08 نوفمبر 2024
معركة الرّقة مجدّداً
كانت الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية على وشك أن تدخل مرحلة مفصلية وحاسمة، عبر معركة مدينة الرقة السورية التي كثر الحديث عنها في مايو/ أيار ويونيو/ حزيران الماضيين. وهي مرحلة كانت كفيلة، بحسب ما أشيع يومها، بأن تضع التنظيم على سكة النهاية، بغض النظر عن طول هذه السكّة. لكن تلك المعركة التي كانت سباقاً بين قوات النظام وفصيل قوات سورية الديمقراطية، بمكوّنَيْها العربي والكردي، توقفت فجأة وتوقف الحديث عنها. لكن، يبدو أن تطوراتٍ جديدةٍ لاحت هذه الأيام، قد تعيد الحديث عن هذه المعركة، وربما نشهد خوضها قريباً، مع تغير القائمين بها.
وألغيت تلك المعركة فجـأة يومها، على الرغم من أن القوات الأميركية، المساندة لقوات سورية الديمقراطية، مهّدت لها بإلقاء المناشير التي تدعو السكان إلى مغادرة المدينة. لكن المعركة لم تبدأ، وبدا أن كل ما صاحبها من صخب إعلامي لم يرقَ إلى حجم التحضيرات، بل والإمكانات المخصّصة لها في مقابل القوة التي يتمتع بها تنظيم داعش في المدينة. وعلى الرغم من الاستعداد الأميركي للشروع بها، ورغبة الروس في المشاركة فيها، إلا أن خلافاتٍ بشأن مرحلة ما بعد تحريرها، ودور الأكراد في المدينة بعد ذلك، علاوة على وضعهم شرطَ مساعدتهم في تحقيق بعض الطموحات السياسية، كلها عوامل ساهمت في وأد محاولة هذا الطرف، ثم انتقال قوات سورية الديمقراطية إلى فتح معركة منبج لتحريرها من قبضة التنظيم.
ومن جهة النظام، على الرغم من أن فصائل داعمة للجيش السوري بدأت في خوض المعركة، بدءاً من مدينة الطبقة التي تقدّمت فيها، إلا أن التطورات في حلب دفعتها إلى وقف معركة الرقّة، والإلقاء بثقلها في معركة حلب التي ما زالت جارية بين قوات النظام والفصائل المعارضة، كراً وفراً، حصاراً وكسراً للحصار.
إن أي فارق يريد فاعلٌ في الحرب السورية، أو في الحرب على "داعش"، تسجيله، لن يكون لافتاً إلا إذا حقق انتصاراً عليه في مدينة الرقة، معقله الأساسي. ومن هنا، يبدو أن تركيا قد وعت هذه الحقيقة وأرادت، بعد أن أخذت تفرض منطقتها الآمنة شمال سورية، على الأرض وفي مواقف الأطراف الدولية، أن تخوض هذه المعركة، من أجل محاربة التنظيم، والتخلص من تهديده أمنها، من جهة، ولكسب مزيد من التأييد لإقامة المنطقة الآمنة، من جهة أخرى. فقد نقلت صحيفة حرييت عن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في 7 سبتمبر/ أيلول
الجاري، أن معركة الرقة كانت على طاولة البحث بينه وبين الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على هامش قمة العشرين التي اختتمت أعمالها قبل أيام في الصين. وأضاف أردوغان أن أوباما عرضَ تعاوناً بين بلاده وبين تركيا، من أجل تحرير مدينة الرقّة من سيطرة التنظيم. وقال إن بلاده لا تمانع تعاوناً كهذا، داعياً العسكريين في البلدين إلى الاجتماع وتقرير ما يلزم. ولم يفت أردوغان التنبيه إلى أن المرحلة الحالية هي إثبات وجود بلاده في المنطقة، فتراجعها أمام المنظمات الإرهابية سيقوي الأخيرة فيها. ويتبين من كلام أردوغان أنه سيكون لتركيا وجود عسكري في المنطقة، وأن عملية الرقة ستكون بمشاركة مباشرة للقوات التركية، وليس فحسب عبر الفصائل السورية المعارضة التي تدعمها، وخصوصاً الجيش الحر، شريكها في عملية درع الفرات الذي تعاونت معه في عملية تحرير مدينة جرابلس من قبضة التنظيم.
وضع الرقة مختلف، وبأهمية خاصة من نواحٍ عدة. فهي تعتبر معقل تنظيم داعش الرئيسي وعاصمة "خلافته"، وهذا ما يعطي مهمة تحريرها الأهمية الكبيرة، كونه يقارب عملية قطع رأس التنظيم. فبعد هذه العملية، يمكن أن تشهد مناطق سيطرة التنظيم الأخرى في سورية والعراق تهاوياً سريعاً، وبالتالي، تسريعاً لمهمة القضاء على التنظيم التي تَشكَّلَ التحالف الدولي من أجلها. إضافة إلى ذلك، للرقة أهمية جغرافية واقتصادية، كونها نقطة وصل بين خمس محافظات سورية، وفيها يقع سد الفرات ومحطة توليد الطاقة الكهربائية الأهم في سورية، إضافة إلى منشآت نفطية، وغيرها.
أما منعكسات تحرير الرقة، فستكون، بالدرجة الأولى، على تركيا، حيث ستكرسها لاعباً أساسياً في المنطقة، ومؤثراً فاعلاً في الحرب في سورية. كما أن وجوداً تركياً في المنطقة سيقلل من فرص الأكراد تحقيق الكيان الفيدرالي من القامشلي إلى عفرين، مروراً بعين العرب (كوباني). وسيزيد تحريرها من شعبية أردوغان في بلاده، خصوصاً بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة التي استهدفته، واستهدفت البلاد في 15 يوليو/ تموز الماضي. ومن هنا، ليس لأردوغان سوى أن يتلقف العرض الأميركي الذي يمكن أن نشهد قريباً تنفيذه، نظراً لحرص أوباما على فعل شيء لافت، قبل نهاية فترته الرئاسية.
ولم يقع اختيار أوباما على تركيا مصادفة، فهو لاحظ سرعة تحقيق الفصائل التي تدعمها، النصر على تنظيم داعش في جرابلس وتحرير المدينة منه، وشروعها في إقامة المنطقة الآمنة التي طالما عارضتها واشنطن. كما أن هذه المعركة فرصة لأوباما، لكي يعيد الدفء إلى علاقة بلاده مع تركيا، بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة فيها، واستدراكاً لميل حليفه في حلف شمال الأطلسي (الناتو) السريع والشديد، نحو صديقه اللدود، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
لكن، مهما كانت حيثيات التنسيق الأميركي - التركي لتحرير الرّقة، فإن تحريرها سيكون خطوة نحو إنهاء الحرب في سورية. وسيجعل لتركيا دوراً في تحديد شكل المرحلة التي تلي وقف الحرب. إضافة إلى منعكساته على الوضع في العراق، وعلى الصراع مع الأكراد، كما أنه سيحدّد شكل فترة تاريخية طويلة من حياة المنطقة.
وألغيت تلك المعركة فجـأة يومها، على الرغم من أن القوات الأميركية، المساندة لقوات سورية الديمقراطية، مهّدت لها بإلقاء المناشير التي تدعو السكان إلى مغادرة المدينة. لكن المعركة لم تبدأ، وبدا أن كل ما صاحبها من صخب إعلامي لم يرقَ إلى حجم التحضيرات، بل والإمكانات المخصّصة لها في مقابل القوة التي يتمتع بها تنظيم داعش في المدينة. وعلى الرغم من الاستعداد الأميركي للشروع بها، ورغبة الروس في المشاركة فيها، إلا أن خلافاتٍ بشأن مرحلة ما بعد تحريرها، ودور الأكراد في المدينة بعد ذلك، علاوة على وضعهم شرطَ مساعدتهم في تحقيق بعض الطموحات السياسية، كلها عوامل ساهمت في وأد محاولة هذا الطرف، ثم انتقال قوات سورية الديمقراطية إلى فتح معركة منبج لتحريرها من قبضة التنظيم.
ومن جهة النظام، على الرغم من أن فصائل داعمة للجيش السوري بدأت في خوض المعركة، بدءاً من مدينة الطبقة التي تقدّمت فيها، إلا أن التطورات في حلب دفعتها إلى وقف معركة الرقّة، والإلقاء بثقلها في معركة حلب التي ما زالت جارية بين قوات النظام والفصائل المعارضة، كراً وفراً، حصاراً وكسراً للحصار.
إن أي فارق يريد فاعلٌ في الحرب السورية، أو في الحرب على "داعش"، تسجيله، لن يكون لافتاً إلا إذا حقق انتصاراً عليه في مدينة الرقة، معقله الأساسي. ومن هنا، يبدو أن تركيا قد وعت هذه الحقيقة وأرادت، بعد أن أخذت تفرض منطقتها الآمنة شمال سورية، على الأرض وفي مواقف الأطراف الدولية، أن تخوض هذه المعركة، من أجل محاربة التنظيم، والتخلص من تهديده أمنها، من جهة، ولكسب مزيد من التأييد لإقامة المنطقة الآمنة، من جهة أخرى. فقد نقلت صحيفة حرييت عن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في 7 سبتمبر/ أيلول
وضع الرقة مختلف، وبأهمية خاصة من نواحٍ عدة. فهي تعتبر معقل تنظيم داعش الرئيسي وعاصمة "خلافته"، وهذا ما يعطي مهمة تحريرها الأهمية الكبيرة، كونه يقارب عملية قطع رأس التنظيم. فبعد هذه العملية، يمكن أن تشهد مناطق سيطرة التنظيم الأخرى في سورية والعراق تهاوياً سريعاً، وبالتالي، تسريعاً لمهمة القضاء على التنظيم التي تَشكَّلَ التحالف الدولي من أجلها. إضافة إلى ذلك، للرقة أهمية جغرافية واقتصادية، كونها نقطة وصل بين خمس محافظات سورية، وفيها يقع سد الفرات ومحطة توليد الطاقة الكهربائية الأهم في سورية، إضافة إلى منشآت نفطية، وغيرها.
أما منعكسات تحرير الرقة، فستكون، بالدرجة الأولى، على تركيا، حيث ستكرسها لاعباً أساسياً في المنطقة، ومؤثراً فاعلاً في الحرب في سورية. كما أن وجوداً تركياً في المنطقة سيقلل من فرص الأكراد تحقيق الكيان الفيدرالي من القامشلي إلى عفرين، مروراً بعين العرب (كوباني). وسيزيد تحريرها من شعبية أردوغان في بلاده، خصوصاً بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة التي استهدفته، واستهدفت البلاد في 15 يوليو/ تموز الماضي. ومن هنا، ليس لأردوغان سوى أن يتلقف العرض الأميركي الذي يمكن أن نشهد قريباً تنفيذه، نظراً لحرص أوباما على فعل شيء لافت، قبل نهاية فترته الرئاسية.
ولم يقع اختيار أوباما على تركيا مصادفة، فهو لاحظ سرعة تحقيق الفصائل التي تدعمها، النصر على تنظيم داعش في جرابلس وتحرير المدينة منه، وشروعها في إقامة المنطقة الآمنة التي طالما عارضتها واشنطن. كما أن هذه المعركة فرصة لأوباما، لكي يعيد الدفء إلى علاقة بلاده مع تركيا، بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة فيها، واستدراكاً لميل حليفه في حلف شمال الأطلسي (الناتو) السريع والشديد، نحو صديقه اللدود، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
لكن، مهما كانت حيثيات التنسيق الأميركي - التركي لتحرير الرّقة، فإن تحريرها سيكون خطوة نحو إنهاء الحرب في سورية. وسيجعل لتركيا دوراً في تحديد شكل المرحلة التي تلي وقف الحرب. إضافة إلى منعكساته على الوضع في العراق، وعلى الصراع مع الأكراد، كما أنه سيحدّد شكل فترة تاريخية طويلة من حياة المنطقة.