ووفقاً لتأكيدات من مصادر عسكرية ومحلية، فإن الإعلانات الحكومية عن اقتحام الفلوجة أو التقدم داخل أحياء المدينة غير صحيح إطلاقاً، ولا يعدو حتى الآن عن كونه مجرد إعلان يصبّ في إطار الحرب النفسية والإعلامية. وبحسب التطورات الأخيرة، فإن القوات المهاجمة باتت تستخدم أسلوب الكثافة النارية الكبيرة الموجّهة نحو المدينة، وتحديداً نحو ما يُعرف بخطوط الصدّ التابعة لـ"داعش" على أطراف الفلوجة.
من جهته، يشير قائد المحور الغربي بمعارك الفلوجة العميد الركن حسين جاسم، إلى أن "المعارك لم تتعثّر، لكن استعجال البعض بالنصر والإعلان أنه سيدخل الفلوجة سريعاً هو ما جعل الناس تشعر بالتعثر". ويضيف جاسم لـ"العربي الجديد"، "نقاتل ونستنزف العدو والنهاية يجب أن تكون لصالحنا لا صالحهم".
في غضون ذلك، تحدث ناجون لـ"العربي الجديد" عن حجم المعارك والقصف في المدينة ومحطيها. وفي السياق، يقول محمد علي، لـ"العربي الجديد"، إن "المدينة من الداخل تعيش كما لو أنها داخل كتلة لهب، فآلاف المنازل دُمّرت والصواريخ لا تتوقف". ويبيّن أن "المعارك في محيط الفلوجة لم تتوقف، وداعش يستخدم أسلوب القتال الأفغاني في المعارك، بمعنى أن يضع كل مقاتل منهم نفسه في حفرة ضيقة، لا تكفي إلا له ويبعد عن زميله مسافة لا تزيد عن 40 متراً لتجنّب الصواريخ والقصف الجوي". ويتوقع علي أن "تكون الفلوجة على خطى الرمادي أطلال مدينة أو مدينة من دون أطلال أصلاً، إذا ما استمر القصف بهذا الشكل".
وبينما لا تزال المعارك على أسوار المدينة من محاورها الأربعة، تستمرّ عمليات القصف الصاروخي لمليشيات "الحشد الشعبي" المدعومة من قوات الحرس الثوري الإيراني، والذي حجز هو الآخر مكاناً له في هذه المعركة. ومع ارتفاع عديد القوات المتواجدة في محيط الفلوجة إلى 41 ألف عسكري وعنصر مليشيا، تكشف مصادر عسكرية في بغداد لـ"العربي الجديد"، أن "27 ألفاً من العناصر الـ41 ألفاً هم من مليشيات الحشد، في مقابل 14 ألف جندي وعنصر أمن نظامي فقط".
وفي موازاة تصاعد دور المليشيات في مقابل غياب واضح لدور قوات الجيش النظامي على الأرض، تستمرّ الانتهاكات التي يرتكبها أفراد من مليشيات "الحشد"، غير أن الحديث عن مليشيات "الحشد" بشكل عام، لم يعد منصفاً كما يعتبره مراقبون، خصوصاً مع تباين مواقف فصائل "الحشد" من الانتهاكات.
ووفقاً للقيادي في جبهة الحراك الوطني، محمد عبد الله، فإن "غالبية الانتهاكات الواقعة بمحيط الفلوجة تنسب إلى مليشيات ممولة إيرانياً وأشرف الحرس الثوري على تأسيسها ولا قدرة أو سلطة لرئيس الوزراء حيدر العبادي عليها، وأبرزها مليشيات حزب الله العراقي، والعصائب، والخراساني، وبدر، والنجباء، والبدلاء، وجند الإمام علي، وكتائب الإمام علي، وسرايا عاشوراء، وكتائب سيد الشهداء، ولواء أبو الفضل، وفاطميون". ويضيف عبد الله أنه "تم جمع 21 شهادة مسجلة لناجين من مجازر الصقلاوية ومعسكر طارق شمال وشرق الفلوجة فضلاً عن صور وأفلام مصورة، وتوكيل محامين في لندن وفيينا للبدء بتدويل تلك الجرائم وتحميل الحكومة المسؤولية الكاملة كونها أعلنت في أكثر من مرة أنها مسؤولة عن الحشد الشعبي وهو مرتبط بها". كما لفت إلى "أن بعض المحامين أجانب وتطوعوا بشكل مجاني للقضية".
وتنشر المليشيات بشكل يومي صوراً لعناصرها مكشوفي الوجوه وهم يتناوبون على ارتكاب انتهاكات. وفي هذا السياق، يقول عضو الجبهة الوطنية العراقية، حميد السعدي، لـ"العربي الجديد"، إن "الصور المقززة لتلك الجرائم وبوجوه مكشوفة، تؤكد أن المليشيات باتت أعلى من الدولة ولا سلطة لأحد عليها وتفعل ما يحلو لها". ويضيف السعدي أنه "تمّ توثيق أكثر من 4 آلاف حالة انتهاك بين قتل وتعذيب وسرقة وسطو مسلح واغتصاب رجال، ارتكبتها مليشيات الحشد بمحيط الفلوجة"، مبيناً أن "المعركة أخذت منحى طائفياً انتقامياً، وإيران هي من تمسك زمام الأمور".
مع العلم أن عضو لجنة الأمن البرلمانيّة حامد المطلك، كشف، أمس الأحد، اختفاء أكثر من 650 شخصاً من بلدة كرمة الفلوجة، مشيراً إلى أنّ "عدداً منهم قُتلوا على يد مليشيات الحشد الشعبي والشرطة الاتحادية"، مطالباً المجتمع الدولي بوضع حدٍّ لهذه الانتهاكات. وأفاد المطلك في بيان صحافي بأنّ "653 شخصاً من مدينة الكرمة اختفوا، فيما قُتل 40 منهم على أيدي عناصر من الحشد الشعبي والشرطة الاتحادية". ودعا المطلك، الأمين العام للأمم المتحدة والمنظمات الدولية، بـ"التدخل لوقف التدخلات الخارجية"، مطالباً العبادي بـ"إسناد مهمة دخول الفلوجة للجيش والحشد العشائري وعدم دخول الحشد الشعبي والشرطة الاتحادية إليها".
في هذه الأثناء، يصف عضو الحزب الشيوعي العراقي موفق الكرخي، تعيين وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري، للجنرال الإيراني قاسم سليماني، مستشاراً عسكرياً للعراق، بأنه "محاولة للهروب من الإحراج بعد أن دخل سليماني العراق من دون إذن، وبات يتصرف كحاكم عسكري ولا قدرة للعبادي على إبعاده". ويوضح الكرخي أن "الدعم الشعبي لمعركة الفلوجة انخفض، لا بسبب تعثّر المعارك، بل لأنه رافقتها صور بشعة من التعذيب والطائفية وروح الانتقام وجرائم السرقة وغيرها التي صُوّرت على مواقع التواصل الاجتماعي أخيراً"، على حد قوله.
من جهته، يلفت عميد في الجيش لـ"العربي الجديد"، إلى أن "السلطة والقيادة اليوم باتت بيد المليشيات، والجيش مجرد واجهة". ويضيف أنه "في التاسع من الشهر الحالي، تعرّض ثلاثة ضباط للضرب والإهانة على يد عناصر من مليشيا حزب الله العراقي، ولم يتمكن قائد الجيش بالفلوجة الفريق عبد الوهاب الساعدي، من اتخاذ أي تصرف ضد عناصر المليشيا تلك، وهو ما دفع بالضباط إلى ترك ساحة القتال".