الخيبات وحدها تصلنا من القاهرة. خيبات من النوع المحبط، لكنها أيضاً من النوع المضحك (جداً). خطاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الأمم المتحدة مثلاً وكلامه الواثق عن سقف حرية التعبير في مصر. لكن من سوء حظّ الرئيس أن أياماً قليلة فقط فصلت بين كلامه "السريالي"، وبين قضية باسم يوسف الجديدة، لتفسد عليه سحر إطلالته الأممية الأولى.
ما هي القضية؟ ببساطة: كان يوسف عائداً من نيويورك هو أيضاً، التقى بعدد من الإعلاميين في المطار، سخر من خطاب السيسي في الأمم المتحدة، واتّهم الصحافيين بمحاباة السيسي وتملّقه، مستعملاً شتيمة (رافقت بالمناسبة الحملة الانتخابية للسيسي، واستعملها معارضوه بكثرة على مواقع التواصل). استفزت الشتيمة "حارس الأخلاق الحميدة" المذيع خالد أبو بكر. فقرّر الأخير، كأي تلميذ نجيب للنظام، نشر ما قاله باسم على "تويتر". ثم غرّد مرة ثانية متفجعاً أن باسم شتم "وكان هناك سيدات".
لن ندخل في تفاصيل ما حصل بعد ذلك، من نقاش بين مؤيدي السيسي ومعارضيه، وبين الهجمة التي قرّر عدد من الإعلاميين قيادتها لتأكيد ولائهم التام للنظام، ورئيسه. ولا حتى الحملة التي قادها بعض مقدمي الـ"توك شو" ضدّ باسم يوسف، مستخدمين كلاماً ينضح ــ كما يقول المصريون ــ بـ"نفسنة" كبيرة، واضح أنهم كبتوها طيلة السنوات الثلاث الماضية.
ما يهمّنا هو القاع الذي يتخبط فيه الإعلام المصري. القاع الذي يتنافس على احتلال المشهد فيه القسم الأكبر من الإعلاميين. أما هؤلاء الذين كادوا يختنقون هناك، داخل هذا المشهد، فأُحرجوا ثم أُخرجوا: بلال فضل، يسري فودة، تشويه صورة ريم ماجد... وطبعاً باسم يوسف.
اليوم، يحاسب الإعلامي الأنجح والأشهر بعد ثورة 25 يناير، على كلام يقوله قسم كبير من الشعب المصري. كلام ينتشر على مواقع التواصل الاجتماعي ويجاهر به كل من ضاق بالحكم الحالي. يُحاسَب باسم يوسف على أداء، كان الجميع يجده مذهلاً أيام محمد مرسي. وقبل كل شيء يحاسب لأنه رفض التدجين، رفض السير مع القطيع وراعيه. رفض ذلك خلال الحكم السابق، ورفضه حالياً.
لا يحاسب باسم يوسف لشخصه، أقله هذا ما يبدو حتى الساعة، يحاسب عن كل ما سبق، عن نهج كامل. ونحن نتابع تفاصيل ازمة باسم يوسف الأخيرة، نضحك. نضحك لأن اسمه مرتبط أساساً في ذاكرتنا، ببهجة معينة، بتقليد رافقنا لأشهر طويلة، تقليد جعلنا نضحك على مآسينا.
ثم نضحك اطمئناناً، لأن باسم أكد كلامه على تويتر، ساخراً من خالد أبو بكر... إنها معركة أخرى أبطالها هذه المرة قلّة قليلة ممّن قرروا الامتناع عن (الشتيمة نفسها التي استخدمها باسم) للنظام الجديد، وعشرات الصحافيين المستفيدين من زمن الإعلام الرديء ليصنعوا نجومية. هنيئاً لهم نجومية التصفيق للحاكم، وهنيئاً لنا الهامش السياسي الذين حشرونا فيه. هامش صغير وضيّق، هامش صادق. أنظروا إلى باسم يوسف لتتأكدوا. إنه الهامش الذي نحبّ.