معبر رفح بين الكابوس والإهانة

17 ديسمبر 2015
+ الخط -
من يتخذون الدين شعاراً لهم هم أكفر الناس به، لا يملكون مبدأ دينيا ولا سياسيا.
شباب يضيع مستقبلهم من أجل الواسطات والرشاوي ودولارات تُدفع لهذا وذاك، شباب يحلم بغدٍ مشرق، وهم تحت قبضة سجان لا يعرفُ الله، وما من يد عون تُمدُ إليهم. تُدمّرُ كل أحلامهم في ثانية، ويصرخون من أجل حريتهم "طلبة وبدنا نسافر، بدنا نسافر، وما معنا دولارات سلمو المعابر".
هتافاتٌ وصرخاتٌ ملأت معبر رفح البري، ولا أحدٌ ينصتُ لهم، وفتيات يتعرضن للإيذاءِ أمام الأعين والضرب، إذا ما حاولوا خوض المخاطرة في دخول باص لينقذوا مستقبلهم.
سمعتُ كلاماً من أفواه أبناء الشعب "لا نريدهم، حسبي الله عليهم، خليهم يسلمو المعبر، بدنا حياتنا تستقر هؤلاء لا يعرفون الله". ولكن في الواقع هو مجرد كلامٌ متناثرٌ هنا وهناك، فلا أحد يستطيع مجابهتم، وكأن هذا الشعب الجبار الذي يتصدّى للاحتلال يوميا، لا يستطيع التصدي لمن يأخذ لقمة عيشه وكرامته وحريته، وإذا حاول أحدهم فعل ذلك؛ هجموا عليه بهرواتهم وأبرحوه ضرباً من دون رحمة.
مواقفَ كثيرة شاهدتها، وهناك أمثلة كثيرة منها: كاد شاب يُقتل بسبب غباء شرطي، فخلال محاولته السفر قيده الشرطي وضرب رأسه على الأرض، أمام باب صالة انتظار المسافرين، فلولا صرخة أم كانت حاضرة المشهد، لصار الشاب في عداد الموتى.
موقف آخر شاهدته، لطلاب الجامعات الذين ينتظرون، منذ فترة، فتح المعبر بفارغ الصبر، إذ ظلوا يهتفون داخل صالة الانتظار، حتى فاض بهم الكيل، فتدافعوا تدريجيًا إلى أن تخطوا "الكاونتر" الذي يفصل بينهم وبين الموظف المتحكم بهم، فهرب الموظفون، واحتموا داخل الغرفة، لتشتد الهتافات والصرخات والعويل، ومن كثرة الطَرق على الباب، ومحاولة كسره، قام أحدهم وفتح الباب فجأةً، وأمسك هو وآخر شابين أدخلوهم للغرفة، وأبرحوهم ضربا ولم يتركوهم إلا بعد ساعات.
من جانب آخر، من غير المعقول ربط سلاح المقاومة بتسليم المعبر للسلطة الفلسطينية، باعتبار أن ذلك سيؤدي إلى وقف المقاومة، والحد من سلاحها، كما قال زياد الظاظا، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، رابطا بشكل غير منطقي بين فتح معبر رفح وتسليمه والقضاء على الهبة الشعبية بالقدس، فهي مبررات غير منطقية، ولا تمت للواقع بشيء، ودليل على فراغ يملأ ساحتهم السياسية.
في الآونة الأخيرة، لم نسمع أصواتَ قيادات حماس في الحكومة المقالة في غزة، ولم نسمع أي تعليق على أي من الأحداث الجارية سوى صوت القيادي في حركة حماس، موسى أبو مرزوق، الذي ليس لديه عمل سوى الحديث عن معبر رفح "نحن نوافق على عودة حرس الرئاسة لاستلام المعبر شرط وجود عناصرنا معهم، نحن اتفقنا ولكن الأخوة بفتح لا يريدون مصالحة، إن تسليم المعبر ما هو إلا سبيل لإفشال انتفاضة القدس".
ثم خرج محمود الزهار، عضو المكتب السياسي في حركة حماس، وصرح "لن نسلم معبر رفح للصوص"، فهو يصف السلطة باللصوص، فيما هناك حديث عن نهب حكومته المقالة الشعب من دون محاسبة، فمن الذي يطلق عليه صفة اللص هنا؟
فراغ سياسي وكلام فارغ ينثرونه هنا وهناك، من دون وعي بالشعب وآلامه المستمرة، بسبب تعصب أعمى لسياساتٍ عنصرية، فكونك فلسطيني ومن غزة عليك مشاهدة الأحداث الدائرة في مجتمعك الصغير والضعيف، من دون أن يحق لك التعبير عن رأيك.
هذا هو حال أبناء فلسطين في غزة، ضعفاء لا يستطيعون فعل شيء سوى الحديث الذي لا يُجدي نفعا، ويظل من يُقال عنهم إنهم يعرفون الله هم المسيطرون على الناس، ويتحكمون بمصير مليوني مواطن، من دون أي اعتبار، فلا هم يرحمون، ولا يتركون رحمة الله تنزل على عباده، فبما أنك فلسطيني غزاوي، عليك بالصبر والدعاء إلى أن تأتيَ ساعةُ الاستجابة من الله.
21DE88C9-1996-4132-A3BB-48A5755CF8E2
21DE88C9-1996-4132-A3BB-48A5755CF8E2
نجوى اقطيفان (فلسطين)
نجوى اقطيفان (فلسطين)