كانت دورية للجيش اللبناني، تشق طريقها في جرد بلدة رأس بعلبك في البقاع (شرقي لبنان)، عندما وقعت في كمين لمسلحي جبهة النصرة يوم الثلاثاء، فسقط ستة قتلى من الجنود اللبنانيين وأصيب زميل سابع لهم، بينما أكملت المجموعة المعتدية طريقها وتركت بقعة الهجوم لمرمى نيران القذائف وراجمات الصواريخ. تتكرّر هذه الاعتداءات منذ فصل الصيف الماضي، تحديداً بعد معركة عرسال (عند الحدود مع سورية) في أغسطس/آب الماضي، والتي لا تزال تداعياتها مستمرة من خلال ملف الجنود اللبنانيين المخطوفين لدى كل من النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش). تشتعل الحدود الشرقية اللبنانية - السورية من حين لآخر، لجهة عرسال التي شكلت طوال السنوات الثلاث الماضية ملجأً للمعارضة السورية وللاجئين السوريين. وامتدّ التوتر خلال الأشهر الأخيرة إلى مناطق مختلفة من البقاع اللبناني، في قرى داعمة لحزب الله أبرزها في جرود بريتال ونحلة ويونين (جنوبي عرسال).
لكن اعتداء رأس بعلبك، مساء الثلاثاء، جاء ليفتح باباً جديداً في مسلسل التوتر الأمني على طول السلسلة، باعتباره الحادثة الأولى من هذا النوع تقع شمال عرسال، حيث الوجود المسيحي الأكبر في البقاع الشمالي أي قضاء بعلبك.
يشير عدد من العارفين بأحوال منطقة رأس بعلبك إلى المنطقة حيث وقع الاعتداء الأخير، في وادي النجاصة، الذي يبعد عن المنطقة المأهولة في البلدة مسافة خمسة كيلومترات. ويبتعد المسافة نفسها عن أطراف عرسال لجهة وادي عطا (المدخل الشمالي لعرسال). والأهم أنّ هذه النقطة تقع في عمق أكثر من تسعة كيلومترات في الأراضي اللبنانية، لتكون المجموعة المعتدية قد تجاوزت عددا من النقاط الأمنية التي تتحصن فيها وحدات الجيش اللبناني في الجرد. ويكشف الكمين عن الكثير من الشوائب الموجودة في عملية انتشار الجيش وعمل وحداتها في هذه المنطقة. وتتمثل هذه الشوائب، أولاً في كون هذه الوحدات تنفذ دورياتها بتوقيت بات معلوماً لدى جميع من في المنطقة، ما يسهل عملية الانقضاض عليها. ثانياً، لم يعمل الجيش على تأمين الطريق في وادي النجاصة، وخصوصاً أنه يقع وسط تلتين مرتفعتين يسهل فيهما مراقبة الدوريات والانتشار ونصب الكمائن. ثالثاً، في ظل واقع التوقيت المعلوم والانكشاف الأمني لم تعمل القيادة العسكرية على تأمين أي غطاء أو حماية لدورياتها في منطقة رأس بعلبك منذ أشهر. بالتالي تحوّلت هذه الدوريات إلى صيد سهل للمجموعات المسلحة، وبات الجنود اللبنانيون طعماً يسهل اصطياده من قبل مسلحين يمتهنون العيش في الجرود ويلمّون بطبيعة المعارك فيها.
في هذه المنطقة الجردية، من المفترض أنّ عناصر الجيش يتمركزون في أبراج عسكرية، بتمويل بريطاني. وتشكل هذه الأبراج التي كثر الحديث عنها قبل أيام، حصناً للجيش مزوداً بمناظير ووسائل رؤية حديثة لحماية البلدات البقاعية من اعتداءات المجموعات المسلحة ودخولها إليها. وإذ بكمين رأس بعلبك يقع لينسف هذه النظرية بأكملها، ويضع قيادة الجيش أمام الواقع الميداني في الجرد الشرقي. وتشير معلومات أمنية لـ "العربي الجديد" إلى أنّ العمل كان جارياً في جرد رأس بعلبك لإقامة مرصد عسكري متطوّر؛ لكشف السيارات المفخخة والمواد المتفجرة عن بعد. وعلى الرغم من وجود هذه الأنظمة التكنولوجية، تمكنت مجموعات النصرة من دخول المنطقة والإيقاع بدورية الجيش، مع العلم أنّ أنظمة مماثلة سبق وفشلت في العراق، ولم تمنع السيارات المفخخة ودخول الانتحاريين إلى المناطق المستهدفة.
وبعد ساعات من وقوع الكمين، انفجرت عبوة ناسفة على أطراف بلدة عرسال، ما أدى إلى وقوع قتيل إضافي من الجيش من فوج الهندسة، كان يعمل على تفكيك العبوة، وهي حادثة منفصلة بشكل كامل عن كمين رأس بلعبك، بحسب ما تؤكد مصادر أمنية. وتشير هذه المصادر إلى أنّ "العبوة مزروعة في المنطقة منذ مدة واكتشفها الجيش وعمل على تفكيكها"، مع العلم أنه سبق لآلية للجيش أن تعرّضت لانفجار مماثل في سبتمبر/أيلول الماضي.