معركة جرد عرسال: تهويل إعلامي

24 سبتمبر 2014
خلال تشييع أحد قتلى الجيش اللبناني (محمود الزيات/فرانس برس)
+ الخط -

أصبحت عرسال (شرقي لبنان على الحدود مع سورية) على رأس ملف الأمن القومي اللبناني. منها دخلت المجموعات المسلحة إلى لبنان قبل شهر (مطلع أغسطس/آب الماضي)، وعبرها عاد جثمانا قتيلي الجيش على يد تنظيم "داعش"، وفيها تحشد المؤسسة العسكرية آلافاً من جنودها اليوم. باختصار، عرسال وجردها، هما المدخل اللبناني لانضمام لبنان إلى الحرب الكونية على تنظيم "الدولة الاسلامية".

لا تزال أصوات الاشتباكات تتردّد على مسامع أهالي عرسال من حين لآخر. منها ما هو قريب يمكن سماعه والخوف منه، ومنها ما هو بعيد خلف الحدود داخل القلمون السورية، عند المقلب الآخر من جرد عرسال. لكن الأساس في أمن البلدة وأهلها يبقى ملف الجنود اللبنانيين المخطوفين لدى كل من داعش وجبهة النصرة. توتّرت الأوضاع مساء السبت الماضي، لدى إعلان الأخيرة إعدام الجندي محمد حمية. خُطف خمسة عرساليين على طريق بعلبك ــ الهرمل، ودهم الجيش منازل ومخيّمات للاجئين السوريين في البلدة ليعتقل العشرات من الشبان. تحرّكت جبهة الجرد وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي أنباء عمّا يشبه المناورة، نفّذتها وحدات الجيش على مدخل هذا الجرد. حتى أنه بات في عرسال وحدها أكثر من ثلاثة آلاف جندي لبناني، من اللواء الثامن ولواء المجوقل وفوج التدخل الخامس.

ويترافق هذا التوتير مع كل ما يشاع عن "خطة للقضاء على المجموعات المسلحة في جرود عرسال"، ويضاف إليها ما سمّاه أنصار الممانعة في بيروت "معركة القلمون الكبرى". كل هذا التضخيم الإعلامي في جهة، وواقع الميدان شرقي لبناني في جهة ثانية. يؤكد أحد ضباط الأمن المطلعين على الأوضاع في البقاع اللبناني لـ"العربي الجديد"، أنّ "لا إمكانية للقيام بمهمة مماثلة، لا عسكرياً ولا لوجيستياً، لا تسليحاً ولا عتاداً" بالنسبة إلى الجيش اللبناني. أما الخلاصة الفعلية لانتشار الجيش في عرسال ومحيطها، فهي أنه لا يتعدّى هدفه "إقفال الطريق أمام المجموعات المسلحة ومنعها من التقدم باتجاه البلدة، لا أكثر ولا أقل". أي أنّ الدولة اللبنانية تعمل اليوم فقط على تشكيل خط دفاعي أمامي بوجه هذه المجموعات، أو ما بات يعرف بـ"خطة عزل جرد عرسال".

يمكن لهذا الواقع ان يوضح كل التوتير التي شهدته البلدة في الأيام الماضية، أي بعد ساعات من إعدام حمية. حاولت الدولة اللبنانية، وعلى رأسها قيادة الجيش، التنفيس عن أزمة الإعدامات المتلاحقة بحق جنودها، فتحركت الآليات العسكرية وأطلقت نيرانها، ودخلت المجنزرات الأحياء السكنية و"أعدمت" عشرات الدراجات النارية، كما أوقف الجيش مئات اللبنانيين والسوريين في إجراء شكلي للتحقيق معهم، وتعرض عدد منهم للضرب والإهانات. وكل ما عدا ذلك، عجز سياسي وآخر عسكري، عن إطلاق الجنود المخطوفين.



في هذا الإطار، يؤكد عرساليون لـ"العربي الجديد" أنّ الحواجز التي أقامها الجيش عند معابر عرسال الشرقية، باتجاه الجرد وسورية، أصبح عبورها ضرباً من الجنون، ولو أنها طرقات عادة ما يقطعها مزارعون وفلاحون. فإضافة إلى التأكد من الأوراق الثبوتية لأي عابر، يمنع الجيش أي آلية غير مرخّصة وغير مسجلة لدى الدولة اللبنانية من المرور. "حتى الدراجات النارية ممنوع عليها المرور"، كما أنّ صهاريج المازوت والشاحنات الصغيرة، الحواجز مقفلة أمامها بشكل مطلق، ما يفسّر عمل قيادة الجيش على تطويق أي محاولة لتهريب المواد الغذائية والأولية إلى الجرد، رغم أن هذا الجرد لا يقطنه مسلحون حصراً، بل مزارعون وعمال مقالع أيضاً.

على الرغم من كل ذلك، يشعر أهالي البلدة اليوم براحة أكبر وبطمأنينة أكثر. هم فعلاً يتعرّضون لضغط أمني وما يشبه الحصار غرباً وشرقاً، إلا أنّ الاشتباكات لم تعد في أحيائهم وبين منازلهم. حتى أنّ توجيه ذوي الجنود المخطوفين اتهاماتهم إلى آل الحجيري العرساليين، أي رئيس البلدية علي الحجيري وأخيه الشيخ مصطفى الحجيري، بالمساعدة على خطف أبنائهم، أراح أغلبية العائلات العرسالية الأخرى. لم يعد أبناء عائلات فليطي وبريدي وعودة وغيرها، يشعرون بالخوف نفسه خلال انتقالهم من وإلى بلدتهم. إلا أنّ ذلك يعني، بشكل أو بآخر، إطلاق موجة شقاق بين الأهالي، بحيث أصبح الحجيريون (أكبر عائلات عرسال) مطلوبين، بعكس باقي الأسر.

المساهمون