تتفقد منى كل صباح حقائبها المجاورة لباب المنزل، وتستعد لسفر طال انتظاره من "غزة المنكوبة" كما تسميها. تبلغ منى حسنين 20 عاماً، وفشلت مراراً في السفر إلى السعودية كي تتم مراسم زفافها على ابن خالها الذي ارتبطت به قبل شهور قليلة. وتخشى أن تنتهي صلاحية تأشيرة دخولها الخاصة، ويصبح زواجها مجرد حبر على ورق.
معبر رفح البري الذي يصل قطاع غزة المحتل بمصر، كابوس يخنقُ أحلام الغزيين. ليس بإمكانهم فعل شيء. عشرات الآلاف من الغزيين ينتظرون يوميًا أي خبرٍ أو صدفةٍ تؤكد لهم فتح بوابات المعبر والسماح لهم بالسفر، حتى تجد ذاك السيل الجارف من البشر يتجه إليه بأمل
المرور إلى الصالة المصرية، وضمان مغادرة قطاع غزة.
أمس الثلاثاء، فتحت السلطات المصرية معبر رفح الحدودي مع قطاع غزة ليومين فقط، لكن في اتجاه واحد لإدخال العالقين الفلسطينيين في مصر ودول أخرى إلى القطاع. هؤلاء سيعلقون في القطاع مع غيرهم.
تقول منى بأسف: "بمجرد أن أسمع ولو إشاعة عن قرب فتح المعبر أطير مسرعة إليه من ساعات الصباح الأولى. حتى أنني اضطررت للمبيت ليلتين في المعبر ولم أستطع العبور والسفر حتى الآن". تؤكد حسنين أنها تحملت الكثير من العذاب والمعاناة والضغط النفسي في كل محاولاتها الفاشلة للسفر. وتوضح أنّ السلطات المصرية أعادتها أكثر من خمس مرات. تشعر أنّها يئست، وتقول: "لا أريد سوى اللحاق بزوجي هذا كل ما أحلم به".
من جهتها، تؤكد وزارة الداخلية الفلسطينية في غزة، أنّ معبر رفح الحدودي ما بين قطاع غزة ومصر، يشهد أسوأ فترة عمل منذ عام 2009. ويقول المتحدث باسم وزارة الداخلية إياد البزم إنّ إغلاق معبر رفح منذ بداية العام الجاري 2015 تجاوز 100 يوم. ولم يعمل المعبر سوى خمسة أيام فقط.
بدوره، يقول مدير هيئة المعابر والحدود في قطاع غزة، ماهر أبو صبحة، إنّ آلاف الفلسطينيين بحاجة للسفر. ومن بين هؤلاء مرضى وطلاب، وأصحاب إقامات. ورغم أنه جرت العادة من الجانب المصري بفتح المعبر رفح لمدة يومين أو ثلاثة أيام بعد إغلاق يزيد عن خمسين يوماً، لكن الأيام الخمسين انقضت ولم يتم فتح المعبر بعد.
ويقول أبو صبحة لـ"العربي الجديد": "لا نستطيع إيهام المواطنين بأنّ المعبر سيفتح. وحين تقرر السلطات المصرية فتحه يتم إبلاغنا وإبلاغ السفارة الفلسطينية في القاهرة بذلك". ويشير إلى أنّ على المسؤولين الفلسطينيين المطالبة بفتح المعبر بشكل كامل، نظراً للمعاناة الشديدة التي يعيشها المواطن داخل قطاع غزة.
كما يوضح أبو صبحة أنّ الجهود الفلسطينية لا تعدو كونها مجرد نداءات موسمية. ويكشف أنّ أصحاب الحالات الإنسانية الذين يحتاجون إلى سفر يبلغ عددهم 90 ألف مواطن، من بينهم 3500 مريض، و2500 طالب ومواطن انتهت إقاماتهم أو توشك على الانتهاء، بالإضافة إلى أصحاب الجوازات المصرية والأجنبية. يضيف: "بالنسبة لمن يطالبنا بتسليم المعبر حتى تنتهي الأزمة، أشير إلى أنّه حتى اليوم لا يوجد أي قرار سياسي لدى السلطة الفلسطينية بخصوص مشكلة المعابر. وإلى أن تكون هناك جدية في الأمر سنعمل وفق المعطيات المتاحة". كما يطالب السلطات المصرية بفتح المعبر بشكل عاجل.
في المقابل، ينتقد الحقوقي صلاح عبد العاطي استمرار السلطات المصرية بمعاقبة سكان قطاع غزة من خلال إغلاق معبر رفح، والذي يعمل على تشديد الحصار على مليون وثمانمائة ألف مواطن، وهو ما يتنافى مع بنود اتفاقية جنيف التي تعطي لكلّ إنسان الحق بالسفر والتنقل من وطنه إلى العالم الخارجي.
ويقول عبد العاطي لـ"العربي الجديد": "معبر رفح هو المتنفس الوحيد لقطاع غزة، وإغلاقه المستمر يضرّ بحقوق الإنسان. الكثير من المواطنين الفلسطينيين في غزة بحاجة للسفر، وهو حق لهم. نحن نتفهم الظروف الصعبة التي تمر بها سيناء، لكن وفي إطار عمق العلاقات التاريخية بين فلسطين ومصر، على الأخيرة الالتزام بفتح المعبر بشكل منتظم ومستمر".
ويشير عبد العاطي إلى أنّ حالة الانقسام الفلسطيني وتداعياتها قادت إلى الوضع الراهن. ويؤكد حاجة الفلسطينيين إلى حلول بديلة جدية لفتح المعابر. ويضيف: "على حكومة الوفاق الوطني تسلم مهامها ورفع الحصار عن قطاع غزة المحتل لضمان حقوق الإنسان. كما من واجبها الضغط على الجانب المصري حتى يتمكن السكان من السفر للعلاج، والالتحاق بجامعاتهم، وغير ذلك".
اقرأ أيضاً: طلبة غزة يريدون بديلاً عن معبر رفح المغلق