معركة حزب الله المصيرية
لم يُشارك حزب الله في معارك الدفاع عن إدلب، على الرغم من أن بعض العارفين بشؤون الحزب يقولون، إنه لم يسبق أن نشر مقاتلين في إدلب. لكن القراءة الهادئة لوضع الحزب في سورية، في الأشهر الأخيرة، تُشير إلى تراجع كبير في الواقع الميداني. ففي شهر فبراير/شباط، كانت خطة الحزب تقتضي السيطرة على الجنوب السوري والوصول إلى الحدود مع الأردن والجولان المحتل، لاستكمال حصار دول الخليج من جهة الأردن من جهة، ولإعادة الاعتبار لنظريّة أن "النظام السوري هو من يحمي الحدود مع إسرائيل". لكن الهجمات المتتالية على الجنوب السوري، انتهت بخسارة كبيرة، انتقل بعدها مقاتلو المعارضة من حالة الدفاع عن النفس إلى الهجوم، وهو ما تُرجم في تحرير بلدة بصرى الشام.
في الوقت عينه، كان مقاتلو الحزب على أبواب إعادة بلدتي نبّل والزهراء المحاصرتين، في مدينة حلب، وقطع طريق إمداد مقاتلي المعارضة في مدينة حلب عن ريف المدينة، وهو ما يعني السيطرة على المدينة. لكن الوقائع في الميدان غيّرت الصورة. خسر الحزب المعركة العسكرية في ريف حلب، وبات مقاتلو المعارضة أقرب للسيطرة على المدينة. يعترف حزب الله بهذه الوقائع، ويعتبر أن السيطرة على إدلب كان تطوراً ميدانياً مهماً، لكنه لا يعتقد أن هذه التطورات تعني تبدلاً استراتيجياً، إذ لم يقترب الهجوم من المعاقل الأساسيّة للنظام، أي دمشق والساحل السوري "وبالتالي لا تزال الأمور الميدانيّة في إطار الكرّ والفرّ من دون أن ننكر أن المعارضة حققت تقدماً" كما يقول أحد العارفين بشؤون الحزب لـ"العربي الجديد". كما يضع الرجل التحوّلات في صفوف المعارضة السورية وتوحيد فصائلها في إطار "عاصفة الحزم" السعوديّة.
لا يُنكر حزب الله، بأن هذه الوقائع الميدانيّة أثرت بشكلٍ كبير على معنويات هذا الفريق، كما لا يُنكر بأن هناك جزءاً من النظام السوري وحلفائه، بات يرى بأن إيران تخلّت عن نظام الأسد، لكنّه يؤكد أن الدعم الإيراني لا يزال قائماً، ويتمسك بمقولة الأمين العام للحزب، حسن نصرالله، بأنه لا يوجد أكثر من خمسين عسكرياً إيرانياً في سورية. سيخرج اليوم، نصرالله في خطاب ليتوجّه لجمهوره في هذا السياق، بهدف رفع معنويات فريقه.
يعرف حزب الله أن معركة القلمون الغربي باتت أكثر من مصيريّة. ليس لأهميّة القلمون فحسب، بل لكلّ الوقائع الميدانيّة في سورية. فخسارة القلمون الغربي، تعني تهديد دمشق مباشرة، وتعني فشل حزب الله في تأكيد دوره الإقليمي، وهو ما يُشير إليه أحد العارفين بشؤون الحزب، الذي يقول لـ"العربي الجديد" إنه بعد "كل التحضيرات الإعلاميّة والميدانيّة، إذا خسرنا في القلمون، فهذا معناها: ما الذي نفعله في سورية؟".
تشير المعطيات إلى أن الحزب يواجه مشكلة مالية، تُرجمت بتقلّص حجم المخصصات الشهريّة لحلفائه في لبنان. كذلك تراجع الوجود العسكري للحزب على الخريطة السوريّة، فبعد كلّ التمهيد لسيطرته على مساحات واسعة من سورية، بات الخطاب، اليوم، تحت عنوان حماية "ظهر المقاومة والبلدات الحدودية"، وطريق دمشق ــ حمص. مع الإشارة، إلى أن الجيش اللبناني بات قادراً على حماية الأراضي اللبنانية، كما تؤكّد قيادته، خصوصاً بعد السلاح النوعي الذي بدأ يتلقاه، وقدرته العالية على تجنيد المقاتلين بسبب ثقة اللبنانيين فيه. إذاً، يخوض حزب الله معركةً مصيريّة. خسارتها ستكون قاسية وتُهدد "دوره الإقليمي" وانتصاره فيها، قد لا يكون له قيمة، في حال نجحت المعارضة في تحقيق انتصارات في دمشق أو في الساحل السوري.
اقرأ أيضاً: "معركة الربيع": تسهيل تمدّد المتشدّدين هدف حزب الله وإيران
ما أهميّة معركة جرد القلمون؟
استوعبت فصائل المعارضة السورية الواقع الميداني بعدما خسرت مدن وبلدات القلمون، باتجاه التحوّل إلى أسلوب حرب العصابات. واستطاعت هذه الفصائل تجاوز الفخّ الذي أوقع به تنظيم الدولة الإسلاميّة (داعش) بقية الفصائل، من خلال الهجوم على الجيش اللبناني في بلدة عرسال الحدوديّة، وذلك بعكس رغبة المعارضة السوريّة.
انطلقت المعارضة باتجاه حرب العصابات، وباتت توجّه ضربات متتاليّة لقوات حزب الله، إن عبر استهداف النقاط الثابتة، أو خطوط إمداد الحزب. اللافت في هذا السياق، أن أهم الضربات وُجهت خلال فصل الشتاء، وما يعنيه من صعوبة في الحركة، ومنطق الأمور يعني أن هذه العمليات ستتزايد مع استقرار الطقس، كما ستكون أكثر نوعيّة بعد حصول المعارضة على صواريخ من نوع "كورنيت" و"كونكرس" و"ميلان" و"تاو". وهذه الصواريخ تضع أوتوستراد دمشق ــ حمص (الذي يصل دمشق بالساحل السوري) في مرمى استهداف قوى المعارضة.
من هنا، فإن معركة القلمون الغربي، تُعدّ أساسيّة للنظام السوري وحلفائه للحفاظ على التواصل بين دمشق والساحل السوري، وبين العمق اللبناني ودمشق والساحل السوري.
فالنظام خسر في الأسابيع الماضية آخر معبر حدودي له مع الأردن، وسبقه خسارة المعابر الحدودية مع العراق وتركيا، وبالتالي تبقى الحدود البريّة اللبنانيّة، هي الطريق الوحيد الذي يصل النظام بالعالم الخارجي، وكان لهذه الخسارة أثرها الاقتصادي والمعنوي الكبير. فمنطقة القلمون الغربي، تُعدّ أساسيّة لتأمين سلامة طريق بيروت ــ دمشق، التي كانت تُعتبر جزءاً من الخطوط الحمر في سورية، مثلها مثل معبر نصيب والدخول إلى دمشق ومعركة الساحل.
وفي حال سار النظام، ومن خلفه إيران، في خيار التقسيم أو "الدويلة البديلة"، أي دويلة الساحل السوري، فإن منطقة القلمون تُعد الشريان الأساسي لهذه الدويلة، التي تكاد تكون غير قابلة للحياة بدونها، إذ تفقد الصلة الجغرافيّة بين دمشق والساحل، كذلك بين العمق اللبناني (ذي الطابع الشيعي) وهذه الدويلة.
اقرأ أيضاً: معركة القلمون: "جيش الفتح" يستنسخ تجربتي إدلب وجسر الشغور