مَنْ الذي سيكلفه رئيس الدولة تشكيل الحكومة: نتنياهو أم هيرتسوغ؟ وقد استغلّ نتنياهو هذا الأمر إلى أبعد الحدود، فتبنّى، في حملته الإعلامية المكثّفة، في هذه المرحلة الحاسمة من الحملة الانتخابية، مواقف متطرفة لاجتذاب الناخب اليميني المتطرف، من أجل التصويت إلى الليكود، والتي رفع فيها شعارات عنصرية ضد العرب، وهوّل من نسبة مشاركتهم في الانتخابات، وخوّف من إمكانية عودة "اليسار" إلى الحكم. وقد تمكّن نتنياهو في هذه الحملة الإعلامية من إقناع قطاعات واسعة من معسكر اليمين بالتصويت لحزب الليكود، ولا سيما من أنصار حزب البيت اليهودي وحزب إسرائيل بيتنا.
5. لم يؤثّر توتّر علاقات نتنياهو بالبيت الأبيض، ولا خلافاته مع الاتحاد الأوروبي في نمط تصويت الناخب الإسرائيلي، كما كان يأمل خصوم نتنياهو؛ لأنّ هذه الخلافات لم تتحوّل إلى إجراءات فعلية ضد إسرائيل، أو إلى دفع أثمان سياسية أو اقتصادية، يمكن أن يشعر بها الناخب الإسرائيلي الداعم لنتنياهو وسياساته، ومن ثمّ تؤثر في قراراته.

 
6. فشل تحالف المعسكر الصهيوني في تشكيل بديل سياسي – أيديولوجي من حزب الليكود، ولم يقدّم رؤيةً أو خطةً سياسيةً حقيقيةً لحلّ القضية الفلسطينية، وتمسّك باستمرار الاستيطان في ما يطلق عليه "الكتل الاستيطانية" في الضفة الغربية المحتلة، واكتفى بتكرار "معزوفة" استعداده لاستمرار المفاوضات مع السلطة الفلسطينية. وقد ترأس المعسكر الصهيوني شخصٌ باهتٌ، لا يتمتع بالحدّ الأدنى من الصفات القيادية التي تؤهله لمنصب رئيس حكومة. وفي المقابل، تمتّع نتنياهو بخبرة وصفات قيادية في حملةٍ انتخابيةٍ، يحتل فيها الشخص المرشح لرئاسة الحكومة أهميةً كبيرةً. وفضلًا عن ذلك، فشل المعسكر الصهيوني في الانفتاح على قطاعات واسعة من المجتمع الإسرائيلي، ولم يتمكّن من إيجاد موطىء قدمٍ له بين صفوف اليهود الشرقيين واليهود الروس واليهود التقليديين دينيًا، وظل بعيدًا عن بلدات الأطراف في إسرائيل، وانحسرت قاعدته الأساسية في مدن المركز وبلداته وفي صفوف الشرائح الوسطى والعليا من الطبقة الوسطى الإشكنازية.

خاتمة
سوف تمكِّن نتائج انتخابات الكنيست الإسرائيلي التي أجريت أخيراً رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، من تشكيل حكومةٍ إئتلافيةٍ يمينيةٍ متطرفةٍ، بعد أن يتغلّب على الأزمات المفتعلة والحقيقية التي تحدث، عادةً، عند تشكيل حكومة إئتلافية في إسرائيل. ومن المتوقع أن يقتصر تشكيل هذه الحكومة على أحزاب "المعسكر القومي" والمتدينين. ومن المتوقع أن تستمر هذه الحكومة في ممارسة السياسات التي اتّبعها نتنياهو في السنوات الستّ الماضية لجهة الاستمرار في النشاطات الاستيطانية في مختلف مناطق الضفة الغربية المحتلة، وخصوصاً في القدس الشرقية المحتلة، وأن تستمر في التنكّر لحقوق الفلسطينيين والبطش بهم؛ ما يضعها ليس في مواجهةٍ مع الفلسطينيين وحسب، وإنما، أيضًا، في مواجهةٍ مع الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي والأسرة الدولية.
وإذا تمكنت السلطة الفلسطينية، ومجمل الحركة الوطنية الفلسطينية، من الارتقاء إلى مستوى المسؤولية، وتبنت استراتيجية مقاومة الاحتلال شعبيًا، ومواجهة إسرائيل على الصعيد الدولي، وطالبت المجتمع الدولي بفرض عقوبات جدية عليها، وتوجّهت إلى مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، لوضع جدولٍ زمنيٍ محددٍ، لإزالة الاحتلال والاستيطان؛ فإنّ ذلك سوف يعزّز من فرص عزل إسرائيل دوليًا، ويجعلها تدفع ثمن استمرار الاحتلال والاستيطان، ويرغمها على الاستجابة للحقوق الفلسطينية.

 

دلالات