وكانت صعدة هدفاً للعدد الأكبر من الضربات، في أكثر من يوم. وركزت الغارات على مخازن الأسلحة ومعسكرات التدريب التابعة للجماعة والتجمعات، بالإضافة إلى معسكرات الجيش التي باتت تحت سيطرة وسلطة الجماعة منذ عام 2011. وكذلك بعض المنازل والمقار الحكومية ومقار المؤسسات التابعة للجماعة، وصولاً إلى شبكات الاتصالات الخاصة بالحوثيين والعامة وأخيراً محطات الوقود، سعياً لشل تواصل الجماعة وقطع حركتها وكذلك التأثير على مدى قدرتها على الصمود.
اقرأ أيضاً: اليمن: البحث عن مقرّ ميداني للشرعية
وكثّفت قوات تحالف "عاصفة الحزم"، منذ أيام، ضرباتها الجوية في المحافظة على نحو غير مسبوق، ما يبعث تساؤلات عن مدى الأضرار المحتملة التي لحقت بالحوثيين في معقلهم الأساسي، مع دخول العمليات أسبوعها الرابع واستمرار تركيزها على صعدة، وهل لا يزالون قادرين على تهديد الحدود السعودية، في ظل الأنباء عن محاولاتهم القيام بعمليات نوعية على الحدود.
وإلى جانب الغارات الجوية، كانت سلسلة المناطق الحدودية تتعرض لقصف مدفعي وصاروخي من قبل القوات البرية السعودية، حيث يتم استهداف الأهداف الثابتة أو المتحركة التي تضم مسلحين يحاولون فتح جبهات قتال في المناطق الحدودية، فضلاً عن محاولة اختراق الحدود رداً على الضربات الجوية. وحسب المتحدث باسم التحالف العشري، أحمد عسيري، فإن الحوثيين حاولوا استدراج التحالف لمعارك برية على الحدود، وهو ما تتجنبه القوات السعودية بسبب وعورة المناطق الحدودية التي يتحصن بها الحوثيون. ومن شأن المواجهات البرية أن تصب بمصلحة الحوثيين وتلحق بالقوات المهاجمة الخسائر، كما كان يحدث أثناء الحروب بين الحوثيين والقوات الحكومية اليمنية على مدى السنوات الماضية.
وبالنظر إلى نوعية وحجم الضربات في صعدة، وخصوصاً تلك التي تستهدف الاتصالات ومخازن الوقود، من الواضح أن الحركة الحوثية أصبحت في وضع لا تُحسد عليه، خصوصاً إذا ما كان هناك خسائر بشرية في صفوف مقاتليها وقياداتها، الأمر الذي يجعل من الصعب عليها أن تصمد معه فترة طويلة. لكن الأرجح أن الخسائر، نتيجة الضربات الجوية، لا تقطع أمام الحوثيين السيطرة الميدانية والقدرة على استعادة التنظيم.
ومع ذلك، يرى أحد أبناء صعدة، الذين خبروا الحروب الستة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الأمر مرتبط بما سيرافق الحرب. فإذا ما تزامن مع عمل سياسي وأمني يعيد الأجهزة الحكومية إلى صعدة، لتتابع باستمرار النشاط الحوثيين وتمنع وصول الأسلحة أو إعادة ترتيب الجماعة نفسها كقوة مسلحة، فإن النتيجة على الأرجح ستكون مختلفة وتدفع بالحوثيين إلى العمل السياسي بعيداً عن السلاح.
وسبق أن دارت في صعدة ست حروب بين الحوثيين وبين الحكومة، اكتسبوا منها الخبرات وحصنوا الكهوف. ومنذ العام 2011 أصبحت المحافظة تحت سيطرتهم حصرياً، وبسبب الاضطرابات في البلاد والصراع السياسي الذي انشغلت في ظلّه الحكومة والأطراف السياسية في صنعاء، تمكن الحوثيون خلال هذه الفترة من الحصول على كميات كبيرة ونوعية من الأسلحة، وبناء التحصينات والمعسكرات، فضلاً عن استيلائهم على ما قوامه خمسة ألوية عسكرية كانت تتبع الفرقة الأولى المدرع، لكنها أصبحت بحكم المُحاصرة والمسيطر عليها من قبل الجماعة. وكانت موارد المحافظة وميزانيتها الممنوحة من الحكومة، تحت تصرف الجماعة خلال الأربع السنوات الماضية.
وتمتاز صعدة التي تزيد مساحتها عن 11 ألف كيلومتر، بجغرافيا وعرة، خصوصاً في المناطق الحدودية مع السعودية، وهي معقل عقائدي، بالنسبة للتيار السياسي الزيدي، إذ بدأ فيها الحوثيون بالنشاط الفكري التنظيمي منذ تسعينيات القرن الماضي، وتطور النشاط إلى "تنظيم الشباب المؤمن"، الذي تسلح لتبدأ الحرب الأولى عام 2004، تلتها خمس حروب حتى العام 2010، في كل حرب كانوا يكسبون خبرات وأسلحة. ومن الطبيعي بعد كل ذلك، أن الجماعة كانت تتوقع حرباً سابعةً أو حملة سعودية عليها بعد أن شاركت المملكة جزئيا في الحرب السادسة ضد االحوثيين. وقامت الجماعة ببناء وتطوير قدراتها خلال الأربع سنوات الماضية، على هذا الأساس. وهو ما يمكن تلمسه من خلال حرص زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي، على عدم مغادرة صعدة إلى أي محافظة أخرى على الرغم من توسع جماعته إلى صنعاء والعديد من المدن.
يُوصف الحوثيون في المحافظات التي توسعت إليها الجماعة، مثل عمران وصنعاء بأنهم "متحوثون" (أي ليسوا جزءاً أصيلاً عقدياً من الجماعة)، مع وجود حوثيين تنظيميين من صلب الحركة سياسياً وعقائدياً في مختلف المحافظات، غير أن "صعدة" كانت مجالاً للتحرك التنظيمي العقائدي وموطن القوة العسكرية الحوثية، خلافاً للقوات النظامية الموالية للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، أو المعسكرات التي سيطر عليها الحوثيون وعينوا عليها قادة للجماعة، لكنها ليست مضمونة تماماً للحوثيين.
اقرأ أيضاً: "عاصفة الحزم": اليمن والخيار الصعب