يتواصل توافد الحشود العسكرية من المليشيات والقوات الحكومية العراقية للأسبوع الثاني على التوالي إلى محيط مدينة الفلوجة، الواقعة على بُعد 55 كيلومتراً غرب العاصمة بغداد، تمهيداً لبدء عملية عسكرية أطلق عليها قادة مليشيات "الحشد الشعبي" اسم عملية "قطع رأس الأفعى"، فيما سمتها وزارة الدفاع العراقية "فجر الفلوجة"، ضمن المساعي لدخول المدينة واستعادتها من سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
ويُقدّر عدد قوات المليشيات في المنطقة بنحو 20 ألف عنصر ممثلة بمليشيا "حزب الله" و"بدر" و"الأبدال" و"النجباء" و"المهدي" و"العصائب" وكتائب صغيرة أخرى، إضافة إلى قوات الفرقتين السادسة والأولى، ولواءين مدرعين وست كتائب صاروخية.
وتُعدّ مدينة الفلوجة من أولى المدن العراقية التي خرجت عن سيطرة الدولة وسقطت بيد "داعش"، قبل نحو ستة أشهر على سقوط الموصل. وتكتسب الفلوجة أهمية دينية كبيرة ورمزية لدى العراقيين السنّة، ولها يُنسب الفضل في إطلاق الشرارة الأولى للمقاومة العراقية ضد الأميركيين، وخاض أبناؤها معركتين مع القوات الأميركية، انتصروا بواحدة منهما، وخسروا الثانية التي اتُهم الجيش الأميركي باستخدام الفوسفور الأبيض المحرم دولياً خلالها كسلاح ضد المسلحين المتحصنين في المدينة آنذاك. وتبلغ مساحة الفلوجة والبلدات الصغيرة التابعة لها والمحيطة بها من اتجاهاتها الأربعة، 64 كيلومتراً ويشطرها نهر الفرات إلى جزأين، ويقطنها نحو مليون نسمة وهي ذات خليط من طابع عشائري وآخر مدني.
وبلغت الحشود العسكرية حول الفلوجة ذروتها يومي الأربعاء والخميس بوصول قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني وقادة آخرين، منهم أبو مهدي المهندس وهادي العامري وقيس الخزعلي، وهم من قادة المليشيات الأبرز في العراق، فضلاً عن حشود لبضع مئات من الحرس الثوري الإيراني.
وحاولت تلك القوات جس نبض المقاتلين في المدينة، عبر شن هجومين يومي الأحد والثلاثاء الماضيين من المحور الشمالي والغربي، انتهيا بفيلم بثته وكالة "أعماق" التابعة لتنظيم "داعش" يُظهر صور جثث مكدسة قالت إنها تعود لعشرات المقاتلين من المليشيات اقتربوا من المدينة.
اقرأ أيضاً: مساع أميركية لتفريغ الفلوجة من سكانها بذريعة الحرب
وكشف مصدر محلي في الأنبار، لـ"العربي الجديد"، أنّ "نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، والقيادي في الحشد الأمين العام لمليشيا بدر هادي العامري وصلا إلى مشارف الفلوجة"، موضحاً أنّهما "عقدا فور وصولهما اجتماعاً مع قادة فصائل الحشد المتواجدين قرب المدينة"، مؤكداً أنّ "ذلك يوحي بقرب عملية اقتحام المدينة وخصوصاً أن سليماني كان على رأس الحاضرين".
من جهته، قال مصدر مقرّب من "الحشد"، لـ"العربي الجديد"، إنّ "نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي عقد اجتماعاً مع المهندس والعامري". وأوضح أنّ "الاجتماع الذي عُقد بمكتب المالكي استمر لعدة ساعات، وبحث فيه المجتمعون وضع خطة لاقتحام مدينة الفلوجة، ويمكن أن يكونوا قد حدّدوا ساعة الصفر لانطلاق العملية".
وعلى الرغم من آمال سكان الفلوجة بالعودة لمنازلهم وطرد تنظيم "داعش" من المدينة، إلا أن وصول سليماني وقادة المليشيات إلى محيط المدينة وإطلاقهم اسم "قطع رأس الأفعى" على العملية في مدينتهم وتواجد الحرس الثوري، غيّر المعادلة.
وقال الخبير الأمني العراقي فؤاد علي، إن "الهجوم على الفلوجة لن يكون مثل الهجوم على تكريت، فالفلوجة أكبر وأكثر تعقيداً، كما أن أي عبث طائفي سيفجر العراق، لذا الملف مفتوح على نهايات لا أحد يعلمها، وهناك من يحشد ضد الفلوجة لتسخين الوضع أكثر في العراق".
وتوقّع علي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "تكون الخسائر مرتفعة جداً لدى الجيش والمليشيات، إلا أنهم سيتفوقون بالسلاح الصاروخي، لذا نحن مقبلون على عين العرب ثانية في حال لم تتدخل قوات التحالف الدولي وتحسم الأمور كما فعلت في تكريت سابقاً، عبر خطة دمرت خطوط الدفاع حول المدينة من دون أن تمس داخلها".
من جهته، دعا مجلس عشائر الأنبار المجتمعَ الدولي إلى "التدخّل لإنقاذ مدينة الفلوجة من المجازر الجماعية التي ترتكبها بحقهم مليشيات الحشد الشعبي والحكومة". وقال عضو المجلس الشيخ، محمود الجميلي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحشد الشعبي طوّق مدينة الفلوجة من أغلب الجهات، وكثّف من إطلاق الصواريخ والمدافع فضلاً عن البراميل المتفجرة على المناطق السكنية فيها، مستخدماً أسلوب إحراق الأرض"، معلناً أنّ "عشرات القتلى والجرحى من المدنيين يسقطون كل يوم في المدينة".
ولفت إلى أنه "لا وجود لداعش في المدينة، ولم يبقَ في الفلوجة إلا بعض العناصر القليلة، والحكومة لديها علم بذلك، وهي تسعى لإحراق المدينة بمن فيها من المدنيين"، مناشداً الدول العربية والعالم ومنظمات المجتمع الدولي بـ"تدخّل عاجل لإنقاذ المدنيين المحاصرين داخل المدينة".
إلى ذلك، أعلن رئيس مجلس محافظة الأنبار صباح كرحوت، أنّ "المجلس يبحث مسألة خروج العوائل المحاصرة في الفلوجة مع الحكومة العراقية". وأوضح كرحوت، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "الحكومة المحلية مستمرة بعقد اجتماعات مع حكومة بغداد، سعياً لفتح ممر لخروج المدنيين"، مؤكداً أنّ "الاشتباكات والقصف على المدينة لم يتركا أي ممر لخروج المدنيين"، معلناً أن "المجلس سيعقد اجتماعات عاجلة مع ممثلي وزارتي الدفاع والداخلية والحشد الشعبي لإيجاد حل للأزمة".
اقرأ أيضاً: قاسم سليماني بالعراق مجدداً مشرفاً على معارك الفلوجة