معلمو الأردن منهكون... أتعبتهم الحياة والغلاء وشظف العيش

06 أكتوبر 2019
هل تنتهي أزمة معلمي الأردن قريباً؟ (الأناضول)
+ الخط -
يؤكد أستاذ العلوم محمد الذي اعتاد أن ينهي دوامه في المدرسة ليبدأ دوام عمل ثان شاق في توصيل طلبات الطعام إلى المنازل بسيارة صغيرة يتنقل بها في شوارع عمان المزدحمة، أنه من دون هذا المدخول الثاني لا يستطيع تأمين لقمة العيش لأسرته.

كان محمد قد دخل مع أكثر من مئة ألف معلم حكومي آخرين في الثامن من سبتمبر/أيلول في إضراب مفتوح استمر شهرا كاملا مطالبين بعلاوة نسبتها 50 في المائة على راتبهم الأساسي في بلد يبلغ معدل أجور المعلمين الشهرية فيه نحو 600 دولار.

وفجر اليوم الأحد قررت نقابة المعلمين في الأردن إنهاء الإضراب بعد توصلها إلى اتفاق مع الحكومة يحصل بموجبه المعلمون على زيادة تتراوح بين 35 و75 في المائة على رواتبهم الأساسية بدءا من مطلع العام المقبل.

ودعت النقابة نحو مليون ونصف مليون طالب وطالبة إلى العودة إلى مقاعد الدراسة اعتبارا من صباح الأحد في نحو أربعة آلاف مدرسة حكومية، مؤكدة أنها ستتفق مع وزارة التربية على خطة لتعويض الطلبة كل ما فاتهم من دروس.


ويفضل محمد (36 عاما) الحاصل على شهادة بكالوريوس في العلوم ويعمل في مهنة التدريس منذ أكثر من ثمانية أعوام، عدم الكشف عن وجهه واسمه الحقيقي الكامل كي لا يتم فصله من عمله الحكومي، لأن القوانين لا تسمح لموظفي الدولة بالعمل بدوام ثان.

ويقول لوكالة "فرانس برس": "إنني مضطر أن أعمل بعد دوام المدرسة لأن راتبي لا يكفي لشراء الاحتياجات الأساسية للمنزل. الحياة صعبة جدا، وحتى مع هذه الزيادة على راتبي والتي تقدر بما بين 50 و60 دينارا (70 الى 90 دولارا) أنا مضطر لأن أحافظ على عملي هذا لانها غير كافية ودون مستوى الطموح".

ويأتي محمد كل يوم من محافظة مادبا (32 كلم جنوب عمان) ليعمل في توصيل طلبات الطعام إلى المنازل في عمان لمدة ثماني ساعات يوميا بعد انتهاء ساعات الدوام الرسمي للمدرسة.

ويكسب من خلال هذا العمل الإضافي نحو 300 دينار شهريا (حوالى 430 دولارا). ويوضح أن الراتب الذي يتقاضاه شهريا من التعليم يبلغ 430 دينارا (حوالى 600 دولار) يذهب أكثر من نصفه تقريبا للبنوك نتيجة قروض استلفها من أجل إتمام متطلبات زواجه قبل نحو ستة أعوام، ويبقى له مئتا دينار (حوالى 300 دولار)، وهو مبلغ ضئيل للعيش في بلد يشهد غلاء أسعار ويعاني من مشاكل اقتصادية جمة.


ويضيف بحزن "الراتب لا يكفي طبعا، أنا لا أعيش مثل بني آدم. نأكل أكثر أنواع الطعام رداءة ونلبس كذلك ملابس رديئة"، مشيرا إلى أن الكثير من المعلمين الذين لديهم خدمة 15 و20 عاما يضطرون الى شراء ملابس مستعملة.

ويتابع: "مع الأسف، وظيفة الأستاذ صارت من أرذل الوظائف وفي ذيل الوظائف. حتى إنك عندما تتقدم لطلب فتاة للزواج لا يوافق أهلها إذا عرفوا أنك أستاذ مدرسة. هم على استعداد أن يقبلوا بميكانيكي ونجار، ولكن ليسوا على استعداد للقبول بالأستاذ بسبب وضعه الاجتماعي والمادي".

ويستدرك محمد "لست ميتا من الجوع، لكن متطلبات العصر الحالي هي التي تضايقني ويصعب علي ألا ألبيها لأنني سأصبح متخلفا".

ولا يكفي راتب محمد، بحسب قوله، "لشراء ملابس جديدة أو هاتف نقال حديث أو شاشة تلفاز مسطحة أو الاشتراك بخط إنترنت سريع".

كما يشكو محمد من أن "التأمين الصحي للمعلمين سيئ جدا"، قائلا "إذا اضطررت للذهاب لطبيب أو مستشفى خاص مرة واحدة في الشهر، فإنني سأنفق نصف راتبي".

نريد أن نعيش

ويقول الناطق الرسمي باسم نقابة المعلمين نورالدين نديم (49 عاما) الذي يعمل سائق سيارة أجرة بعد انتهاء دوامه كأستاذ تربية إسلامية، لـ"فرانس برس"، إن "كل المعلمين لا يستطيعون أن يعتاشوا بدون عمل ثان، لأن الراتب لا يكفي لإيجار بيت ومصاريف الأولاد والكهرباء والمياه والطعام والشراب".



ولا يخشى نديم أن يكشف أنه يعمل في مكان ثان، ويقول بتحد "الناس يريدون أن يعيشوا، الرواتب تآكلت بسبب التضخم الاقتصادي والغلاء المعيشي ووضع البلد الصعب".

ويتقاضى نديم الذي يعمل في التدريس منذ 23 عاما، 600 دينار شهريا (850 دولارا). ويقول "أشعر بوجع كبير عندما أقود سيارة الأجرة، ويؤشر لي أحد طلابي ويصعد معي في السيارة ويحاسبني بدينار أو دينارين".

ويتساءل بحزن "المعلم عندما يغيب عن بيته 16 أو 18 ساعة، متى سيتسنى له الجلوس مع أهله وأولاده الذين يشتاقون له؟ المعلم عندما يعود الى المدرسة من نوبة حراسة ليلية، كيف سيكون بإمكانه الوقوف متزنا أمام طلابه وهو متعب منهك مرهق؟".

ويروي أن معلمة تعاني من مرض السرطان اضطرت للعمل بعد الدوام، فاكتشفت وزارة التربية الأمر ووجهت لها إنذارا وحسم راتب، وتم تغريمها بـ 2070 دينارا تقريبا (حوالى ثلاثة آلاف دولار) عن الفترة التي عملت فيها".

ويؤكد معلم المدرسة إبراهيم أنه "حتى علاوة الـ50 في المائة لا تلبي الحد الأدنى لمتطلباتهم". ويشير الى أن حصول المعلمين على هذه العلاوة سيعني أن راتبه سيزيد أقل من 90 دينارا (130 دولارا)، متسائلا "هل يعتقدون أن هذا المبلغ كاف لحل مشاكلنا المالية؟".


(فرانس برس)
المساهمون