يُحاصَر أهالي الساحل الغربي من الموصل، المعروف باسم الساحل الأيمن، من جميع الجهات، بعد انطلاق المرحلة الثانية من معارك استعادة المدينة التي أعلنها رئيس الوزراء، حيدر العبادي، أمس الأحد. وبات المدنيون عالقين بين كماشة الهلاك جوعاً أو حرقاً بالقصف الجوي والصاروخي أو التفجيرات الانتحارية التي ينتهجها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) كوسيلة دفاع عن مناطق نفوذه داخل المناطق السكنية.
ومنذ الساعات الأولى على بدء العملية العسكرية بالقصف العنيف والمكثف، سقط 51 قتيلا وما لا يقل عن 80 جريحا من المدنيين، بحسب مصادر طبية داخل المدينة، حتى ظهر اليوم الاثنين.
ومع افتقاد المدينة القدرة على علاج المصابين بسبب القصف المستمر للمستشفيات والمراكز الطبية، يفقد كثير من الجرحى حياتهم بسبب النزف المستمر ونقص المستلزمات.
يقول فايز الشمري، أحد وجهاء الموصل "المدنيون في الساحل الأيمن محاصَرون من جميع الجهات، ولا توجد ممرات آمنة لهم، وهذا يرعبنا خشية وقوع مجزرة بشرية غير مسبوقة بحقهم، وفعلاً هذا ما يحصل للأسف مع بدء انطلاق المرحلة الثانية من المعارك".
وبيّن، لـ"العربي الجديد"، أن "من لم يمت من الجوع الذي رسم ملامحه على وجوههم كباراً وصغاراً، سيموت قصفاً، لعدم أخذ الحكومة في الاعتبار وجود أكثر من 600 ألف مدني في الساحل الأيمن للمدينة.
خبراء وعسكريون انتقدوا آلية القوات العراقية في التقدم نحو الساحل الأيمن، معتبرين أنها تتسبب في وقوع مجازر بشرية بسبب حجم السكان الكبير واستمرار القصف العشوائي الجوي والبري على الأحياء السكنية.
واعتبر الخبير العسكري، حميد الجنابي، أن "القوات العراقية والتحالف الدولي أدركوا صعوبة المعركة في الساحل الأيمن، لذلك بدؤوا بانتهاج سياسة الأرض المحروقة عبر القصف المكثف، في حين لا يجد الأهالي ممرات آمنة للفرار من جحيم الموت".
وأوضح الجنابي أن "الأسلحة المستخدمة في المعركة هي المدفعية الثقيلة ومدافع الهاون وراجمات الصواريخ، وتضرب عشوائيا من دون تحديد أهداف، ما يعني وقوع أعداد كبيرة من المدنيين، إضافة إلى المجازر التي يرتكبها طيران التحالف الدولي والطيران العراقي يومياً في المدينة".
وكشفت مصادر طبية قريبة من الموصل أن "50 مدنياً، بينهم نساء وأطفال، قُتلوا، أمس، بقصف من طائرات التحالف استهدف عمارة سكنية في الجانب الأيمن، وأكثر من 70 جريحاً، وسط شح الدواء والخدمات الطبية اللازمة لإنقاذ حياتهم".
وتوقعت الأمم المتحدة، في بيان لها، أمس، نزوح نحو 400 ألف مدني من الساحل الأيمن في الموصل، مع بدء المرحلة الثانية لاستعادة السيطرة على المدينة، لكن هذه التوقعات قد لا ترى النور، لعدم وجود أي ممرات آمنة للمدنيين حتى اللحظة.
وحذّر حقوقيون وناشطون من مغبّة حدوث ما وصفوها بالكارثة الإنسانية في الموصل، وسط تعتيم إعلامي عراقي غير مسبوق وانقطاع الاتصالات، ما يصعّب عمليات التواصل مع السكان في الساحل الأيمن لمعرفة مصيرهم المجهول.
وبيّن الحقوقي والناشط المدني، صباح العبيدي، أن "رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، أعلن انطلاق المرحلة الثانية من معارك الموصل من دون أية استعدادات لحماية المدنيين هناك، ومع أول يوم لانطلاق عملية تحرير الجانب الأيمن في الموصل قُتل وجُرح أكثر من 120 مدنياً بقصف جوي لطائرات التحالف الدولي والقوات العراقية استهدف الأحياء السكنية".
وكشف العبيدي، لـ"العربي الجديد"، أن "سكان الجانب الأيمن لم يعد بمقدورهم الخروج من منازلهم بسبب الجوع والهزال الذي أصابهم نتيجة نقص الغذاء والدواء، طيلة الفترة الماضية، وعدم وجود ممرات آمنة لخروجهم، وهذا ينذر بكارثة إنسانية غير مسبوقة في تاريخ العراق الحديث".