منذ أيام، ومواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام في الجزائر والمغرب تعيش ما يشبه الحرب. ليس لذلك علاقةٌ بقضيّة الصحراء الغربية، التي تُعتَبر أبرز أسباب توتّر العلاقات بين البلدين، ولا بغلق الحدود المستمرّ بينهما منذ 1994. السببُ مرتبطٌ، هذه المرّة، بمجموعة من المغنّين الجزائريين الذين أثارت صورهم وتصريحاتهم حفيظة الرأي العام في بلدهم.
البداية كانت مع مغنّي الراي، رضا تمني (1980)، المعروف باسم "رضا الطلياني"، حين نشر، قبل أسابيع قليلة، صورةً له مع العاهل المغربي، محمد السادس. أثارت الصورةُ جدلاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بين مرحّب ومعارض، قبل أن يُردفها بتصريحات، في إحدى الإذاعات المحلية المغربية، قال فيها "إن أيّاً من الذين ينتقدونني كانوا سيسعون إلى التقاط صورة مع سيدنا جلالة الملك، نصره الله، لو التقوا به"، وهو ما اعتبره جزائريون إساءةً لهم. وفي الحوار ذاته، قال صاحب "جوزفين" إنه لن يرفض الجنسية المغربية لو عُرضت عليه، وإنه "سيلبّي النداء" لو وُجّهت له دعوةٌ للغناء في ما أسماه "الأقاليم الصحراوية".
حملة الانتقادات طاولت أيضاً المغنّي "كادير الجابوني" (1978)، الذي سُئل على هامش مشاركته في الدورة العاشرة من "مهرجان الراي" في مدينة وجدة المغربية، والتي أُقيمت بين 16 و23 تمّوز/ يوليو الماضي، عمّا إذا كان "مستعدّاً للغناء في الصحراء المغربية"، فردّ بالإيجاب.
لكن "الجابوني" لم يُثر ما أثاره مواطنه فضيل بيلوي (1978)، المعروف باسم "الشاب فضيل"، والذي صنع جدلاً واسعاً بعد أن جثا على ركبتيه أمام صورةٍ للعاهل المغربي في ختام "مهرجان جوهرة" الذي أُقيم مؤخّراً في مدينة الجديدة المغربية. نال المغنّي المغترب نصيبه من الانتقادات بسبب سلوكه الذي اعتُبر "مستفزّاً للجزائريين"، خصوصاً أن ذلك تزامن مع إعلانه حصوله على الجنسية المغربية.
أيضاً، صنع مغني الراي، خالد حاج إبراهيم (1960) الذي عُرف بـ "الشاب خالد"، جدلاً وانتقادات وصلت إلى حدّ تخوينه بعد إعلانه عام 2013 حصوله، هو الآخر، على الجنسية المغربية، وأيضاً بسبب تصريحات أدلى بها مؤخّراً ردّ فيها على منتقديه بطريقة اعتُبرت "مهينةً"، وقال فيها إن مدينة وهران، مسقط رأسه، "مغربية الهوى".
كلّ ذلك دفع عائلة "ملك الراي" إلى الخروج عن صمتها، لأوّل مرّة، عبر قنوات فضائية جزائرية، لتدافع عن "وطنية" صاحب "عايشة"، موضحةً أن منح الملك المغربي الجنسية لابنها "مجرّد إجراء لتسهيل دخول المغرب"، مطالبةً الجمهور بـ "عدم المساس بسمعة العائلة التي شاركت في الكفاح ضدّ الاستعمار الفرنسي".
يحدث ذلك وسط حديث عن حرب موازية تجري رحاها في الكواليس بين البلدين، حول أغنية الراي، التي يبدو أنها موضع منافسة بين البلدين. في المغرب، يُنظّم كلّ سنة مهرجان للراي في وجدة القريبة من الحدود مع الجزائر، وقد وصل هذا العام إلى دورته العاشرة، بينما يُقام في الجزائر مهرجان متخصّص في الموسيقي نفسها.
ومع أن عمره يعود إلى أكثر من 15 عاماً، فإنه لا يزال يشهد تعثّرات كثيرة، بدءاً بنقله بين مدينتي وهران وبلعباس غرب الجزائر، وليس انتهاءً بذبذبة مواعيده التي أدّت إلى إلغاء عدد من دوراته، وهو ما كان يهدّد الدورة الحالية (التاسعة)، قبل أن يعود وزير الثقافة، عز الدين ميهوبي، ويُعلن الأربعاء الماضي عن إقامة الدورة هذا العام، بعد أن عيّن الفنّان لطفي عطّار مديراً له.
على أن المنافسة لا تقف عند هذا الحدّ، فمع مطلع هذا العام، قدّمت وزارة الثقافة المغربية ملفّاً لـ "اليونسكو" لتصنيف أغنية الراي تراثاً إنسانياً لا مادياً مغربياً، وهي خطوة رأى فيها مهتمّون بموسيقى الراي "محاولة لتوظيف الراي لتسيير مغاربيي المهجر الفرنسي"، وسرعان ما ردّت وزارة الثقافة الجزائرية بملفّ مماثل، وسط اتّهامات لها بالتقاعس في تلك الخطوة.