معرض إسطنبول لكتب العلمانيين والكفرة

26 نوفمبر 2015
صرنا خارج الزمن، لأننا أردنا ذلك (Getty)
+ الخط -

شهدت إسطنبول أخيراً فعاليات أول معرض للكتاب العربي في تاريخ الجمهورية التركية، عاد الحرف العربي بين دفتي السلطان أحمد وآيا صوفيا، تسنده مسلة تحتمس الثالث تلك التي حملتها خيول الإمبراطور البيزنطي ثيودوسيوس الأول إلى القسطنطينية قبل أكثر من 1600 عام. الفعاليات غطتها شاشة قنوات الجزيرة والشرق والحوار، كما شهدت مواقع التواصل نقاشات ساخنة حول "نوعية" الكتب.

المعرض فكرة نواف القديمي، الكاتب والمفكر السعودي، والناشر المتميز، نواف حالم بما يكفي لتأسيس واقع حقيقي، هكذا أؤمن، أن الواقع لا يصوغه رائعاً ومدهشاً سوى هؤلاء الذين يمتلكون "القدرة" على الحلم، ذهب القديمي بكتب 50 من دور النشر العربية وافترش خيال القارئ العربي في إسطنبول... شهد المعرض، كما حكى لي غير واحد من أصدقائنا هناك، زحاما كبيرا، لكنه شهد انتقادات أكثر.. لماذا؟

يرى كثير من القراء هناك، الأتراك الذين يجيدون العربية على وجه الخصوص، أن المعرض علماني، أحدهم – رآه الصديق محمد سعيد – وقف وسط المعرض وقال ما هذا المعرض الذي لا يحمل سوى كتب العلمانيين الفجرة، أين الإسلام؟

المعرض، بحسب صفحة الشبكة العربية على فيسبوك، يضم كتب دور نشر أغلبها منشغل بالفكر الإسلامي، المركز الثقافي العربي، والمركز العربي للأبحاث، والدار العربية للعلوم، والساقي، والمدى، والجمل، وجداول، وشركة المطبوعات، وكتب الشبكة العربية للأبحاث.

هذه المكتبات، كما يعرفها من يتابعها، تهتم بالفلسفة والأدب، والتاريخ، والفكر الإسلامي والعلوم الإنسانية، من مداخل نقدية، حداثية، تقدم قراءات جديدة للتراث، والواقع، والنص، تشتبك حيناً، وتنحاز أحياناً، الشبكة العربية للأبحاث تحديداً، موضع النقد، والانتقاص، والمشرف على تنظيم المعرض، تعالج أفكار الحركات الإسلامية، من أقصى اليمين، إلى أقصى اليسار، بتنوعاتها، وتقدم طروحات فكرية وعلمية نقدية رصينة، وغير متربصة، تساعد العقل العربي والمسلم على تجاوز كبوته الحضارية، وتأخذه من هامش زمانه إلى متنه، لطالما رأيت شيوخاً بـ "عمم" في فرع القاهرة يشترون حتى آخر جنيه، وحسرة تخرج من جيوبهم قبل قلوبهم، إلا أن "الأشقاء" في تركيا رأوا في "النقد" كتابات علمانية كافرة .

اسمع يا صديقي، لا تدعي هذه السطور تعاليا على وعي القارئ، أو تحصيله، ورب قارئ "أوعى وأثقف" من كاتب، لا شأن للصحيح، والأصح، والمفروض، في هكذا رؤية، إلا أن حكايات معرض إسطنبول الطريفة تتجاوز الانحياز والغيرة، إلى الهوس الذي يرى في كتابات الأجداد حرماً لا ينبغي المساس به، أو الاقتراب غير المؤله له منه.

في النقاشات التي دارت على إحدى الصفحات يقول أحدهم أين الكتب الإسلامية "الأصيلة"،  لقد صدمت في هذا المعرض، أي معرض هذا دون كتب السلف!، ذكرني هذا بأحد الأصدقاء الذي كان يصف معرض القاهرة بمعرض القاهرة الدولي للكتاب الإسلامي، مشيراً إلى كثافة الحضور السلفي، ودور النشر السعودية، وتفوق مبيعاتها عما سواها.

لا شك في أن هذا يتغير، معرض القاهرة، وغيره، يشهد رواجاً منذ ثورات الربيع العربي لنوع آخر من الكتابات، لم ينسحب الكتاب التراثي، لكنه وجد ما ينافسه، الآن يتطلع جيل جديد من الباحثين التراثيين إلى القراءات النقدية، إلى فتح نوافذ المعرفة وتنسم هوائها، من الجهات الأربع، إلى التوقف عن "دوجما" التلقي، وحصر المعرفة في اتجاه واحد كل من يجاوزه "كافر" بالإجماع، إلا أن بعضاً آخر لا يزال أسرى القديم، الأول والأخير والوحيد، ويتصورون أن كل ما دون السلف تلف.

ما يهمني في هذا الشأن هم الشباب، جيل الربيع العربي، ووعيهم، وهو ما دفعني للكتابة، يحتاج الكثيرون من أبناء جيلنا، لا أن يصدقوا، بل أن يمنحوا أنفسهم فرصة لقراءات أخرى، صرنا ماضويين حتى في علمانيتنا بل في إلحادنا، صرنا ماضويين في ديننا ولا ديننا، صرنا خارج الزمن، لأننا أردنا ذلك، ولم يرده لنا دين أو دنيا، الآن ثمة محاولات، دعوها تعمل، دعوها تمر.  

(مصر)

اقرأ أيضاً: الإخوان أسوأ خلق الله... ما المطلوب؟

دلالات
المساهمون