في المقابل، يهاجم الحوثيون المرتفعات المحيطة بجبل ناصه الاستراتيجي في جبهة دمت، شمالي الضالع، إضافة إلى مهاجمة مريس، إحدى أهم مناطق "المقاومة" في الضالع واليمن. ويستخدم الحوثيون في هذه المعارك الطائرات المسيرة، ويضغطون لإسقاط مريس تمهيداً للسيطرة على الضالع.
في السياق، يقول المقاتل في صفوف الشرعية، إبراهيم المريسي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّهم لم يعرفوا هجوماً للحوثيين كالذي يحدث اليوم، إذ يهاجم الأخيرون منطقة مريس بأربعة ألوية، ويتجاهلون خسارتهم مديرية النادرة في إب، كأول مديرية تسقط من أيديهم في هذه المحافظة. ويضيف أنّ "الحوثيين جاؤوا هذه المرة منتقمين، لذلك نقلوا قواتهم التي حاربت في حجور بمحافظة حجة، في الأشهر الأخيرة، إلى شمال الضالع، مردّدين أنهم آتون لتربية وتأديب الضالع التي كبدتهم أول هزيمة".
ويحاول الحوثيون استغلال النصر المعنوي الذي حققوه في مناطق حجور، من خلال استخدام القوات التي اقتحمت تلك المنطقة، لشنّ هجوم على محافظة الضالع، ويتخذون من العنف وعدم التفريق بين المدنيين والمقاتلين وسيلة لإرهاب الناس، في ظلّ خطة لا تقتصر، حسب مقربين منهم، على مهاجمة شمال الضالع، بل الانتقال إلى محافظات أخرى، لا سيما المحافظات الجنوبية.
وحوّلت هجمة الحوثيين الشرسة على شمال الضالع في هذا التوقيت الذي يعقب مواجهات حجور، المعركة إلى قضية رأي عام، خصوصاً بعد سيطرة الحوثيين على جبل ناصه الاستراتيجي، وعدم ظهور تحرّك سريع في البداية من الشرعية و"التحالف العربي"، لمساعدة "المقاومة" والجيش الوطني. لكن اشتداد المعارك وتقدّم الحوثيين، سرّعا في إرسال الشرعية إلى جانب "التحالف" وحتى "المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي المدعوم إماراتياً والذي يمتلك قوات كبيرة تنتشر في مناطق الجنوب كلها، تعزيزات عسكرية إلى جبهة مريس، البوابة الشمالية لمدينة الضالع.
ودفعت الشرعية بقوات لتعزيز الجبهات المشتعلة ووقف محاولات الحوثيين تحقيق تقدّم أو انتصار آخر، من خلال الاستفادة من نتائج معركة حجور، التي كانت غير متكافئة بين الحوثيين والقبائل، وفقاً لمعين سليمان، وهو أحد المقاتلين في جبهة شمال غرب الضالع، في حديث مع "العربي الجديد".
كما تحرّكت قوات كبيرة من عدن إلى شمال وشمال غرب الضالع بقيادة نائب رئيس "المجلس الانتقالي"، هاني بن بريك، الذي يوصف بأنه رجل الإمارات الأول في الجنوب. وينظر المجلس الانفصالي إلى معركة الضالع بوصفها مصيرية، لا سيما أنه يعتبرها معقلاً رئيسياً له، إذ يتحدر منها رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي، وبالتالي فإن سقوط الضالع يعني انتكاسة لوجود "الانتقالي" وقواته أمام الحوثيين، وهو ما قد يستغله خصومه على غرار استغلال "الانتقالي" لمعركة حجور. ولعلّ ذلك ما يفسّر انتقال بن بريك إلى الجبهات بقوات كبيرة.
وتسود تساؤلات عدة حول كيفية تقدم الحوثيين وتحريك قوات عسكرية كبيرة إلى الجبهة، من دون أن تتعرض لأي عرقلة. وتتردد معلومات عن أنّ أحد القيادات العسكرية من اللواء 30 مدرع التابع للشرعية، سهّل دخول الحوثيين وقد تمّت إقالته من منصبه. كما تفيد التسريبات بأن الحوثيين وجدوا فرصة لمهاجمة الضالع من خلال التعاون مع قيادات ومشايخ في جبهة العود الواقعة بين محافظتي الضالع وإب، وأن هؤلاء سهّلوا دخول قوات الحوثيين من الجهة الشمالية الغربية.
من جهته، قال القيادي في جبهة مريس، أبو عهد المريسي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ الحوثيين نقلوا معداتهم وقواتهم العسكرية من صنعاء وحجور وذمار إلى شمال الضالع من دون أن يعترضهم طيران التحالف، ما يطرح العديد من التساؤلات، خصوصاً أنّ السكان في جميع المناطق التي مرت منها هذه القوات، كانوا يعرفون أنّها متجهة إلى شمال الضالع. ويرى المريسي أنّ المعركة مع الحوثيين "هي معركة مصيرية، ومعركة وجود ضدّ مليشيات اغتصبت الأرض والدولة واعتقلت الكثير من الناس، رجالاً ونساءً وأطفالاً، بينهم المدرس والطبيب والصحافي والدكتور والشيخ والمهندس وغيرهم"، مؤكداً أنّ "التعايش معهم (الحوثيون) صعب في مشروع كهذا".
ورفع توغّل قوات الشرعية داخل محافظة إب من جهة الشرق، ومهاجمة الحوثيين مناطق شمال الضالع، نسبة النزوح بين المدنيين الذين وجدوا أنفسهم وسط معركة كبيرة. وفاقم تجدد النزوح من سوء الوضع الإنساني في مناطق المواجهات، لا سيما بعدما أجبر السكان على ترك منازلهم وأراضيهم. وفضّل الكثيرون منهم النزوح باتجاه مناطق الضالع، نظراً لإمكانية وصول المنظمات الدولية إليها، وفق أحاديث بعض النازحين.
ومن هؤلاء محمد عبد الرحمن العودي، النازح من مناطق مواجهات العود في النادرة بإب. ويقول العودي لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحوثيين استهدفوا منازل المواطنين بشكل مباشر، وأجبروا الناس على الخروج من بيوتهم. فقواتهم وآلياتهم العسكرية تقصف بشكل عشوائي على القرى، لذلك نزحنا مع الكثير من الناس من قريتي وقرى مجاورة إلى هنا في الضالع". ويضيف أنّ "المعارك كانت عنيفة، وهناك الكثير من القتلى مرميون في الطرقات التي مررنا عبرها، بينهم مدنيون".
ويوضح العودي أنّ "معظم السكان فضلوا النزوح باتجاه مناطق الضالع لوجود بعض الخدمات فيها، فضلاً عن وجود المنظمات الإنسانية والخيرية المحلية والدولية، على عكس مناطق وجود الحوثيين التي تغيب المنظمات عنها. كما أنّ الحوثيين قد يجبرون الرجال من النازحين على المشاركة في القتال".
وتعد المعارك في شمال الضالع وغربها وشرق محافظة إب واحدة من أهم الجولات الفاصلة التي قد تغيّر سير المعارك في اليمن، فضلاً عن تأثيراتها على محاولة التوصل إلى حل سلمي للأزمة المستمرة منذ سنوات في البلاد. ويسعى الحوثيون إلى استغلال فترة عدم التصعيد في الحديدة، لاستخدام قواتهم في معارك استراتيجية لهم، على غرار ما حدث في حجور أولاً ثم الضالع أخيراً. ويرجح أن تدفع هذه التطورات الشرعية و"التحالف" إلى إعادة التفكير في جدوى الاستمرار في وقف المعارك في الحديدة. وحتى اللحظة، تعتمد الشرعية إلى جانب التحالف، خيار الدفاع بدلاً من الهجوم في المحافظة وذلك بانتظار معرفة النتيجة النهائية لمصير الاتفاق الذي رعته الأمم المتحدة في السويد، لكن تنفيذه على أرض الواقع، تحديداً الشق المتعلق بإعادة انتشار قوات الحوثيين، يصطدم بتعنت من الجماعة. وسبق أن أعلن رئيس ما يسمى باللجنة الثورية التابعة للحوثيين، محمد علي الحوثي، في مقابلة مع وكالة "أسوشييتد برس" في شهر مارس/ آذار الماضي، أن "الحكومة فهمت اتفاق السويد خطأ"، وأن سيطرة الحوثيين "ستستمر على الحديدة". وقال الحوثي إن الحكومة الشرعية "لم تستطع الحصول على (الميناء) بالقوة ولن يسيطروا عليه بالحيل".